الطلبات العارضة-الطلبات الجديدة في الاستئناف- تعليق على قرار
تعليق على قرار صادر عن غرفة شؤون الأسرة لمجلس قضائي مؤرخ في 02/03/2023 يثير إشكالية قبول الطلبات الجديدة في الاستئناف.
القرار رفض طلب قدم لأول مرة أمام المجلس يتعلق برد متاع ( أثاث ) الزوجة المطلقة لم يقدم كطلب أصلي أمام المحكمة – عدم القبول أثير تلقائيا دون طلب صريح من المستأنف عليه.
__________________________
من أهم المسائل التي تثيرها الدعوى القضائية و التي يفصل فيها القاضي هي الطلبات بمختلف أنواعها التي يقدمها الأطراف في بداية الخصومة أو أثناء سيرها. الدعوى القضائية ترفع أما المحكمة بموجب طلب يطلب بموجبه شخص ما من الجهة القضائية حماية حق من حقوقه، أو الاعتراف له به. يقدم هذا الطلب عن طريق " عريضة مكتوبة " أو ما يسمى كذلك " التكليف بالحضور " حسبما ورد في المادتين 14 و 18 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية ( ق.إ.م.إ.)الطلب الذي يقدم من طرف المدعي و الذي تفتتح به الدعوى القضائية يسمى " طلب أصلي " . بإمكان المدعي أن يجمع في نفس الدعوى عدة طلبات يوجد ارتباط بينها. ويجوز كذلك جمع عدة طلبات حتى وإن كانت غير مرتبطة بينها ولكن على شرط أن تكون موجهة ضد نفس المدعى عليه، لها نفس الطبيعة وتكون قابلة للتحقيق والفصل فيها مع بعض. ومثال ذلك الدعوى التي يرفعها الدائن ضد المدين ليطلب منه عدة مبالغ مستحقة بصفات مختلفة. فهذه الطلبات مختلفة ولا يوجد ارتباط بينها، فلو رفعت بصفة مستقلة لاستحال طلب ضمها، ومع ذلك يجوز جمعها في نفس الخصومة.
أثناء سير الخصومة، يمكن لا فقط تقديم أوجه جديدة من الواقع أو من القانون، ولكن يجوز كذلك، ضمن بعض الشروط، تقديم طلبات جديدة.ويعرف هذا النوع من الطلبات بمصطلح "الطلبات العارضة "، ويميز بين عدة أصناف حسب الشخص الذي يقدمها.
- الطلب الإضافي وهو ذلك الطلب الذي يوسع أو يغير بموجبه أحد الأطراف ادعاءاته الأصلية ( المادة .25-4 من ق.إ.م.إ) (قرار المحكمة العليا بتاريخ 13 أبريل 2017، ملف رقم 1053732) و يمكن للخصم أثناء سير الخصومة تقديم طلبات عارضة ترمي إلى تعديل الطلب الأصلي بالزيادة أو النقصان).
- الطلب بالتدخل وهو الطلب الصادر ممن له مصلحة في النزاع المطروح أمام الجهة القضائية (المادة 196 من ق.إ.م.إ.). أما إدخال الغير في الدعوى فهو الطلب الذي يتقدم به المدعي أو المدعى عليه ضد الغير بعد استدعائه لحضور الخصومة (م. 199 ق.إ.م.إ.).
- الطلب المقابل هو الطلب المقدم من طرف المدعى عليه للحصول على منفعة فضلا عن طلبه رفض مزاعم خصمه ( المادة 25-5 من ق.إ.م.إ.).
يجوز للمدعي أن يقدم إلى جانب الطلب الأصلي طلبا احتياطيا، ومثال ذلك أن يطلب أصلا إلزام خصمه بأداء عمل ويطلب بصفة احتياطية وقبل الفصل في الموضوع تعيين خبير للبحث في عناصر الدعوى. في مجال الالتزامات يمكن مثلا للمدعي أن يطلب أصلا إلزام المدعى عليه تنفيذ عقد بيع عقار لم يتم تحريره في الشكل الرسمي وبصفة احتياطية ونظرا إلى فرضية رفض هذا الطلب الأصلي كون عقد البيع مشوب بالبطلان لتخلف أحد أركان انعقاده، فإنه يطلب بصفة احتياطية إلزام المدعى عليه بتعويضه عن هذا العمل، وحينئذ تكون الجهة القضائية ملزمة في حالة رفضها الطلب الأصلي الفصل في الطلب الاحتياطي والاستجابة إليه إن كان مؤسسا.
فائدة التمييز بين أنواع الطلبات هو أن الطلبات العارضة تتميز بكونها لا تستلزم إتباع الأشكال المقررة للطلب القضائي الذي ينشر الدعوى، إذ أنها تقدم بموجب عريضة بسيطة تبلغ للخصم بالجلسة. ويستثنى من هذا الإجراء المبسط الطلب بإدخال الغير اللذان يقدمان كما هو الحال بالنسبة للطلب الأصلي، بموجب عريضة تودع بأمانة الضبط مع دفع الرسم القضائي المقرر للدعوى الأصلية (المادة 194-2 ق.إ.م.إ.)
قلص المشرع حرية تقديم الطلبات العارضة خاصة أمام الجهة الاستثنائية، إذ نصت المادة 341 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية مثلا، أنه لا تقبل الطلبات الجديدة في الاستئناف ما عدا الدفع بالمقاصة، وطلبات استبعاد الادعاءات المقابلة، أو الفصل في المسائل الناتجة عن تدخل الغير، أو حدوث أو اكتشاف واقعة (المادة 341 من ق.إ.م.إ.) كما أنه لا يقبل التدخل إلا إذا كان صادرا ممن له مصلحة في ذلك (المادة 338 من ق.إ.م.إ.).
سنعرض فيما يلي الشروط التي تخضع لها مختلف الطلبات العارضة.
إذا أخذ مصطلح "طلبات عارضة" بتعريفه الواسع، فإنه يجمع تحت اسم الطلبات العارضة نزاعات عديدة ومتنوعة. فتعتبر أولا من الطلبات العارضة كل الطلبات المتعلقة بسير الخصومة (طلبات إعادة السير في الدعوى، سقوط أو وقف الخصومة بسبب مسألة أولية...الخ)، والطلبات الرامية إلى اتخاذ إجراء من إجراءات التحقيق (سماع الشهود، خبرة، الحضور الشخصي، مضاهاة الخطوط...الخ). واعتبرت كذلك من الطلبات العارضة في هذا التعريف الواسع، طلبات تفسير أو تصحيح الأحكام أو القرارات. هذه الطلبات العارضة المتعلقة بالإجراءات وبسير الخصومة وبالتحقيق في الدعوى لها طابع تبعي محض ولا تنشأ نزاع جديد. ونفس الشيء بالنسبة للطلبات المتعلقة بتشكيل المحكمة (رد القضاة، طلبات الإحالة، تنازع الاختصاص بين القضاة). فهذه الطلبات لا تنشأ منازعات جديدة بين الأطراف ولكن بطبيعتها تقترب نوعا ما بطرق الطعن.
وغالبا ما يعطى للطلب العارض مفهوما ضيقا ودقيقا يشير إلى الطلبات المقدمة لتعديل أو توسيع موضوع النزاع. فهي أولا الطلبات المقابلة، وبصفة عامة كل الطلبات المرتبطة . وهي كذلك طلبات التدخل المقدمة من طرف الغير أو ضده، ولاسيما الطلب بالضمان. ما يميز الطلبات العارضة أنها لا تستلزم رفع دعوى مستقلة إذ يجوز تقديمها أمام نفس الجهة القضائية المرفوع أمامها الطلب الأصلي على شرط أن يكون الطلب العارض مرتبط بالطلب الأصلي. ( قرار المحكمة العليا بتاريخ 01 أكتوبر 2018، قرار رقم 1149669 - يستلزم الطلب الأصلي رفع دعوى مستقلة بينما يشترط في الطلب العارض أن يكون مرتبطا بالطلب الأصلي -).
