على غرار الأنظمة القضائية الأكثر تقدما، أجاز المشرع الجزائري تبليغ و إرسال الوثائق والإجراءات القضائية بالطريق الالكتروني . فتطبيقا للمادة 9 من القانون رقم 15-03 المؤرخ في 1 فيفري 2015 المتعلق بعصرنة العدالة : " فضلا عن الطرق المنصوص عليها في قانون الإجراءات المدنية و الإدارية و قانون الإجراءات الجزائية في هذا المجال ، يمكن أن يتم تبليغ و إرسال الوثائق و المحررات القضائية و المستندات بالطريق الالكتروني ". نفس القانون ( المادة 4 ) ينص : " يمكن أن تمهر الوثائق و المحررات القضائية التي تسلمها مصالح وزارة العدل و المؤسسات التابعة لها و الجهات القضائية بتوقيع الكتروني تكون صلته بالمحرر الأصلي مضمونة بواسطة وسيلة تحقق موثوقة ".
تطبيقا لهذا القانون، تم إتمام وتعديل قانون الإجراءات المدنية والإدارية بموجب القانون رقم 22-13 المؤرخ في 12 جويلية 2022.و هذا التعديل مس فقط الجهات القضائية الإدارية. وهكذا أمام المحكمة الإدارية الابتدائية والمحكمة الإدارية للاستئناف ، ووفقاً للمادتين 840 و900 مكرر 3 من قانون الاجراات المدنية والإدارية: " تبلغ كل الإجراءات المتخذة و تدابير التحقيق إلى الخصوم بكل الوسائل المتاحة بما فيها الالكترونية ". هذه الطريقة لإرسال و تبليغ الإجراءات و الوثائق بالطريق الالكتروني مددت للإجراءات المطبقة أمام قاضي الأمور المستعجلة الإداري بموجب المادة 931 من نفس القانون التي تنص : "يجوز أن توجه المذكرات و الوثائق الإضافية المقدمة بعد الجلسة و قبل اختتام التحقيق مباشرة إلى الخصوم الآخرين بكل الوسائل القانونية بما في ذلك الطريقة الالكترونية ". علاوة على ذلك وتطبيقا للمادة 815 من نفس القانون فإنه يجوز رفع الدعوى أمام المحكمة الإدارية بالطريق الالكتروني.
بسماح القانون تبليغ و إرسال الوثائق و الإجراءات القضائية بالطريق الالكتروني ، يبقى حينئذ تحديد الأدوات الالكترونية التي تسمح بتجسيد هذه الآلية . تطبيقا للقانون رقم 15-03 المؤرخ في 1 فيفري 2015 تم إحداث منظومة معلوماتية مركزية للمعالجة الآلية للمعطيات تتعلق بنشاط وزارة العدل و المؤسسات التابعة لها و كذا الجهات القضائية للنظام القضائي العادي و النظام القضائي الإداري و محكمة التنازع . وبموجب المواد من 4 إلى 7 من هذا القانون يمكن أن تمهر الوثائق و المحررات القضائية التي تسلمها مصالح وزارة العدل و المؤسسات التابعة لها و الجهات القضائية بتوقيع الكتروني تكون صلته بالمحرر الأصلي مضمونة بواسطة وسيلة تحقق موثوقة. تفترض الموثوقية في وسيلة التصديق إلى غاية إثبات العكس متى أنشئ التوقيع الالكتروني و كانت هوية الموقع أكيدة و سلامة العقد مضمونة. و أسند هذا القانون لوزارة العدل ضمان التصديق على التوقيع الإلكتروني و ذلك بواسطة ترتيب الكتروني مؤمن يضمن التعرف على هوية الشخص المرسل إليه و تاريخ صلاحية التوقيع و المعلومات التي يتضمنها.
من البديهي أن اختيار الإطار الوظيفي للتبادل بالطريق الإلكتروني بين الجهات القضائية والمتقاضين ومحاميهم يجب أن يلبي متطلبات الأمن و الفعالية و الاحترام للأحكام القانونية و بالخصوص احترام أحكام و قواعد قانون الإجراءات المنية و الإدارية.
بالنسبة للمسألة التي نحن بصددها أي إشكالية تبليغ الأعمال الإجرائية مثلا تبليغ أوامر التصحيح أو الاعدارات أو أوامر إقفال التحقيق أو تبليغ تاريخ الجلسة ، فإنه كثيرا ما تبلغ هذه الأعمال الإجرائية من طرف الجهات القضائية الإدارية إلى محاميي الأطراف عن طريق خدمة الرسائل القصيرة( (SMSإذ ترسل لهم على رقم هواتفهم الذي بلغت به هذه الجهات القضائية مسبقا أو على رقم الهاتف المدون في كتابات المحامين. إذا كان تبليغ الأعمال الإجرائية بواسطة رسائل قصيرة على غرار تبليغ اعذار بإيداع المذكرة الجوابية في أجل محدد ، أو تبليغ قرار اختتام التحقيق لا يعد في حد ذاته مخالف للقانون كون هذا الطريق للتبليغ هو طريق إلكتروني بمفهوم القانون رقم 15- 03 المؤرخ في 1 فيفري 2015 . بالمقابل فإن هذا الطريق الإلكتروني المبسط لتبليغ أعمال الإجراءات يثير تساؤلات و شكوك من حيث نجاعته و قانونيته بالنظر إلى القواعد الصارمة لقانون الإجراءات المدنية و الإدارية المتعلقة بتبليغ الإجراءات و العقود القضائية .
