ثلاثة و عشرون (23) قرارا جديدًا للمحكمة الدستورية فاصلة في دفع بعدم دستورية المادة 73-4 من القانون رقم 90-11 المؤرخ في 21 أبريل 1990 المعدل والمتمم المتعلق بعلاقات العمل قد تم نشرها في الجريدة الرسمية رقم 34 المؤرخة في 19 ماي 2022 . يتعلق الأمر بقرارات تحمل رقم من 01/ق.م د/د ع د/22 إلى 23 /ق.م د/د ع د/22 مؤرخة في 26 جانفي 2022 . هذه القرارات صدرت بعد أن عرض على المحكمة الدستورية مراقبة مدى مطابقة المادة 73-4 السالفة الذكر للدستور. المادة 73-4 تنص على ما يلي :
" إذا وقع تسريح العامل مخالفة للإجراءات القانونية و/أو الاتفاقية الملــزمــة، تــلــغي المحكـمـة المخـتصة ابـتـدائـيـا ونـهـائـيـا قـرار التســريح بسبب عدم احـترام الإجـــراءات وتلزم المستخدم بالقيام بالإجراء المعمول به ويمنح العامل تعويضا ماليا على نفقة المستخدم، لا يقل عن الأجر الذي يتقاضاه كما لو استمر في عمله، وإذا حدث تسريح العامل خرقا لأحكام المادة 73 أعلاه، يعتبر تعسفيا.
تفصل المحكمة المختصة ابتدائيا ونهائيا إما بإعادة إدماج العامل في المؤسسة مع الاحتفاظ بامتيازاته المكتسبة، أو في حــالــة رفض أحــد الطرفــين يمنح الــعـامـل تعويضا ماليا لا يقل عن الأجر الذي يتقاضاه العامل عن مدة ستة (6 ) أشهر من العمل، دون الإخلال بالتعويضات المحتملة.
. يكون الحكم الصادر في هذا المجال قابلا للطعن بالنقض " .
المادة 73-4 من القانون رقم 90-11 المؤرخ في 21 أبريل 1990 المعدل والمتمم المتعلق بعلاقات العمل التي تغلق طريق الاستئناف في الأحكام الصادرة عن المحاكم في دعاوى إلغاء قرارات تسريح العمال كانت محل انتقادات سواء من طرف المستخدمين أو من طرف العمال. الأولون حينما يقضي الحكم بإلغاء قرار التسريح مع الأمر بإعادة إدراج العامل إلى منصبه أو عندما يقضي بالتعويض عن التسريح التعسفي و من طرف العمال في حالة ما قضى الحكم برفض طلبهم بإلغاء قرار التسريح و اعتباره مطابق للقانون.
من الصعب فعلا على المتقاضي استيعاب قاعدة عدم جواز الاستئناف في الحكم الصادر ضده سواء بالنسبة للعامل الذي يرى قرار تسريحه مثبت من طرف القاضي أو بالنسبة للمستخدم الذي يصدر ضده حكم يلزمه بإرجاع العامل المسرح إلى منصب عمله أو دفع له تعويضات عن هذا التسريح.
إذا كان القانون المؤرخ في 21 أبريل 1990 قد منع الاستئناف في الأحكام الصادرة من المحاكم فإنه أجاز ضد هذه الأحكام طريق الطعن بالنقض أمام المحكمة العليا و لكن كون المحكمة العليا لا تفصل في هذا الطعن الذي لا يوقف التنفيذ إلا في أجل طويل قد يتعدى السنة فإن القرار الذي تصدره حتى لو كان ايجابيا فإنه لن يصلح الضرر الناتج عن تنفيذ الحكم إلا جزئيا.
الانتقادات الموجهة من طرف المحامين و حتى من طرف المتقاضين العاديين ضد قاعدة عدم جواز الاستئناف في أحكام المحاكم الفاصلة في مواد تسريح العمال المنصوص عليها في المادة 73-4 تجد مبرراتها بالخصوص إذا علمنا أن دعاوى إلغاء قرارات تسريح العمال المتخذة من قبل المستخدمين ترفع أمام الأقسام الاجتماعية للمحاكم التي كثيرا ما يترأسها قضاة تم تعيينهم حديثا أو لهم تجربة متواضعة في سلك القضاء الشيء الذي يؤثر لا محالة على نوعية الأحكام الصادرة.
لذلك فليس من المستغرب أن تحال أمام المحكمة الدستورية مسألة عدم دستورية المادة 73-4 على أساس خرقها لمبدأ التقاضي على درجتين و هذا ما يفسر العدد الكبير للطعون التي فصلت فيها هذه المحكمة . تأييدا لدفعهم بعدم دستورية المادة 73-4 من القانون المتعلق بعلاقات العمل ، فإن المدعين دفعوا أمام المحكمة الدستورية أن هذا النص التشريعي يتعارض من جهة مع أحكام المادة 37 من الدستور التي تنص على أن: " كل المواطنين سواسية أمام القانون و لهم الحق في حماية متساوية ، و لا يمكن أن يتذرع بأي تمييز يعود سببه إلى المولد، أو الجنس ،أو الرأي، أو أي شرط أو ظرف آخر شخصي أو اجتماعي " ، ومن جهة أخرى يتعارض مع المادة 165 (الفقرة الأخيرة) من الدستور التي تنص على أن :" يضمن القانون التقاضي على درجتين ".