الطلبات الإضافية - الطلبات الجديدة - يمكن للمدعي أثناء سير الخصومة تعديل طلبه الأصلي سواء بتقليصه أو بتوسيعه (قرار المحكمة العليا بتاريخ 13 ابريل 2017، ملف رقم 1953732). يمكن للخصم أثناء سير الخصومة تقديم طلبات عارضة ترمي إلى تعديل الطلب الأصلي بالزيادة أو النقصان . فيمكنه تقديم طلبات تبعية خاصة بالتعويضات أو بالفوائد، أو تقديم طلبات تعد إجابة لمذكرات المدعى عليه، كما يمكنه تقديم طلبات مرتبطة بالطلب الأصلي أو طلبات احتياطية. وحسب المادة 25 الفقرة 4 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية فإن الطلب الإضافي هو " الطلب الذي يقدمه أحد أطراف النزاع بهدف تعديل طلباته الأصلية ".
ولكن لا يمكن للمدعي أن يعوض طلبه الأصلي أو يضيف له طلبا جديدا ليس له أي ارتباط بالطلب الأصلي، كما لا يجوز للمحكمة أن تعوض من تلقاء نفسها الطلب الأصلي الذي حدده المدعي بطلب جديد. فالقاضي ملزم في كل الأحوال بالتقيد بموضوع النزاع حسبما ورد في عريضة افتتاح الدعوى وفي الطلبات الإضافية المرتبطة بالطلب الأصلي (قرار المحكمة العليا بتاريخ 06 فبراير 2014، ملف رقم 906982 ) . قاضي الموضوع وطبقا للمادة 25 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية ملزم بالتقيد بموضوع النزاع المحدد بالادعاءات التي يقدمها الخصوم في عريضة افتتاح الدعوى والطلبات العارضة إذا كانت مرتبطة بالادعاءات الأصلية . فإذا تعلق الأمر بطلب جديد، فيجب رفع دعوى جديدة مع الضمانات العادية كمحاولة الصلح، وتكليف الخصم بالحضور، واحترام ٱجال الحضور والتحقيق في الدعوى. فلا يجب إلغاء هذه الضمانات بمحض إرادة المدعي.
مسألة معرفة ما إذا كان الطلب المقدم أثناء سير الدعوى طلبا جديدا أم أنه طلبا مرتبطا بالطلب الأصلي ليست من المسائل الواقعية بل هي من المسائل القانونية التي تخضع لرقابة المحكمة العليا . اعتبرت المحكمة العليا مثلا أنه يمكن للمدعية أن تغير طلبها الأصلي بالتطليق بطلب ٱخر بالخلع كون التطليق يرمي إلى نفس الهدف الذي يرمي إليه الخلع أي فك العصمة فطلب الخلع لا يعتبر طلبا جديدا وإنما طلبا فرعيا مشتقا من الطلب الأصلي في دعوى الطلاق (قرار المحكمة العليا بتاريخ 25 فبراير 1980، قرار رقم 21305- طلب الطلاق يهدف إلى نفس الهدف الذي يرمي إليه طلب الخلع وهو انفكاك العصمة وهذا لا يعتبر طلبا جديدا وإنما يعتبر طلبا فرعيا مشتقا من الطلب الأصلي في دعوى الطلاق -). ، غير أنه في قرار لاحق فإن المحكمة العليا تراجعت عن هذا القضاء و قضت بأنه لا يجوز للزوجة تغيير دعوى التطليق إلى دعوى الخلع لأن لكل منهما أحكاما خاصة بها لا سيما أن محاولة الصلح انصبت على دعوى التطليق ( قرار المحكمة العليا بتاريخ 07 نوفمبر 2018، ملف رقم 1303307- إن اجتهاد الغرفة استقر على أنه لا يجوز للزوجة تغيير دعوى التطليق إلى دعوى الخلع، لأن لكل دعوى أحكاما خاصة بها، فأحكام التطليق منصوص عليها في المادة 53 من قانون الأسرة وأحكام الخلع منصوص عليها في المادة 54 من نفس القانون، خاصة وأن محاولتي الصلح انصبتا على دعوى التطليق اللتين تمسك فيهما الطاعن بمواصلة الحياة الزوجية - ) ، كما اعتبرت المحكمة العليا أن طلب الإيجار المتأخر المقدم في دعوى رفض تجديد الإيجار مع طرد المستأجر ليس طلبا جديدا بل هو طلب مرتبط بالطلب الأصلي (قرار المحكمة العليا بتاريخ 09 نوفمبر 2005، قرار رقم 367201-لا يعتبر طلب الإيجار المتأخر طلبا مستقلا مستوجبا رفع دعوى مستقلة عن دعوى رفض تجديد الإيجار مقابل تسديد التعويض عن الإخلاء -) ، وأن طلب أتعاب المحامي لا يشكل طلبا جديدا وإنما طلبا مشتقا من الطلب الأصلي (قرار المحكمة العليا بتاريخ 22 ديسمبر 2016، قرار رقم 1090649-المطالبة بأتعاب المحامي لا تشكل طلبا جديدا وإنما طلبا مشتقا من الطلب الأصلي -)، وأن طلب التمسك بالتقادم المكسب في دعوى الملكية العقارية ليس طلبا جديدا بل هو طلب مشتق من الطلب الأصلي (قرار المحكمة العليا بتاريخ 28 فبراير 2001، قرار رقم 205549 -إن قضاة الاستئناف لما اعتبروا تمسك الطاعن على مستوى الاستئناف بالتقادم المكسب طلبا جديدا هو قضاء غير صائب لأن الدفع بالتقادم المكسب في مواجهة دعوى الملكية إنما هو دفاع في الدعوى الأصلية يمكن إثارته أمام قضاة الموضوع في أي مرحلة كانت عليها الدعوى -)، وأن طلب مضاهاة الخطوط لا يعد طلبا جديدا (قرار المحكمة العليا بتاريخ 23 يوليو 2008، قرار رقم 420995-لا يعد طلب مضاهاة الخطوط المقدم أمام جهة قضاء الاستئناف طلبا جديدا لكونه من وسائل الدفاع المقبول إثارتها أمامها لأول مرة - ). بالعكس فإن المحكمة العليا اعتبرت مثلا أن الطلب الإضافي الرامي إلى إلزام الخصم بعدم التعرض في استغلال ممر فيما أن الطلب الأصلي كان موضوعه الطرد من قطعة أرضية ليس بطلبا إضافيا بل هو طلب أصلي يجب تقديمه بدعوى مستقلة (قرار المحكمة العليا بتاريخ 11 أكتوبر 2018، قرار رقم 1149669 - إن الطلب المتعلق بعدم التعرض في استغلال ممر المقدم في دعوى موضوعها رفع اليد والتخلي عن قطعة أرضية ليس طلبا عارضا كونه غير مرتبط بالطلب الأصلي بل هو طلب يجب رفعه بدعوى مستقلة -). ويمكن تقديم الطلبات الإضافية إلى غاية إقفال باب المناقشة. وأمام القسم الاجتماعي تكون الطلبات الإضافية مقبولة في جميع مراحل الدعوى حتى ولو لم تكن موضوع محاولة صلح ( المادة 510 من ق.إ.م.إ.).
يمكن للمدعي تقديم طلبات إضافية مرتبطة بالطلب الأصلي كما يمكنه كذلك تقديم طلبات احتياطية. فما هو الفرق بين هذين الطلبين. الطلب الاحتياطي وإن كان يجب أن يكون مرتبطا بالطلب الأصلي مثله مثل الطلب الإضافي، فإنه يقدم إلى جانب الطلب الأصلي على سبيل الاحتياط في حالة ما اعتبر القاضي أن الطلب الأصلي غير مدعم بحجج و مستندات قاطعة أو أن الطلب الأصلي غير مؤسس. في الحالة الأولى فإن المدعي يقدم مثلا طلبا احتياطيا بتعيين خبير أو سماع شاهد للتحقيق من صحة ادعاءاته . في الحالة الثانية فقد يقدم المدعي طلبا احتياطيا قد يكون مقبولا حتى ولو رفض طلبه الأصلي . ومثال ذلك الدعوى الرامية أصلا إلى إلزام الخصم بتنفيذ عقد بيع عقار لم يحرر على الشكل الرسمي، فالمدعي وتحسبا لرفض طلبه الأصلي يضيف لهذا الطلب طلبا احتياطيا موضوعه إلزام خصمه باسترداد مبلغ المبيع و تعويضه عن الضرر الذي أصابه جراء رفض البائع نقل العقار محل البيع (قرار المحكمة العليا بتاريخ 10 يوليو 2014، قرار رقم 8452202 - إن الطاعن قد سبق له أن تمسك في طلبه الأصلي بإلزام المطعون ضدها بتنفيذ العقد ونقل ملكية الشيء المبيع وفي طلبه الاحتياطي بإلزام المطعون ضدها بتعويضه عن الضرر المادي الذي لحقه وقضاة الموضوع حينما قضوا برفض الطلب الأصلي دون الفصل في الطلب الاحتياطي فإنهم خالفوا القانون -).