تبليغ المحامي بإجراء قضائي عبر خدمة الرسائل القصيرة (SMS) لا يضمن على الإطلاق استلام هذه الرسالة من طرف المرسل إليه. يجب الملاحظة أن تبليغات بعض الإجراءات التي تتخذها الجهات القضائية قد يكون لها أثر على سريان أجل السقوط مما سيؤثر على أصل الحق المطالب به في ملف الدعوى. و هكذا فإن المحامي الذي بلغ عن طريق رسالة قصيرة بأمر تصحيح إجراء معين في أجل محدد يكون ملزما بالقيام بهذا التصحيح خلال هذا الأجل و في حالة التهاون فإن الإجراء المشوب بالعيب سيستبعد من المناقشات و هذا ما قد يؤثر سلبا على أصل الحق رغم أن المحامي و لسبب ما لم يتسلم الرسالة القصيرة.
في الحقيقة ، فإن هذه الممارسة التي تلجأ لها بعض الجهات القضائية الإدارية المتمثلة في تبليغ المحامين عبر خدمة الرسائل القصيرة بأعمال الإجراءات التي تتخذها في الملفات التي تأسسوا فيها هي ممارسة مخالفة للقانون ويمكن أن تكون محل بطلان في حالة الطعن فيها أمام الجهة القضائية الإدارية الأعلى. . في الإجراءات التقليدية التي يتم فيها تبليغ أعمال الإجراءات كتابيا ، فإن الجهة القضائية الإدارية لا ترتب جزاء على عدم الرد على أمر بالقيام بإجراء أو على اعذار إلا إذا ثبت قطعيا أن المرسل إليه قد استلم فعلا هذا الأمر أو الاعذار . يثبت الاستلام في هذه الحالة إما عن طريق محضر يحرره المحضر القضائي و إما عن طريق الإشعار بالاستلام إذا تم الإرسال عن طرق البريد. في مجال الإرسال أو التبليغ بالطريق الالكتروني يجب كذلك على الجهة القضائية لزوما مراقبة ما إذا استلم المرسل إليه هذا الإرسال أو التبليغ قبل الفصل في المسألة . استعمال رسالة نصية قصيرة بسيطة لا يضمن أن المرسل إليه قد تلقى فعلا هذا التبليغ و لذلك لا يجوز قانونا للجهة القضائية اعتبار هذا التبليغ صحيحا و توقيع ﺁثار قانونية سلبية على الطرف المبلغ و القضاء خلاف ذلك سيعتبر خرق للقانون.
في الواقع فإن القانون نص عن آلية تسمح للجهة القضائية المصدرة للمراسلة الإلكترونية التحقق من أن المرسل إليه قد استلم فعلا هذه المراسلة. بموجب المادة 11 من القانون رقم 15-03 لمؤرخ في 1 فيفري 2015 المتعلق بعصرنة العدالة فإنه يترتب على إرسال العقود و الوثائق بالطريق الالكتروني إشعار بالاستلام الالكتروني صادر عن المرسل إليه يبين تاريخ و ساعة الاستلام. نفس المادة تنص أن الاشعار بالاستلام يعتبر بمثابة تأشيرة و ختم و توقيع أو أي إشارة موضوعة على العقد أو نسخته تفيد الاستلام إذا كانت هذه التشكيلات منصوص عليها قانونا. تطبيقا لهذه النصوص فإذا لم تتلقى الجهة القضائية إشعار بالاستلام صادر عن المرسل إليه فإن العقد أو الوثيقة أو الإجراء المبلغ عن الطريق الالكتروني يعتبر كأنه لم يتسلمه المرسل إليه .
الرسائل القصيرة (SMS)المرسلة من قبل الجهات القضائية الإدارية باعتبارها مجرد رسائل تم إرسالها إلى هاتف المرسل إليهم فإنه يستحيل على هؤلاء الإجابة عن مثل هذه الرسائل بإرسال إشعار بالاستلام علما أن مثل هذه الرسائل الصادرة عن الجهات القضائية الإدارية و التي اعتاد المحامين استلامها على هواتفهم تكون مرفقة دائما بإشارة " يستحيل الإجابة لهذا الرقم المختصر " . قد نتساءل إذا عن سبب لجوء الجهات القضائية الإدارية إلى هذا الطريق الالكتروني لتبليغ المحامين فيما أنه طريق مخالف للقانون يعرض الأعمال الإجرائية المتخذة و المبلغة على هذا الشكل للبطلان المطلق مع ما يترتب عن ذلك من أضرار لحقوق أطراف الدعوى.