على الرغم من أن المحكمة الدستورية أشارت إلى أن المادة 165 (الفقرة الأخيرة) من الدستور تنص فعلا على أن القانون يضمن التقاضي على درجتين ويحدد شروط وطرق تطبيقه ، فإنها قضت بأن هذه المادة تمنح ضمنيا للمشرع صلاحية فرض القيود و الاستثناءات اللازمة ، و من ثمة فأنه يجوز للقانون حسب رأيها فرض استثناء لمبدأ التقاضي على درجتين دون أن يشكل ذلك مساسا بالدستور.
واصلت المحكمة الدستورية تسبيبها في اتجاه دستورية المادة 73-4 فأشارت إلى أن المشرع بصياغته لهذه المادة فإنه أحاط القضاء الاجتماعي بقواعد إجرائية خاصة يميزها مبدأ السرعة و المحافظة على المصالح الاجتماعية و المهنية لفئة العمال ولا يمس بحقوق المواطنين و إنما يكرس السير الحسن للعدالة ، فلا يجب أن يبقى الفصل في المنازعات الخاصة بهم حبيس القواعد الإجرائية العامة و المعقدة و الطويلة و من ثمة يمكن تقييد حق الاستئناف دون أن يمس ذلك بجوهر الضمانات القضائية المقررة للمتقاضين و عليه خلصت المحكمة الدستورية فإن إلغاء الاستئناف في المنازعات ذات الصلة بعلاقات العمل لا يمس بحقوق المواطنين و إنما يكرس السير الحسن للعدالة.
من جهة أخرى اعتبرت المحكمة الدستورية أن القضايا الاجتماعية خاصة منها المتعلقة بالطرد التعسفي من العمل تتميز بالاستعجال سواء في آجال رفع الدعوى أو إصدار الحكم أو تنفيذه و بإعفاء العامل جزئيا أو كليا من المصاريف القضائية بالنظر إلى ظروفه المادية و المهنية و الاجتماعية التي لا تسمح له في غالب الأحيان تحمل طول الانتظار لفصل في قضيته و بالتبعية فإن تقليص مدة الفصل النهائي يفي مثل هذه القضايا بحذف طريق الاستئناف لا يمس بالدستور.
أخيرا ، اعتبرت المحكمة الدستورية أيضا أنه و في كل الأحوال وعلى عكس المنازعات الأخرى المعروضة أمام المحاكم ، فإن منازعات العمل تمر لزوما قبل عرضها على القضاء على إجراءات أولية بهدف تسويتها وديا لا سيما تخضع لمحاولة الصلح أمام مفتشيه العمل ثم طرح النزاع على مكتب المصالحة فيما أن المادة 34 ( الفقرة 2) من الدستور أجازت بصفة استثنائة تقييد الحقوق و الحريات و الضمانات لأسباب مرتبطة بحفظ النظام العام و الأمن و حماية الثوابت الوطنية و كذا تلك الضرورية لحماية حقوق و حريات أخرى يكرسها الدستور، فطالما أن اختصاص وضع شروط و إجراءات التقاضي على درجتين يعود للمشرع فإنه يمكن من خلال ذلك ضمان هذا المبدأ في جميع منازعات العمل متى رأى ذلك مناسبا.
مما سبق ، خلصت المحكمة الدستورية إلى أن المادة 73-4 من القانون رقم 90-11 المؤرخ 21 أبريل 1990 المعدل و المتمم المتعلق بعلاقات العمل لا تتعارض مع المادتين 37 و 165 (الفقرة الأخيرة ) من الدستور وبالتالي أعلنت دستورية هذه المادة.
تجدر الإشارة إلى أن الأسباب التي بنت عليها المحكمة الدستورية التصريح بدستورية المادة 73-4 وردت في قرارها الأول رقم 01/ق.م د/د ع د/22 المؤرخ 26 جانفي 2022 و أما باقي القرارات و عددها 22 التي تحمل رقم من 2 إلى 23 المصرح بها في نفس اليوم فإنها لم تتضمن تسبيب في الموضوع كونها تتعلق بالدفع بعدم دستورية نفس المادة 73-4 و لذلك فإنها اكتفت بالإحالة إلى أسباب قرارها الأول و ذلك تطبيقا للمادة 29 مكرر من قانونها الداخلي.
الأستاذ براهيمي محمد
محامي لدى مجلس قضاء البويرة
brahimimohamed54@gmail.com