أما أمام المجلس القضائي، فإن المبدأ هو منع الطلبات الجديدة. ولكن المادة 341 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية نصت على بعض الحالات الاستثنائية. فإذا كان الطلب الجديد خاص بمقاصة، أو كان يرمي إلى استبعاد الادعاءات المقابلة، أو الفصل في المسائل الناتجة عن تدخل الغير، أو حدوث أو اكتشاف واقعة، فتكون هذه الطلبات مقبولة، ومثال ذلك طلب النفقة أو التعويضات في دعوى الطلاق (قرار المحكمة العليا بتاريخ 30 أبريل 1969- إن القانون لا يجيز في الاستئناف إلا الطلبات الجديدة من حيث سببها و لكن لها نفس المحل الذي قدم أمام المحكمة ، فطلبي نفقة الأولاد ومصاريف النفاس مختلفان من حيث الموضوع والغرض عن طلبي التعويض بسبب فك روابط العصمة من دون موجب ونفقة العدة -) . ويجوز للخصوم أيضا طلب الفوائد القانونية وما تأخر من الديون وبدل الإيجار والملحقات الأخرى المستحقة بعد صدور الحكم المستأنف، وكذا التعويضات الناتجة عن الأضرار اللاحقة بهم منذ صدور الحكم ( المادة 342 من ق.إ.م.إ.)
ولا يعد كذلك بمثابة طلب جديد في الاستئناف الطلب المرتبط مباشرة بالطلب الأصلي والذي يرمي إلى نفس الغرض، حتى ولو كان أساسه القانوني مغايرا (المادة 343 من ق.إ.م.إ.)، فيجوز مثلا لمن طلب أمام المحكمة بالملكية عن طريق الإرث أن يطلب في الاستئناف الملكية على أساس التقادم المكسب (قرار المحكمة العليا بتاريخ 04 ديسمبر 1990، ملف رقم 64361- من المقرر قانونا أنه لا يعد طلبا جديدا الطلب المشتق مباشرة من الطلب الأصلي والذي يهدف إلى الغاية نفسها ولو كان مؤسسا على أسباب أو أسانيد مختلفة عنه - يجوز لمن طلب أمام المحكمة بالملكية عن طريق الإرث أن يطلب في الاستئناف الملكية على أساس التقادم المكسب -) ، كما أن طلب مضاهاة الخطوط المقدم لأول مرة في الاستئناف لا يعد طلبا جديدا (قرار المحكمة العليا بتاريخ 23 يوليو 2008، ملف رقم 420995- لا يعد طلب مضاهاة الخطوط المقدم أمام جهة قضاء الاستئناف طلبا جديدا لكونه من وسائل الدفاع المقبولة إثارتها أمامها لأول مرة -). وبالعكس اعتبرت المحكمة العليا أن نفقة الأولاد و طلب مصاريف وضع الحمل مختلفين من حيث المحل عن طلبي التعويض عن الطلاق التعسفي و عن نفقة العدة (قرار المحكمة العليا بتاريخ أبريل 1969- إن القانون لا يجيز في الاستئناف إلا الطلبات الجديدة من حيث سببها و لكن لها نفس المحل الذي قدم أمام المحكمة فطلبي نفقة الأولاد ومصاريف النفاس مختلفان من حيث الموضوع والغرض عن طلبي التعويض بسبب فك روابط العصمة من دون موجب ونفقة العدة -)، وأن طلب إيجار التسيير الحر المقدم لأول مرة في الاستئناف فيما أن الطلب الأصلي كان يخص إيجار من الباطن هو طلب غير مشتق من الطلب الأصلي (قرار المحكمة العليا بتاريخ فبراير 1990، ملف رقم 63942، - إن طلب إيجار التسيير الحر قدم لأول مرة أمام المجلس ومن ثمة فإن قضاة الاستئناف لما أيدوا هذا الطلب واعتبروا أن العلاقة بين طرفي النزاع غير قانونية يكونون قد خالفوا القانون -).وتقدم الطلبات الإضافية بموجب مذكرة بسيطة تدفع بالجلسة تبلغ نسخة منها إلى الخصم.
الطلبات المقابلة : الطلبات المقابلة هي الطلبات العارضة التي يقدمها المدعى عليه قبل المدعي للحصول على حكم في مواجهته . فإذا كان الدفع وسيلة دفاعية بحتة يرمي منها المدعى عليه إلى مجرد رفض طلبات المدعي أو تأخير الفصل فيها، فإن الطلب المقابل وسيلة هجومية لا تقتصر على طلب رفض طلبات المدعي، بل يرمي كذلك إلى الحكم لصالحه بطلبات جديدة قبل المدعي. وبهذا فالطلبات المقابلة تؤدي، خلافا للدفوع، إلى تغيير موضوع الخصومة بإضافة طلبات جديدة .عرف قانون الإجراءات المدنية والإدارية الطلب المقابل ، إذ جاء في المادة 25 الفقرة الأخيرة : "الطلب المقابل هو الطلب الذي يقدمه المدعى عليه للحصول على منفعة، فضلا عن طلبه رفض مزاعم خصمه ".
لم يقدم قانون الإجراءات المدنية والإدارية حلا شاملا لإشكالية قبول الطلبات المقابلة، ومع ذلك فإن القضاء يجيز الطلب المقابل عندما يكون بمثابة دفاع في الدعوى الأصلية التي لها طابع تعديل بنود القرار المنتظر صدوره وإبعاد ادعاء المدعي ( قرار المحكمة العليا بتاريخ 26 مارس 1983، قرار رقم 25250 - يعد الطلب المقابل مقبولا في الاستئناف حتى لو قدم لأول مرة إذا اعتبر دفاعا على الدعوى الأصلية التي لها طابع تعديل بنود القرار المنتظر صدوره وإبعاد ادعاء المدعي - ).
تطرق المشرع إلى الطلبات المقابلة في عدة نصوص يتضمنها قانون الإجراءات المدنية والإدارية والقانون المدني. فمن نص المادة 297 من القانون المدني يتضح أولا أن للمدين حق المقاصة بين ما هو مستحق عليه لدائنه وما هو مستحق له تجاهه ولو اختلف سبب الدينين إذا كان موضوع كل منهما نقودا أو مثليات متحدة النوع والجودة، وكان كل منها ثابتا وخاليا من النزاع ومستحق الأداء صالحا للمطالبة به قضاء.
المادة 25 الفقرة 2 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية تجيز تقديم طلبات عارضة كالطلب المقابل إذا كانت هذه الطلبات مرتبطة بالادعاءات الأصلية، وأما المادة 345 فإنها تنص أنه يجوز تقديم الطلبات المقابلة خلال النظر في الاستئناف. المواد 55، 56 و 58 من نفس القانون تجيز فضلا عن ذلك ضمنيا تقديم أمام نفس المحكمة المرفوع أمامها الدعوى الأصلية طلبات مرتبطة، وهذا ما يطبق بدون تمييز على الطلبات المقابلة وعلى الطلبات المرتبطة المقدمة من المدعي. وأخيرا فإن النصوص المتعلقة بنصاب اختصاص المحاكم أشارت إلى "الطلبات المقابلة أو المقاصة القضائية ( المادتين 25 -3 و 33 من ق.إ.م.إ.) .
من خلال هذه النصوص، يظهر أنه يميز بين عدة أصناف من الطلبات المقابلة يجيزها القانون :
أ )- يجيز القانون أولا الطلبات المقابلة الخاصة بمقاصة قضائية ( المادتين 25 -3 و 33 من ق.إ.م.إ.)، فالمدين الذي رفعت ضده دعوى من أجل تسديد الدين يدعي بدوره أنه دائن للمدعي، وبدوره يطلب من القاضي تصفية دينه وخصمه من دين المدعي. نظم القانون المدني المقاصة في المواد من 297 إلى 303. طبقا للمادة 297 : "للمدين حق المقاصة بين ما هو مستحق عليه لدائنه وما هو مستحق له تجاهه ولو اختلف سبب الدينين، إذا كان موضوع كل منهما نقودا أو مثليات متحدة النوع والجودة وكان كل منهما ثابتا وخاليا من النزاع و محقق الأداء وصالحا للمطالبة به قضاء". وإذا لم تتوفر هذه الشروط فإن الطلب المقابل بالمقاصة يكون غير مقبولا ويبقى فقط للمدعى عليه في هذه الحالة رفع دعوى مستقلة للمطالبة بدينه (قرار المحكمة العليا بتاريخ 22 نوفمبر 2017، ملف رقم 1143705- يتعين لإجراء مقاصة أن يكون الدين ثابت، خال من النزاع ومستحق الأداء وصالح للمطالبة به - ). وقد يترتب عن الطلب المقابل لا فقط مقاصة، ولكن كذلك الحكم على المدعي لصالح المدعى عليه إذا كان دين هذا الأخير يفوق دين الأول.
