CABINET M.BRAHIMI , Avocat

قرارات المحكمة الدستورية الصادرة في مجال الدفع بعدم الدستورية ( الجزء 2 )

mohamed brahimi By On 14/03/2022

 Conseil constitutionnel image

قرار رقم 01/ق. م د/ د.ع د 19 بتاريخ 20/11/2019   و قرار رقم  02/ق. م د/ د.ع د  بنفس التاريخ  قضا بعدم دستورية المادة 416  من  قانون الإجراءات الجزائية  

  هذين القرارين المنشورين في الجريدة الرسمية رقم 77 بتاريخ 15 ديسمبر 2019  فصلا في  نفس المسألة المتعلقة  بالدفع بعدم دستورية المادة 416  من  قانون الإجراءات الجزائية  التي تمنع الاستئناف  في الأحكام  الصادرة في مواد الجنح  إذا قضت بغرامة تساوي أو تقل عن  20 000 دينار. سنعلق فقط على القرار الأول  كون القرار الثاني فصل في نفس المسألة على أساس نفس الأسباب . في القضية التي أثير فيها الدفع بعدم دستورية المادة 416  من  قانون الإجراءات الجزائية   تم الحكم على المتهم   بغرامة  20 000 قدرها دينار لارتكابه جنحتي الضرب و الجرح العمدي و السب. رفع المتهم استئناف أمام مجلس قضاء بجاية  و لكن كون المادة 416  من  قانون الإجراءات الجزائية   لا تجيز الاستئناف في الأحكام  القاضية بغرامة تساوي أو تقل عن  20 000  دينار فإن المتهم قدم أمام المجلس دفع بعدم دستورية  المادة 416  من  قانون الإجراءات الجزائية   باعتبارها تخالف المادة 160 من الدستور التي تقر مبدأ التقاضي على درجتين.

 

            

حتى قبل  عرض مسألة عدم دستورية المادة 416  من  قانون الإجراءات الجزائية  في صيغتها المعدلة بموجب الأمر رقم 15-02 المؤرخ في 23 جويلية 2015 ثم بموجب الأمر رقم 17-07 المؤرخ في 27 مارس 2017  فإن هذه المادة كانت محل جدل و نقد شديدين لا سيما من طرف المحامين  اللذين اعتبروا أنها تمس بصفة متناهية مبدأ التقاضي على درجتين . هذه المادة تنص على ما يلي :

" تكون قابلة للاستئناف:

1- الأحكام الصادرة  في مواد الجنح إذا قضت بعقوبة حبس أو غرامة تتجاوز عشرين ألف دينار بالنسبة للشخص الطبيعي و مائة ألف دينار  بالنسبة للشخص المعنوي  و الأحكام بالبراءة.

2- الأحكام الصادر في مواد المخالفات القاضية بعقوبة الحبس  بما في ذلك تلك المشمولة  بوقف التنفيذ ".

  يفهم من هذا النص أن المشرع استثنى من حق التقاضي على درجتين كل الأشخاص  الطبيعيين المحكوم عليهم بغرامة تساوي أو تقبل عن عشرين ألف دينار فالأحكام الصادرة في هذا الشكل تكون بذلك  غير قابلة للاستئناف .

 عند تقديم مشروع الأمر المؤرخ في 23 جويلية 2015 المعدل و المتمم لقانون الإجراءات الجزائية فان تعديل المادة 416 التي أصبحت  تمنع الاستئناف عندما تقل العقوبة أو تساوي عشرين ألف دينار فإن هذا المنع  فسر بتضخم عدد القضايا المرفوعة أمام المجالس القضائية و بعدم جدية الاستئناف المرفوع  ضد هذه الأحكام التي مردها  هو  فقط  ربح الوقت و أن الإدانة تتمثل في عقوبة مالية فقط . هذا التبرير هو طبعا غير مقنع  لأن العقوبة الجزائية هي في حد ذاتها عقوبة مشينة  مهما كانت درجتها و لو غرامة مالية  لا سيما إذا تعلق الأمر بجنحة  تمس بالشرف أو بالاعتبار علما أن هذه العقوبة تسجل في صحيفة السوابق العدلية. طبعا فإن المحكمة الدستورية  لم تؤسس قضائها  في مسألة  منع الاستئناف المنصوص عليه في المادة 416  على هذه الأسباب و لكنها أبطلت هذه المادة  كونها  غير دستورية.