من الواضح أن لجوء الجهات القضائية الإدارية إلى خدمة الرسائل القصيرة لتبليغ محاميي الأطراف ببعض الأعمال الإجرائية مرده سوء فهمها للأحكام التشريعية والتنظيمية التي تنظم إرسال و تبليغ العقود و الإجراءات القضائية عن الطريق الالكتروني. في نظر هذه الجهات القضائية فكون الرسالة القصيرة هو طريق الكتروني فإنه يكفي اللجوء إليه دون أي قيد. يجب كذلك الاعتراف بأن هذا الموقف الغريب وغير المفهوم لبعض الجهات القضائية الإدارية اتجاه إشكالية تبليغ الأعمال الإجرائية عن الطريق الالكتروني وجد دعم في الفراغ القانوني و غياب المنظومة المعلوماتية المناسبة لتطبيق و تنفيذ آلية تبليغ الأعمال الإجرائية بالطريق الالكتروني كما هو منصوص عليه في القانون . لحد الساعة فإن الآليات المعلوماتية التي نص عليها القانون المؤرخ في 1 فيفري 2015 و التي من شأنها تنفيذ و تطبيق الإرسال الالكتروني المدني و الإداري لاسيما إنشاء شبكات معلوماتية تابعة لوزارة العدل و للاتحاد الوطني لمنظمات المحامين لم ترى النور بعد .
لتلبية متطلبات قانون 1 فيفري 2015 المتعلق بعصرنة العدالة لا سيما التأكد من أن الوسائل التقنية المستعملة في إرسال العقود و الوثائق و الإجراءات القضائية بالطريق الالكتروني تضمن التعرف الموثوق على أطراف التراسل الالكتروني و سلامة الوثائق المرسلة و أمن و سرية التراسل و حفظ المعطيات بما يسمح بتحديد تاريخ الإرسال و الاستلام من طرف المرسل إليه بصفة أكيدة ، فإن هذا القانون أحال على نصوص تنظيمية لم يتم نشرها بعد و هذا ما حال دون البدء بالعمل بآلية إرسال و تبليغ العقود و الإجراءات القضائية بالطريق الالكتروني.
لا يمكن تحقيق هذه المتطلبات لا سيما فيما يتعلق بالمراسلات و التبليغات بين الجهات القضائية والمحامين إلا إذا من جهة قامت وزارة العدل بتنصيب الأجهزة والبرامج المستخدمة للاتصالات الإلكترونية، ومن جهة أخرى قام الاتحاد الوطني لمنظمات المحامين بإنشاء شبكة معلوماتية آمنة موجهة للمراسلات الإلكترونية للمحامين ومخصص بشكل خاص لإزالة الطابع المادي للإجراءات مع الجهات القضائية . فمن خلال الربط بين هاتين الشبكتين سيتم التجسيد الفعلي للنصوص القانونية المقررة لضمان التعرف الموثوق لمحاميي الأطراف في الإرسال الإلكتروني، وسلامة الوثائق و الأعمال الإجرائية المرسلة وأمن وسرية التراسل و تحديد بصفة أكيدة تاريخ الإرسال الموجه للمحامي و تاريخ الاستلام عندما يستلم المحامي الإرسال.
لحد الساعة فإن مثل هذه الشبكات المعلوماتية غير موجودة و هذا ما أخر الإنطلاق الفعلي لآلية الإرسال الإلكتروني. لقد أطلقت وزارة العدل منصة إلكترونية تتضمن تطبيقا مخصصا للمتقاضين و المحامين مخصصة للاطلاع على مآل القضايا المطروحة أمام الجهات القضائية و الاطلاع على منطوق الأحكام الصادرة فيها و كذا تتضمن بعض الخدمات الالكترونية كاستخراج صحيفة السوابق القضائية و شهادة الجنسية و التصحيح الالكتروني للأخطاء الواردة في سجلات الحالة المدنية و تقديم شكاوى أو عرائض أمام النيابة العامة و لكن هذه الخدمات الالكترونية التي توفرها هذه المنصة الالكترونية لا علاقة لها بالآلية المتعلقة بتبليغ الإجراءات و العقود القضائية بمفهوم القانون المؤرخ في 01 فيفري 2015 .
الخلاصة أنه في غياب أدوات معلوماتية تسمح بتنفيذ المراسلة الإلكترونية على النحو المنصوص عليه في القانون، أي الإرسال الموثوق والآمن بما يتوافق مع قواعد قانون الإجراءات المدنية والإدارية، لا يجوز في نظرنا للجهات القضائية الإدارية الابتكار باللجوء إلى خدمة الرسائل القصيرة (SMS) لتبليغ الإجراءات و العقود القضائية التي لا تضمن الاستلام من قبل المرسل إليه . هذه الممارسة التي تتبعها بعض الجهات القضائية الإدارية والتي يبدو أنها أصبحت منتشرة على نطاق واسع بل أصبحت تلجأ إليها حتى بعض الجهات القضائية الجزائية ، لا تتوافق في نظرنا مع القانون ويجب حظرها.
الأستاذ براهيمي محمد
محامي لدى مجلس قضاء البويرة
brahimimohamed54@gmail.com