ب)- تقبل كذلك الطلبات المقابلة عندما تكون مرتبطة بالدعوى الأصلية ( المادة 25 -2 من ق.إ.م.إ.). يفترض في هذه الحالة أن المدعي عليه لا يقتصر على تقديم دفاع محض لمواجهة الطلب الأصلي، بل أنه يبحث علاوة عن ذلك الحصول على حكم بحقه قبل المدعي. ومثال ذلك المدعى عليه الذي يزعم أن سند الدين باطل، ولكنه لا يقتصر على الادعاء بالبطلان كوسيلة دفاع، بل يريد إقرار هذا البطلان بصفة نهائية في منطوق الحكم نفسه.
الطلب المقابل هنا ليس مجرد وسيلة دفاع مقدمة من المدعى عليه، فالأمر يتعلق بطلب يستهدف الحصول على منفعة إلى جانب رفض دعوى المدعي ؛ إنه يرمي إلى الحصول على حكم يعترف نهائيا بحق المدعى عليه ويمنع أي طلب ٱخر مخالف قد يقدم فيما بعد. فمثلا إذا رفع المدعي دعوى موضوعها إبطال عقد بيع حصص شركة تجارية لم يوقعه شخصيا بل أعد عن طريق وكالة صحيحة منحها لابنه ورفض إخلاء مقر الشركة ودفع المدعى عليه بصحة هذا العقد مع تقديمه لطلب مقابل بطرد المدعي من مقر الشركة، ففي حالة رفض دعوى المدعي فإنه يجوز للقاضي قبول الطلب المقابل وإلزام المدعي بإخلاء مقر الشركة وذلك كون الطلب المقابل مرتبط ارتباطا وثيقا بالطلب الأصلي .ويمكن إدخال كذلك في هذا الصنف الثاني للطلبات المقابلة تلك التي تقدم في دعاوى الحيازة : فقد يدعي المدعى عليه في دعوى منع التعرض أنه هو حائز العقار ووقع له تعرض في حيازته، وعندئذ يقدم طلب مقابل بمنع التعرض. ويكون رفض الطلب الأصلي الذي قدمه المدعي مسببا تسبيبا كافيا بمجرد قبول الطلب المقابل المؤسس على حيازة المدعى عليه. العبرة إذا في قبول الطلبات المقابلة أن يوجد ارتباط بين الطلب المقابل والطلب الأصلي، فلو انتفى هذا الرابط استبعد الطلب المقابل. اعتبرت المحكمة العليا مثلا أن الطلب المقابل بالتطليق أو الخلع المقدم من طرف الزوجة في مواجهة طلب زوجها برجوعها إلى البيت الزوجية ليس طلبا مقابلا لعدم ارتباطه بالطلب الأصلي بل يجب رفعه بموجب دعوى مستقلة.
ج)- الصنف الثالث من الطلبات المقابلة يتضمن الطلبات المرتبطة بالطلب الأصلي والتي يمكن للمدعى عليه تقديمها رغم أنها لا تشكل دفاعا في الدعوى الأصلية. المواد من 55 إلى 57 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية تجيز بصفة عامة طلب إحالة الدعوى للارتباط أو لوحدة الموضوع . فيجوز إذا للمدعى عليه، وحتى للمدعي، أن يقدم طلبا مرتبطا بالطلب الأصلي الموجه ضده، وذلك إلى نفس المحكمة حتى يتسنى الفصل في الطلبين في ٱن واحد. ومثال ذلك المدعى عليه المطالب بتنفيذ عقد والذي يطلب بدوره أن ينفذ المدعي التزامات أخرى مترتبة عن نفس العقد، أو أن يحكم له بالتعويضات بسبب عدم تنفيذ العقد بفعل المدعي.
الحالة الأخيرة للطلب المقابل والأكثر شيوعا، هي حالة المدعى عليه الذي يقدم طلبا مقابلا متعلقا بالتعويضات القائمة على الطلب الأصلي.
الطلبات المقابلة المقدمة من طرف المدعي.- استقر الفقه التقليدي على أنه لا يجوز للمدعي تقديم طلب مقابل بدوره إجابة للطلب المقدم من المدعى عليه، ما عدا الحالة التي يكون طلبه الجديد مؤسسا على نفس السند المستعمل كأساس للطلب المقابل. وهذا الحل يكون في نظرنا قابلا للنقاش. لا يوجد في تشريعنا أي نص يمنع الطلبات المقابلة للمدعي. يجوز للمدعى تقديم طلبات مرتبطة بالطلبات التي سبق عرضها ؛ فلو قدمها أمام محكمة أخرى، جاز إحالتها أمام المحكمة المختصة أصلا ( المواد 55 إلى 57 من ق.إ.م.إ.)، فلما لا تقبل كطلبات مقابلة ؟
الطلبات المقابلة تكون مقبولة في كل الخصومات- الاستثناءات للقاعدة- يجوز تقديم الطلبات المقابلة أمام كل الجهات القضائية، على شرط ألا تكون هذه الجهات القضائية غير مختصة بصفة مطلقة. ويقع هنا تمديد قانوني للاختصاص الإقليمي . ويجوز للقسم المدني للمحكمة، نظرا لاختصاصه الشامل، أن يفصل في طلبات مقابلة التي لو قدمت بصورة مستقلة ومنفصلة لكانت من اختصاص قسم ٱخر.
أما الطلبات التي يجب رفعها أمام جهة قضائية ذات اختصاص مانع، فإنه لا يمكن رفعها أمام جهة قضائية أخرى على شكل طلبات مقابلة . فمثلا، ففي مصاريف الدعوى وأجور المساعدين القضائيين، فلقد أنشأ القانون، لمصلحة النظام العام، اختصاص خاص لصالح المحكمة التي فصلت في الدعوى الأصلية.فلا يجوز للمساعد القضائي أن يقدم طلب تسديد أجرته أمام محكمة غير المحكمة التي فصلت في الدعوى الأصلية على شكل طلب مقابل . ويجب على المحكمة التي رفع أمامها طلب مقابل لا يدخل في صلاحيتها أن تصرح بعدم اختصاصها بشأن هذا الطلب والفصل فقط في الطلب الأصلي.
في الاستئناف، وخروجا عن القاعدة التي تمنع الطلبات الجديدة، تكون الطلبات المقابلة مقبولة لأول مرة ( المادة 345 من ق.إ.م.إ.)، سواء كانت خاصة بمقاصة، أو كانت بمثابة دفاع في الدعوى الأصلية ( قرار المحكمة العليا المؤرخ في 26 مارس 1983 رقم 25250 سالف الذكر). ،أو كذلك إذا كانت ترمي إلى استبعاد ادعاءات الخصم. ويجوز كذلك للأطراف أيضا تقديم طلب مقابل بالفوائد القانونية وما تأخر من الديون وبدل الإيجار والملحقات الأخرى المستحقة بعد صدور الحكم المستأنف، وكذا التعويضات الناتجة عن الأضرار اللاحقة منذ صدور الحكم (المادة 342 من ق.إ.م.إ.) وبهذا يكون القانون قد أجاز في الاستئناف نفس الطلبات المقابلة التي أجازها أمام المحكمة، ماعدا تلك التي تكون مرتبطة فقط بالطلب الأصلي.
لا يمكن الفصل في الطلب المقابل إلا إذا فصل في الطلب الأصلي.- في حالة ما إذا كان الطلب الأصلي باطلا في الشكل أو صرح بعدم قبوله، فإن الطلب المقابل يسقط هو الٱخر ؛ بصفته طلبا عارضا فإنه لا يمكن للطلب المقابل أن يبقى قائما إذا أبطل الطلب الأصلي : لا يمكن للقاضي أن يفصل في الطلب المقابل مادام لا يمكنه الفصل في الطلب الأصلي. ولكن يبقى القاضي مختصا للفصل في الطلب المقابل إذا كان مختصا إقليميا أو إذا قبل الأطراف ذلك، وفي هذه الحالة يعتبر الطلب المقابل كطلب أصلي .