  المحكمة الدستورية صرحت عدم دستورية المادة 416 من قانون الإجراءات الجزائية لكون هذه المادة  تعارض المادة 160-2 من الدستور التي تضمن حق التقاضي على درجتين . ذكرت المحكمة الدستورية أن  المؤسس الدستوري و حين  نص على أن القانون يضمن التقاضي على درجتين  فإنه يقصد إلزام   المشرع ضمان ممارسة هذا الحق بأن يحدد له كيفيات  تطبيقيه دون أن تفرغه  تلك الكيفيات من جوهره و لا أن تقيد  أو تستثني  أحدا عند ممارسته. اعتبرت كذلك أنه فيما يتعلق بممارسة الحق في الاستئناف  في المسائل الجزائية  فإنه لا ينبغي إعاقة  أي طرف إما قانونا  أو بفعل إجراءات  في أن يلجأ إلى جهة قضائية أعلى.

بعد التصريح بعدم دستورية المادة 416 قانون الإجراءات الجزائية  في فقرتيها الأولى و الثانية ،  فإن المحكمة الدستورية  قررت أن هذه المادة تفقد أثرها فورا  و أن هذا الأثر يسري على كل الأحكام الجزائية التي لم تستنفذ آجال الاستئناف عند تطبيق أحكام المادة 416 . المادة 416 من قانون الإجراءات الجزائية تكون بذلك قد ألغيت و تصبح المجالس القضائية ملزمة بقبول الاستئنافات المرفوعة ضد الأحكام دون تمييز .

5- - الدفع بعدم  دستورية المادة  496 ( النقطة 6) من قانون الإجراءات الجزائية

 قرار رقم 01/ق. م د/  د.ع د  20 بتاريخ  06 ماي 2020   قضى بدستورية المادة  496 ( النقطة 6) من قانون الإجراءات الجزائية

في قرارها المؤرخ في 06 ماي 2020  فصلت المحكمة الدستورية في دفع بعدم دستورية  المادة  496 ( النقطة 6) من قانون الإجراءات الجزائية التي تمنع  الطعن بالنقض في الأحكام و القرارات  الفاصلة في الموضوع  في آخر درجة في مواد الجنح ، القاضية  بعقوبة غرامة  تساوي أو تقل عن خمسين ألف دينار بالنسبة للشخص الطبيعي و مائتي ألف دينار بالنسبة  للشخص المعنوي  مع التعويض المدني أو بدونه ، إلا إذا كانت الإدانة  تتعلق بحقوق مدنية  باستثناء الجرائم العسكرية أو الجمركية.

 القاعدة في القانون الجزائي أن كل حكم يصدر عن جهة قضائية جزائية يكون قابلا للطعن فيه  أمام جهة قضائية أعلى و حتى أمام المحكمة العليا. استقر تشريعنا الجزائي أنه يجوز للمتهم المحكوم عليه الطعن بالنقض  أمام المحكمة العليا ضد الحكم الصادر ضده و لو كانت الإدانة غرامة فقط. الأمر رقم 15-02 المؤرخ في 23 جويلية 2015 المعدل و المتمم للأمر رقم 66-155 المؤرخ في 008 جوان 1966 المتضمن قانون الإجراءات الجزائية غير جذريا هذه القاعدة. هذا الأمر أدخل استثناءين على قاعدة جواز الطعن بالنقض دون قيد  في الأحكام و القرارات الجزائية. أولا و تطبيقا لأحكام المادة 495- د من هذا القانون  فإن الأحكام و القرارات الفاصلة في الموضوع في آخر درجة في مواد المخالفات و التي تقضي بعقوبة حبس نافذة أو غير نافذة تكون وحدها و دودن غيرها قابلة للطعن بالنقض ما يفهم منه أن الأحكام و القرارات  التي تصدر في المخالفات و التي تقضي بعقوبة غرامة فقط تكون غير قابلة للطعن بالنقض. القيد الثاني على حرية مباشرة الطعن بالنقض في الأحكام و القرارات الجزائية ورد في المادة 496 ( النقطة 6)   التي عرضت على رقابة المحكمة الدستورية و التي   أقرت دستوريتها.