إذا تنازل المدعي عن الخصومة، وقبل المدعى عليه ذلك، فإن الطلب المقابل يسقط بدوره بالضرورة. أما إذا رفض المدعى عليه التنازل عن الخصومة، فإنها تتواصل بالنسبة للطلب الأصلي ومن ثمة بالنسبة للطلب المقابل. وطبعا، إذا تنازل المدعي عن ادعائه بصفة نهائية ولم يقتصر على التنازل عن الخصومة، فإن الطلب المقابل يسقط مع الطلب الأصلي. وتبقى المحكمة مختصة في كل الحالات رغم التنازل عن الطلب من طرف المدعي للفصل في الطلب المقابل بالتعويضات المبني على الطلب الأصلي .
قاعدة منع الطلبات الجديدة في الاستئناف
لا يجب أن يتعدى الأثر الناقل للاستئناف إطار الدعوى المفصول فيها في الدرجة الأولى .مهمة الجهة الاستئنافية تنحصر في نظر الدعوى كما سبق الفصل فيها . فالدعوى تبقى هي هي، ولا يجوز توسيعها في الاستئناف. لذلك لا يجوز إبداء طلبات جديدة في الاستئناف.هذه القاعدة التي أقرتها المادة 341 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية ما هي سوى تطبيق لمبدأ التقاضي على درجتين، ذلك أن تقديم طلب جديد في الاستئناف يفوت على الخصوم درجة من درجات التقاضي، فضلا على أنه يخالف قواعد الاختصاص النوعي التي تستلزم تقديم الطلبات الجديدة لمحكمة الدرجة الأولى . ومع ذلك فإن القضاء لم يعتبر هذه القاعدة من النظام .
وإذا كانت هذه القاعدة منطقية إلا أنه يصعب تطبيقها في الميدان كون من جهة يبقى مفهوم الطلب الجديد مبهما وصعب التعريف (1)، ومن جهة أخرى فإن القانون والقضاء أجازا بعض الاستثناءات للقاعدة (2).
1- مفهوم الطلب الجديد في الاستئناف
معيار التعريف- لم يقدم القانون تعريفا للطلب الجديد، ولكن المادة 343 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية تقترح منهجا لذلك : " لا تعتبر طلبات جديدة،الطلبات المرتبطة مباشرة بالطلب الأصلي و التي ترمي إلى نفس الغرض، حتى و لو كان أساسها القانوني مغايرا " . المادة 107 من قانون الإجراءات المدنية القديم استعملت صيغة مخالفة و لو أنها تؤدي نفس المعنى، إذ نصت أن الطلبات التي تكون بمثابة دفاع في الدعوى الأصلية لا تعتبر طلبات جديدة (قرار المحكمة العليا بتاريخ 04 ديسمبر 1990، ملف رقم 64361 - لا يعد طلبا جديدا الطلب المشتق مباشرة من الطلب الأصلي والذي يهدف إلى الغاية نفسها ولو كان مؤسسا على أسباب أو أسانيد مخالفة عنه -).
ارتكازا على نص المادة 343 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية ، فإن الطلب الجديد هو الطلب الذي يغير الأطراف أو صفتهم أو محل الطلب الأصلي . وبالعكس فإن تغير السبب، أي الأساس القانوني، لا يجعل الطلب طلبا جديدا بمفهوم المادة 343 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية.
ولكن مفهوم " نفس الغرض " يثير بعض الإشكالات بالخصوص على مستوى تمييزه عن محل الطلب الأصلي . فإذا أجزنا اختلاف هذين المفهومين رغم علاقتهما الضيقة (الغرض أوسع من المحل)، يمكن تصور طلب له محل يختلف عن الطلب الأصلي ، مع أنه يرمي إلى نفس الغرض ( النتيجة المرجوة من طرف المدعي). وهكذا، فإن وحدة النتيجة، أو بالعكس، تناقض الطلبين المتتالين هما اللذين يجيزان أو يمنعان إبداء طلبات جديدة لأول مرة في الاستئناف .
لذا يكون مثلا مقبولا لأول مرة في الاستئناف طلب الخلع المقدم في دعوى الطلاق(قرار المحكمة العليا بتاريخ 25 فبراير 1980،ملف رقم 21305 - و لكن حيث أن طلب الطلاق يهدف إلى نفس الهدف الذي يرمي إليه طلب الخلع و هو انفكاك العصمة و هذا لا يعتبر طلبا جديدا و إنما يعتبر طلبا فرعيا مشتقا من الطلب الأصلي في دعوى الطلاق - )، كما أن طلب التعويض المقدم لأول مرة في الاستئناف لا يعتبر طلبا جديدا بل هو دفاع في الدعوى الأصلية فهو طلب مقبول . طلب مصاريف النفاس المقدم لأول مرة أمام المجلس القضائي، فيما أن الطلب الأصلي المقدم أمام المحكمة كان يخص نفقة الإهمال، يكون كذلك مقبولا لأول مرة في الاستئناف (قرار المحكمة العليا بتاريخ 10 يونيو 2009 ،ملف رقم 502268 - يحق للمستأنفة المطالبة في الاستئناف بمصاريف النفاس و لو لم تطلبها أمام قاضي الدرجة الأولى كون مصاريف النفاس مشتقة من الطلب الأصلي المتعلق بالنفقة -). بصفة عامة فإن طلبات توابع العصمة و الأشياء الخاصة بالزوجين و المرتبطة مباشرة بطلب الطلاق كطلب استرجاع المصوغ أو الأثاث لا تعتبر طلبات جديدة فيجوز تقديمها لأول مرة في الاستئناف (قرار المحكمة العليا بتاريخ 10 مارس 1990،ملف رقم 59140 - من المقرر قانونا أن توابع العصمة و الأشياء الخاصة بالزوجين و المرتبطة مباشرة بواقعة الطلاق يجوز المطالبة بها و لو في مرحلة الاستئناف و لا تعتبر طلبا جديدا- إن مسألة الأثاث و المصوغ عبارة عن تصفية ناتجة عن الطلاق يجوز المطالبة بها سواء في المرحلة الابتدائية أو في مرحلة الاستئناف -).
ويكون كذلك مقبولا لأول مرة في الاستئناف طلب البطلان بعد التمسك في الدرجة الأولى بالفسخ، أو طلب رد شيء بصفة العارية (المادة 538 من القانون المدني) بعد أن طلب ذلك أمام المحكمة بصفة الوديعة (المادة 590 من القانون المدني)، أو طلب إبطال هبة محل تجاري لبطلانها شكلا لعدم حضور شاهدين عند تحريره بعد التمسك أمام المحكمة ببطلانها بسبب أن الموهوب له لم يستغل المحل موضوع الهبة (قرار المحكمة العليا بتاريخ 21 نوفمبر 2007، ملف رقم 389338 - حيث أنه وإن كان من المقرر قانونا أنه لا تقبل الطلبات الجديدة في الاستئناف فإن الطلب المقدم أمام المجلس لأول مرة و الرامي إلى إبطال عقد الهبة لعدم حضور شاهدين فيما أنه أمام المحكمة تأسست دعوى الإبطال على عدم استغلال المحل الموهوب فإن هذا الطلب لا يعتبر طلب جديد بل دفاع في الموضوع - )، أو طلب إرجاع الحالة إلى ما كانت عليه قبل التعاقد بعد فسخ العقد (قرار المحكمة العليا بتاريخ 06 فبراير 2002، ملف رقم 257742 - طلب إرجاع الحالة إلى ما قبل التعاقد بعد فسخ العقد لا یعد طلبا جدیدا، بل هو طلب مشتق من الطلب الأصلي ومترتب على الحكم بالفسخ - )، أو طلب إرجاء الفصل المقدم لأول مرة أمام قضاة الاستئناف (قرار المحكمة العليا بتاريخ 24 مارس 2016، ملف رقم 1038909 - لا يعد طلب إرجاء الفصل المقدم أمام المجلس القضائي طلبا جديدا وإنما طلبا مشتقا من الطلب الأصلي كونه يهدف إلى نفس الغرض وليس من شأنه تعديل موضوع الطلب القضائي أو سببه أو توسيع نطاق الخصومة -). ولا يعتبر كذلك طلبا جديدا في الاستئناف المطالبة بأتعاب المحامي كون هذا الطلب مشتق من الطلب الأصلي (قرار المحكمة العليا بتاريخ 22 ديسمبر 2016، ملف رقم 1090649 - المطالبة بأتعاب المحامي لا تشكل طلبا جديدا في الاستئناف وإنما طلبا مشتقا من الطلب الأصلي المتمثل في التعويض عن المصاريف القضائية، ويخضع تحديد أتعاب المحامي إلى التراضي بينه و بين المتقاضي -).