في الدعوى التي أثير فيها الدفع بعدم دستورية المادة 496 ( النقطة 6)  من قانون الإجراءات الجزائية  فإن المتهمين توبعوا من أجل ارتكابهم جنحة إقرار عمدا  لوقائع غير صحيحة  و السعي لها و هو الفعل المنصوص و المعاقب عليه بالمادة 228 من قانون العقوبات ،  و قد تمت إدانتهم  من طرف الغرفة الجزائية لمجلس قضاء الجزائر  بغرامة قدرها عشرون ألف دينار . قدم محامي المتهمين مذكرة دفع بعدم دستورية  المادة 496 ( النقطة 6)على أساس أنها  تحرمهم  من حقهم في الطعن بالنقض و هو ما يتعارض  مع أحكام المادة 171 الفقرتين 1 و 3  من الدستور التي تنص أنه : " تمثل  المحكمة العليا الهيئة المقومة لأعمال المجالس القضائية و المحاكم ، و تضمن المحكمة العليا و مجلس الدولة توحيد الاجتهاد القضائي في جميع أنحاء البلاد  و يسهران على احترام القانون" ،  كما أنها تتعارض مع أحكام المادة 160-2 من الدستور التي كرست مبدأ التقاضي على درجتين .

استبعدت المحكمة الدستورية الحجج المقدمة من طرف محامي المتهمين تدعيما للدفع بعدم دستورية المادة 496 ( النقطة 6)  من قانون الإجراءات الجزائية  لسببين : 1) أن المدعين  استنفذوا حقهم في التقاضي على درجتين  إذ تمت محاكمتهم  كمتهمين أمام محكمة الدرجة الأولى ثم أمام المجلس القضائي و بالتالي فإن حقهم في التقاضي على درجتين  في المسائل الجزائية التي تضمنتها المادة 160-2 من الدستور قد تحققت 2) المادة 171 من الدستور  المسند عليها من طرف محامي المتهمين في دفعهم بعدم دستورية المادة 496 ( النقطة 6) لا تتضمن ما يفيد أن الطعن بالنقض درجة من درجات التقاضي  فيما أن الطعن بالنقض ليس    امتداد للخصومة الأصلية  و لا يملك فيه الخصوم المزايا التي يكفلها  لهم قاضي الموضوع من تقديم طلبات  أو أوجه دفاع جديدة لم يسبق عرضها من قبل 3) إذا كانت المادة  160-2 من الدستور تنص عن مبدأ  التقاضي على درجتين و هو ما يتماشى مع أحكام العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية  الذي انضمت إليه الجزائر بموجب المرسوم الرئاسي رقم 89-67 المؤرخ في 16 ماي 1989 فإن المادة 140 ( النقطة 7) من الدستور  خولت المشرع كامل الاختصاص في التشريع في ميدان القواعد  العامة لقانون العقوبات  و الإجراءات الجزائية  لاسيما تحديد الجنايات و الجنح و العقوبات المختلفة المطابقة لها  و العفو الشامل  و تسليم المجرمين  و نظام السجون  و يعود له بذلك  الاختصاص في تحديد  شروط و إجراءات الطعن بالنقض و له أن يوضع  استثناءات  و قيودا في القانون  في ظل احترام الحقوق و الحريات المضمونة دستوريا.

لكل هذه الأسباب استخلصت المحكمة الدستورية أن الدفع بعدم دستورية المادة   496 ( النقطة 6) من قانون الإجراءات الجزائية هو دفع غير مؤسس و من ثمة صرحت بدستورية هذه المادة.

لا شك أن الأسباب التي ارتكزت عليها المحكمة الدستورية للتصريح بدستورية المادة  496 ( النقطة 6) من قانون الإجراءات الجزائية هي أسباب جدية و مناسبة من الناحية القانونية ،  و مع ذلك فإنه من وجهة نظر أخرى فلو اتخذت  المحكمة الدستورية قرار معاكس يقضي  بعدم دستورية هذه المادة فإن هذا القرار قد يجد  كذلك ما يبرره.لا شك أن المشرع لجأ إلى تقليص حرية الطعن بالنقض في الأحكام و القرارات القضائية الجزائية بغرض التحكم في حجم القضايا المرفوعة أمام المحكمة العليا  و من ثمة  تقليص آجال الفصل  فيها. الوزير الأول نفسه و في ملاحظاته المكتوبة المدفوعة أمام المحكمة الدستورية  دفع بأن غرض المشرع من وضع شرط لقبول الطعن بالنقض هو تقليص عدد الطعون  المرفوعة أمام المحكمة العليا و التحكم في حجم العمل القضائي  على مستوى هذه الهيئة  العليا لحسن سير مرفق القضاء.

انطلاقا من القاعدة العامة  التي مفادها أن من حق أي متقاضي  استنفاذ كل طرق الطعن في الحكم الصادر ضده  بما فيه الطعن بالنقض ،  فإنه قد لا يستقيم و لا يكون من باب العدل أن يستبعد المشرع  هذا الطعن  في القضايا التي تدين المتهم بغرامة مالية فقط فيما أن هدف  هذا الطعن هو  مراقبة ما إذا كان القانون قد طبق تطبيقا صحيحا. بعض الدول نهجت مسار معاكس إذ بالنسبة  لبعض المخالفات البسيطة فإذا كان المشرع  قد منع الاستئناف فإنه أجاز الطعن بالنقض. و أما بالنسبة للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية الذي انضمت إليه الجزائر فيمكن تفسير أحكامه تفسيرا مخالفا لتفسير المحكمة الدستورية.المادة 14  من هذا العهد  تنص صراحة أنه: " لكل شخص أدين بجريمة حق اللجوء إلى محكمة أعلى كي تعيد النظر في قرار إدانته و في العقاب الذي حكم به عليه" . هذا النص يتكلم عن " محكمة أعلى" فيما أن المحكمة العليا هي  محكمة أعلى  و لو ليست درجة ثالثة للتقاضي. من جهة أخرى فإن هذا النص للعهد الدولي قد أدرج في المادة  1-7 من قانون الإجراءات الجزائية  في صيغتها المعدلة بموجب القانون رقم  17-07 المؤرخ في 27 مارس 2017 التي تنص : " أن لكل  شخص حكم عليه ، الحق في أن تنظر في قضيته جهة قضائية عليا". يوجد إذا تناقض بين المادة 496 ( النقطة 6) من قانون الإجراءات الجزائية و المادة 1-7 من نفس القانون.

 يجب كذلك الأخذ بعين الاعتبار  الآثار السلبية و في بعض الأحيان الكارثية للعقوبة الجزائية  على المتقاضي. إذا سلمنا أن منع الاستئناف أو حتى الطعن بالنقض في حكم قضى بعقوبة مالية  من أجل ارتكاب مخالفة  قد  يمكن تفهمه نظرا للأضرار  المحدودة على شخص المحكوم عليه ،   فإن الأمر يكون خلاف ذلك في حالة الحكم على المتهم بعقوبة مالية لارتكابه جنحة. كون الجريمة المرتكبة تتعلق بجنحة فإن العقوبة المحكوم بها ستسجل  في بطاقة السوابق العدلية مهما كانت العقوبة المحكوم بها و هذا ما قد يضر بالمتقاضي. قد نتصور متهم أدين من طرف المجلس القضائي بعقوبة من أجل السرقة أو  النصب أو خيانة الأمانة أو بأي جنحة أخرى  مخلة بالشرف. بطاقة السوابق العدلية لهذا المتقاضي المحكوم عليه بإحدى هذه الجنح و لو بعقوبة غرامة مالية سيؤثر لمحالة مثلا على توظيفه في بعض الوظائف أو المناصب ، و إذا تعلق الأمر بتاجر أو مقاول فإن هذه العقوبة ستمنعه مثلا  من المشاركة في الصفقات العمومية. لذلك فإن منع هذا المتقاضي من رفع طعن بالنقض ضد الحكم الذي أدانه و الذي قد يؤدي إلى إعادة  محاكمته وتبرئته  قد لا يكون من باب الإنصاف و العدل.

يجب الملاحظة أنه خلافا لرأي و موقف باقي السلطات الذين قدموا ملاحظات كتابية   أمام المحكمة الدستورية   ( رئيس المجلس الشعبي الوطني،الوزير الأول،النائب العام لدي مجلس قضاء الجزائر ) و الذين رافعوا في اتجاه  رفض الدفع بعدم الدستورية ، فإن رئيس مجلس  كان له موقف متردد إذ انه و إن اعتبر أن المادة  496 ( النقطة 6) من قانون الإجراءات الجزائية لا تتعارض مع المادة 160-2 من الدستور كون الطعن بالنقض لا يعد درجة ثالثة من درجات التقاضي ،  فإنه لاحظ أن  المادة  496  ( النقطة 6 ) تتعارض مع ما التزمت به الجزائر بموجب الاتفاقية الأممية للحقوق المدنية و السياسية  التي صادقت عليها الجزائر كما اعتبر أن الصيانة الحالية لذات المادة  تتعارض مع  روح المادة الأولى ( المطة 7 ) من قانون الإجراءات الجزائية و لذاك التمس فحص معمق لهذا الوجه المثار.             الأستاذ براهيمي محمد 

محامي لدى مجلس قضاء البويرة

brahimimohamed54@gmail.com