ولكن اعتبرت المحكمة العليا في قرار مؤرخ في 30 أبريل 1969 أن: " طلبي نفقة الأولاد ومصاريف النفاس مختلفان من حيث الموضوع و الغرض عن طلبي التعويض بسبب فك روابط العصمة وعن نفقة العدة، ومن ثمة لا يقبلان لأول مرة في الاستئناف " (قرار المحكمة العليا بتاريخ 30 أبريل 1969). و في قرار ﺁخر أن الطلب المؤسس على التسيير الحر فيما أن الدعوى الأصلية تخص إيجا ر من الباطن هو طلب غير مقبول كونه طلب جديد (قرار المحكمة العليا بتاريخ 24 فبراير 1990، ملف رقم 63942 - إن طلب إيجار التسيير الحر قدم لأول مرة أمام المجلس و من ثمة فإن قضاة الاستئناف لما أيدوا هذا الطلب واعتبروا أن العلاقة بين طرفي النزاع غير قانونية يكونون قد خالفوا القانون- ).كذلك إذا كان الطلب الأصلي يرمي إلى فسخ عقد إيجار مسكن و طرد المستأجر و كان هذا الطلب مؤسس على تخلي المستأجر عن التزامه التعاقدي المتمثل في عدم تسديد ثمن الإيجار ( المادة 119 من القانون المدني)، فإنه لا يجوز في الاستئناف تقديم طلب استرداد المسكن على أساس الانتفاع بحق الاستعادة ( المادة 529 من القانون المدني) وذلك لأن لكل من هذين الطلبين شروط و إجراءات قانونية خاصة يجب إتباعها قبل رفع الدعوى إذ أن القانون يشترط فقط الإعذار في دعوى فسخ العقد فيما أنه يستوجب التنبيه بالإخلاء في دعوى الاستعادة (قرار المحكمة العليا بتاريخ 5 ديسمبر 2007، ملف رقم 404460 - الجمع في التنبيه بالإخلاء بين دعوى فسخ الإيجار ودعوى استعادة السكن خطأ في تطبيق القانون -).
قدم القضاء الفرنسي أمثلة كثيرة عن الطلبات المقدمة لأول مرة في الاستئناف و التي تكون مقبولة .ففي المجال غير التعاقدي فلقد قبل لأول مرة في الاستئناف طلب : الغرامة التهديدية ، النفاذ المعجل، النفقة بعد طلب إثبات النسب، المسؤولية الجنحية بعد دعوى المسؤولية التعاقدية. في المجال التعاقدي فلقد قبل كل الطلبات المقدمة لأول مرة في الاستئناف إذا كان أساس الطلب هو وحده الذي عدل، و مثال ذلك قبول دعوى البطلان بعد طلب الفسخ أو الإلغاء ، أو طلب حل الشركة بعد طلب بطلانها .في هذه الحالات فإن وحدة الغرض المتمثل في إهدار العقد محل النزاع قد تحققت .و بالعكس كلما كان الغرض من الطلب المقدم لأول مرة في الاستئناف يتعارض مع الغرض الذي كان سببا في رفع الدعوى أمام المحكمة، فإن الطلب يكون غير مقبولا ، و مثال ذلك طلب إبطال عقد الإيجار المقدم في الاستئناف فيما أن الطلب الأصلي هو مراجعة بدل الإيجار .
2- الاستثناءات لمبدأ منع الطلبات الجديدة - لا يجب أن يشكل مبدأ منع الطلبات الجديدة عائقا لحسن سير العدالة، ولذلك يجب السماح لقضاة الاستئناف أن يفصلوا في الوقائع الجديدة التي كثيرا ما تظهر أثناء طرح الدعوى أمامهم . فلو منعوا من ذلك بصورة مطلقة، سيلزم الخصوم بالرجوع إلى قاضي الدرجة الأولى كلما طرأ طارئا حتى وإن كان تافها . لذا فإنه إلى جانب القاعدة التي تضمنتها المادة 343 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، والتي تجيز كما رأينا بعض الطلبات الجديدة ولو كان أساسها القانوني مختلف عن الأساس القانوني للطلب الأصلي، فإن المشرع أجاز في نصوص أخرى بعض الطلبات الجديدة .
إذا كان الطلب الجديد من ضمن الطلبات التي يجيز القانون تقديمها لأول مرة في الاستئناف، فإنه يمكن عرضها على المجلس القضائي في أي وقت، و لكن قبل إقفال باب المرافعات إما في العريضة الأصلية و إما بموجب عريضة إضافية (قرار المحكمة العليا بتاريخ 6 فبراير2008، ملف رقم 42831 - لا تعد الطلبات الإضافية الواردة في العريضة الإضافية للاستئناف طلبات جديدة طالما هي مشتقة من الطلب الأصلي - ). فطلب تعيين خبير لإجراء مضاهاة الخطوط للتحقيق في الكتابة و الإمضاء المقدم لأول مرة أمام المجلس القضائي لا يعد طلبا جديدا لأنه يجوز قانونا تقديم مثل هذا الطلب لأول مرة في الاستئناف (قرار المحكمة العليا بتاريخ 23 يوليو 2008، ملف رقم 420995، م.م.ع.185.2.2008 -لا يعد طلب مضاهاة الخطوط المقدم أمام جهة قضاء الاستئناف طلبا جديدا لكونه من وسائل الدفاع المقبول إثارتها أمامها لأول مرة -). قضت المحكمة العليا أنه إذا كان الطلب الجديد في الاستئناف مرتكز على وسائل قانونية بحتة فإن هذا الطلب يكون مقبولا، فلو تعلق الأمر مثلا بالمطالبة لأول مرة أمام المجلس القضائي عن طريق استئناف فرعي بتطبيق أحكام القانون الذي ينص على حساب التعويض عن حادث مرور على أساس الحد الأدنى للأجر الوطني المضمون في حالة عجز الضحية عن تقديم ما يثبت مقدار مدخولها ، فإنه يجب على قضاة الاستئناف قبول هذا الطلب كونه دفاع في الدعوى الأصلية (قرار المحكمة العليا بتاريخ 03 أبريل 2001 ملف رقم 247138، م.ق.139.1.2002 - إن إثارة طلب إعادة النظر في طريق حساب التعويض في شكل استئناف فرعي لا يشكل البتة طلبا جديدا وإنما يعد بمثابة دفاع في الدعوى الأصلية يحق لصاحب المصلحة التمسك به في أي مرحلة كانت عليها الدعوى، و لما اعتبروا القضاة هذه الوسيلة كطلب جديد غير مقبول أمام جهة الاستئناف فإنهم يكونون قد خرقوا الإجراءات وعرضوا قرارهم للنقض-).
استثناءات المادة 341 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية - أولا فإن المادة 341 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية تسمح لمن كان مدعى عليه في الدعوى الابتدائية، ومهما كان دوره في الاستئناف، التمسك لأول مرة بالمقاصة . المقاصة التي تتكلم عليها المادة 341 ليست المقاصة القانونية لأن هذه الأخيرة تشكل فقط وجها جديدا فيما أن الأوجه الجديدة تكون دائما مقبولة في الاستئناف. بعد التمسك أمام المحكمة بانقضاء دينه بالوفاء أو بالتقادم، يمكن للمدين التمسك في الاستئناف بانقضاء الدين بمقاصة قانونية . فطلبه لم يتغير وهو انقضاء الدين . ولكن المقاصة القانونية تفترض توفر عدة شروط إذ حسب المادة 297 من القانون المدني : " للمدين حق المقاصة بين ما هو مستحق عليه لدائنه وما هو مستحق له تجاهه ولو اختلف سبب الدينين إذا كان موضوع كل منهما نقودا أو مثليات متحدة النوع والجودة، وكان كل منها ثابتا وخاليا من النزاع ومستحق الأداء صالحا للمطالبة به قضاء ". لو انعدمت إحدى هذه الشروط، لا يكون ثمة مجالا لمقاصة قانونية . ولكن، من بين هذه الشروط المختلفة، هناك شرط يمكن انجازه من طرف القاضي، وهو أن يكون الدين ثابتا أو معين المقدار. عندما يكون أحد الدينين (أو كلاهما) غير معين المقدار، يمكن للقاضي جعله معين المقدار بالفصل في وجوده وفي قيمته، وبذلك يرفع الحاجز الذي كان يحول دون تمكين المقاصة وينجز ذلك بفعل القاضي، لذا تسمى بالمقاصة القضائية. وهذه المقاصة هي نفسها المقاصة التي تتكلم عليها المادة 341 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية . مثال : ل. يطلب من ع. مبلغ 500 000 دينار مدعيا قرضه إياه ؛ يجيبه ع . بأنه هو كذلك مدين له بتعويضات عن ضرر سببه له . تكون هنا المقاصة القانونية غير ممكنة لأن المدعي ينكر حق ع. في التعويضات أو ينازع في قيمتها . وفي غياب مقاصة قانونية، يبقى على ع. التمسك بالمقاصة القضائية على شكل طلب مقابل يشكل طلب جديد حقيقي . فيقوم المجلس القضائي بفحص ما إذا كان طلب ع. بالتعويضات مؤسسا وما هو نصابها، وبعدها يقوم المجلس بالمقاصة . وإذا كان هذا الإجراء يسمح بربح الوقت وتجنب مصاريف إضافية، فإنه ينزع لأحد الخصوم درجة من درجات التقاضي.
قد تقع الحالة التي يكون فيها الطلب الخاص بمقاصة أقوى من الطلب الأصلي . يكون كذلك حينما يطلب ل. من ع. مبلغ 500 000 دينار فحكمت المحكمة على ع.بدفعه هذا المبلغ . يرفع ع. استئناف ويتمسك بموجب المقاصة القضائية بدين قدره 700 000 دينار.المجلس القضائي يقضي بصحة وقيمة الدينين ؛ فتأمر بالمقاصة في حدود 500 000 دينار . ولكن هل يجوز للمجلس ، بالنسبة للفائض، أن يفصل فيه أم أنه يكون ملزما بالإحالة إلى محكمة الدرجة الأولى ؟ القانون والقضاء لم يقدمان حلا ملائما و لكن نعتقد أنه يجوز للمجلس القضائي الفصل في ذلك دون الإحالة إلى المحكمة، لأن المادة 341 لم تقرر أي تمييز ؛ إنها تجيز المقاصة المتمسك بها لأول مرة في الاستئناف دون أن تميز فيما إذا كان الدين الذي تمسك به الطرف الذي كان مدعى عليه في الدرجة الأولى يقل أو يساوي أو يزيد عن دين المدعي . ومن جهة أخرى، فبقبوله المقاصة، يكون المجلس القضائي قد اعترف بصحة وتأسيس طلب المدعى عليه في الدرجة الأولى، فلو فصل إلا في حدود دين المدعي في الدرجة الأولى فلا يمكن للمحكمة فيما بعد أن تفصل في اتجاه معاكس بالنسبة للفائض .
الطلبات الجديدة التي ترمي إلى استبعاد الادعاءات المقابلة- لا يعتبر كطلب جديد، و من ثمة يكون مقبولا لأول مرة أمام المجلس القضائي، الطلب الرامي إلى استبعاد الادعاءات المقابلة حسب عبارات المادة 341 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية ، أي استبعاد الادعاءات التي يبديها الخصم .هذه القاعة تعبر عن مبدأ أساسي في التقاضي و هو حرية الدفاع إذ يجب ترك المدعى عليه أو المستأنف عليه إثارة كل الوسائل و الطلبات المفيدة حتى و إن كانت على شكل طلبات أو ادعاءات جديدة و لكن على شرط أن تكون هذه الوسائل و الطلبات دفاعا في الدعوى الأصلية .
الطلبات الجديدة الرامية إلى الفصل في مسائل ناتجة عن تدخل الغير- منع الطلبات الجديدة في الاستئناف يطرأ عليه كذلك استثناء قرر لصالح الغير الذي اعترف له القانون ضمن بعض الشروط التدخل لأول مرة أمام قضاة الدرجة الثانية.المشرع أراد السماح للجهة الاستئنافية الإلمام بكل جوانب القضية حينما يتدخل الغير أمامها لأول مرة فالطلبات التي يبديها هذا المتدخل أو التي يبديها الأطراف في مواجهة الطرف المتدخل لا تعتبر طلبات جديدة و هذا طبقا لأحكام المادة 341 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية.
الطلبات الجديدة الرامية إلى الفصل في المسائل الناتجة عن اكتشاف واقعة.- يجوز حسب المادة 341 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية الفصل في مسائل ناتجة عن اكتشاف واقعة. قد يتعلق الأمر بواقعة جديدة أو باكتشاف واقعة كانت موجودة سابقا. و لكن يجب أن تكون هذه الواقعة قد طرأت أثناء سير دعوى الاستئناف.فإذا كانت الواقعة التي أسس عليها الطلب الجديد في الاستئناف معروفة ممن تمسك بها، فإن الطلب يكون غير مقبولا. يجب كذلك ليكون الطلب الجديد مقبولا أن يوجد ارتباط بين الواقعة المكتشفة و النزاع الأصلي.
استثناءات المادة 345 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية - قبول الطلبات المقابلة في الاستئناف - تنص المادة 345 قانون الإجراءات المدنية والإدارية أنه يجوز تقديم الطلبات المقابلة خلال النظر في الاستئناف. النص يتكلم عن الطلبات المقابلة دون ضوابط و دون توضيح مفهومها.فهل يتعلق الأمر بكل الطلبات التي يقدمها المستأنف عليه دون تمييز؟ قانون الإجراءات المدنية القديم كان يجيز في الاستئناف الطلبات المقابلة التي تكون بمثابة دفاعا في الدعوى الأصلية دون غيرها (المادة107 -1 من ق.إ.م.) (قرار المحكمة العليا بتاريخ 26 مارس 1983، ملف رقم 25250 - يعد الطلب المقابل مقبولا في الاستئناف حتى ولو قدم لأول مرة إذا اعتبر دفاعا على الدعوى الأصلية التي لها طابع تعديل بنود القرار المنتظر صدوره وإبعاد ادعاء المدعي -).حسب قرارات المحكمة العليا الصادرة في ظل هذه المادة لا سيما حسب القرار المبدئي المؤرخ في 23 يناير 1970 ، فإن : " الطلب المقدم لأول مرة على مستوى الجهة الاستئنافية من طرف المدعى عليه يعد دفاعا في مواجهة الدعوى الأصلية، ومن ثمة فإنه مقبول عندما يكون ذا طبيعة قادرة على تعديل بنود القرار المرتقب صدوره وعلى إبعاد ادعاء المدعي.
حتى و إن كانت المادة 345 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية لم توضح مفهوم الطلبات المقابلة في الاستئناف و شروط تقديمها، فلا شك أنه يجب أن تكون بين هذه الطلبات و الادعاءات الأصلية ارتباطا كافيا، أو أن تكون هذه الطلبات بمثابة دفاع في الدعوى الأصلية، لتكون مقبولة و ذلك على غرار ما هو مقرر أمام المحكمة .
استثناءات المادة 342 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية - طلب الفوائد القانونية وما تأخر من الديون وبدل الإيجار والملحقات الأخرى- يجوز للخصوم طلب الفوائد، ومتأخر الديون، وسائر الملحقات الأخرى التي تستحق بعد صدور الحكم المستأنف . يمكن إذا طلبها لأول مرة في الاستئناف باعتبارها ملحقات بحتة في حين أن الأصل الذي ترتبط به مر على درجتي التقاضي . وإحصاء القانون لم يأتي على سبيل الحصر إذ أن النص يطبق على سائر الملحقات، ومثلا على الثمار الطبيعية التي لم تتضمنها المادة 342 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية.
يجوز كذلك للأطراف حسب نفس المادة أن يطلبوا لأول مرة في الاستئناف التعويضات الناتجة عن الأضرار التي وقعت منذ صدور الحكم ( قرار المحكمة العليا المؤرخ في 23 يناير 1970 سالف الذكر).
يجب طبعا أن يكون الضرر الحاصل متصل بالوقائع ذاتها التي أنشأت الخصومة. اعتبر مجلس النقض الفرنسي ارتكازا على المادة 464 الفقرة 2 من قانون الإجراءات المدنية الفرنسي القديم التي تقابلها المادة 342 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية ، أن المشتري الذي قدم أمام المحكمة طلب تنفيذ صفقة مع تعويض عن التأخير يكون مقبولا أمام قاضي الدرجة الثانية في طلب فسخ الصفقة كون هذا الفسخ وسيلة تمكن المشتري من الحصول على تعويض عن الضرر.
جزاء تقديم طلب جديد لأول مرة في الاستئناف
عدم القبول - طبيعة ليست من النظام العام - يترتب على تقديم طلب جديد لأول مرة في الاستئناف، عدم قبوله . ولكن استقر القضاء على أن عدم القبول هذا ليس من النظام العام : " متى كان من المقرر قانونا، أنه لا تقبل الطلبات الجديدة في الاستئناف ما لم تكن خاصة بمقاصة أو مشتقة مباشرة من الطلب الأصلي في الدعوى، ومن المقرر كذلك أن عدم قبول هذه الطلبات ليس من النظام، ومن ثمة فإن القضاء بما يخالف هذا المبدأ يعد إساءة تطبيق القانون " كما قضت المحكمة العليا أن " عدم قبول الطلب الجديد المقدم لأول مرة في الاستئناف ليس من النظام العام ولا يمكن لقضاة الاستئناف الامتناع عن فحص هذا الطلب إذا لم يثر المستأنف عليه دفع بعدم القبول" ( قرار المحكمة العليا بتاريخ 12 مارس 1984، ملف رقم 31620).
إذا قدم طلبا لأول مرة أمام المجلس القضائي و كان هذا الطلب تتوفر فيه شروط قبوله و رغم ذلك قضى المجلس بعدم القبول، فإن القرار الصادر يكون مشوبا بالبطلان لخرقه قاعدة جوهرية في الإجراءات ، ففي حالة الطعن بالنقض في هذا القرار فإن المحكمة العليا اعتادت إثارة هذا البطلان من تلقاء نفسها حتى ولو لم يتمسك به الطاعن (قرار المحكمة العليا بتاريخ 03 أبريل 2001، ملف رقم 24713 - اعتمادا على الوجه المثار تلقائيا و المأخوذ من خرق قاعدة جوهرية في الإجراءات، حيث أنه كما هو ثابت من القرار المطعون فيه أن ما تمسك به الطاعنين من أن يكون حساب التعويض على أساس الحد الأدنى للأجر الوطني المضمون لا يشكل طلبا جديدا وإنما يعد بمثابة دفاع في الدعوى الأصلية - ).و لكي يقضي المجلس بعدم قبول طلب بسبب أنه طلب جديد لم يسبق عرضه على قاضي المحكمة فإنه يجب على المستأنف عليه أن يثير عدم القبول هذا صراحة في خاتمة مذكرته .
التعليق على قرار مجلس القضاء المؤرخ في 02/03/2023 القاضي بعدم قبول طلب رد متاع البيت لكونه طلبا جديدا
بالرجوع إلى بيانات القرار المؤرخ في 02/03/2023 محل هذا التعليق فإن الدعوى الأصلية أمام المحكمة رفعت من طرف الزوج الذي طلب الطلاق بإرادته المنفردة و أثناء الخصومة أمام هذه المحكمة فإن الزوجة المدعى عليها قدمت طلبات مقابلة تخص الحكم لها بالتعويض عن الطلاق التعسفي و النفقة لها و لابنتها القاصرة و إسناد لها حضانة البنت مع مسكن أو بدل ايجار لممارسة الحضانة . في هذه الخصومة فإن المدعى عليها لم تطلب برد أثاثها التي تركته بالبيت الزوجية. المحكمة استجابت لطلب المدعي فقضت بفك الرابطة الزوجية بين الطرفين مع الاستجابة جزئيا لطلبات المدعى عليها و ذلك بموجب حكم مؤرخ في 06/07/2022 . تم استئناف هذا الحكم من كلا الطرفين بعريضتين مستقلتين.
الزوجة المستأنف و أمام المجلس القضائي طلبت رفع مبلغ التعويض و النفقات المحكوم بها بموجب الحكم المستأنف كما قدمت طلبا جديدا موضوعه إلزام المستأنف عليه برد لها الأثاث التي تركته بالبيت الزوجية مع تقديم قائمة عن هذا الأثاث. في دعوى الاستئناف التي رفعها الزوج و التي تم ضمها لاحقا إلى استئناف الزوجة فإن هذه الأخيرة طلبت الإشهاد لها برفعها استئنافا فرعيا مع تقديمها لطلب مقابل موضوعه إلزام زوجها برد لها أثاثها الطي تركنه بالبيت الزوجية.
بعد الأمر بضم الاستئنافين للفصل فيهما بقرار واحد فإن قضاة المجلس و إن استجابوا جزئيا لطلبات الزوجة برفع مبلغ التعويض عن الطلاق فإنهم رفضوا طلب إرجاع أثاثها على أساس أن هذا الطلب هو طلب جديد لم يسبق عرضه على المحكمة . تسبيب المجلس لرفضه لطلب إرجاع الأثاث للزوجة المستأنفة لكونه طلبا جديدا ور في الصيغة الآتية : " حيث تبين لهيئة المجلس أن المستأنفة قدمت قائمة بخصوص متاعها المتروك بالبيت الزوجية لأول مرة أمام هيئة المجلس كهيئة ثانية و هو ما يعد طلب جديد أمامها، و الحال كذلك تعين صرفها إلى رفع دعوى مستقلة أمام قاضي الدرجة الأولى بخصوص طلبها هذا حفاظا على عدم حرما المستأنف عليه من حقه في درجة أولى من درجات التقاضي "
ما قضى به قضاة المجلس بالنسبة للطلب الجديد المقدم أمامهم و المتعلق بمتاع البيت هو قضاء قابل للنقاش. المسألة القانونية التي يثيرها قرار المجلس تستدعي لحلها بشكل صحيح و قانوني الرد على السؤال الأتي : هل طلب رد متاع البيت المقدم في دعوى الطلاق لأول مرة في الاستئناف هو طلب جديد لا يجوز تقديمه لأول مرة أمام المجلس أو بالعكس هل هو طلب مرتبط مباشرة بالطلب الأصلي و هو الطلاق بمفهوم المادة 343 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية فيجوز حينئذ تقديمه لأول مرة أمام المجلس. ما ورد في حيثيات القرار من أن مثل هذا الطلب يترتب عليه حرمان المستأنف عليه من حقه في درجة أولى من درجات التقاضي و من ثمة فإنه طلب جديد لا يجوز تقديمه لأول مرة في الاستئناف هو قضاء غير مقنع. فلو سايرنا هذا الطرح فإنه يجب منع تقديم أي طلب جديد أمام المجلس مهما كان نوعه و لو كان مرتبطا مباشرة بالطلب الأصلي بمفهوم المادة343 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية.الفصل في مسألة قبول الطلب المقدم لأول مرة في الاستئناف من عدمه يجب أن يؤسس لا على ما إذا كان هذا الطلب من شأنه حرمان الطرف الآخر من درجة من درجات التقاضي و لكن على أساس ما إذا كان هذا الطلب مرتبط مباشرة بالطلب الأصلي من عدمه.
لا جدال في أن متاع البيت و الأشياء الخاصة بالزوجين تعد من توابع العصمة فطلب إرجاع الأثاث و المصبوغ هو طلب مرتبط مباشرة بطلب الطلاق أي بالطلب الأصلي فهو ليس طلب جديد و من ثمة يكون مقبولا إذا قدم لأول مرة في الاستئناف. و قضاء المحكمة العليا استقر في هذا الاتجاه ( مثلا قرار المحكمة العليا المؤرخ في 10 /03/1990 المشار إليه أعلاه). رغم أن قرارات المحكمة العليا التي عالجت المسألة في الاتجاه الذي يعتبر طلب متاع البيت المقدم لأول مرة أمام المجلس القضائي هم طلب مشتق من طلب الطلاق الأصلي فهو حينئذ مقبول شكلا و موضوعا هي قرارات لم تصدر عن الغرفة المجتمعة أو عن الغرف المختلطة فإن هذا الاتجاه هو الأقرب من الصواب.
الأستاذ براهيمي محمد
محامي بمجلس قضاء البويرة
brahimimohamed54@gmail.com
Date de dernière mise à jour : 02/04/2023