الأشخاص الذين لهم حق الشفعة محددين حصريا في المادة 795 من القانون المدني و هم:
1- الشريك في الشيوع إذا بيع جزء من العقار المشاع إلى أجنبي.
هذه الحالة هي الحالة الأكثر شيوعا و هي الحالة التي يكون لنفس العقار أكثر من مالك أي ملكية شائعة. فلو باع أحد الشركاء في الشيوع حصته للغير يحق للشريك الآخر و هو الشفيع الأخذ بالشفعة لمنع دخول شخص أجنبي في الملكية المشتركة. و مع ذلك إذا تم فرز العقار المشاع بموجب قسمة قضائية مكرسة بحكم نهائي فإنه لا يجوز الأخذ بالشفعة حتى و لو لم يتم إشهار هذا الحكم بالمحافظة العقارية ( قرار للمحكمة العليا مؤرخ في 15/06/2017 - ملف قم 1068024 - منشور بموقع المحكمة العليا ).*
2- مالك الرقبة ( مالك الشيء) إذا بيع الكل أو البعض من حق الانتفاع المناسب للرقبة.
إذا بيع حق الانتفاع المتعلق بالعقار فإن لمالك الرقبة الحق في أن يشفع ليضم الانتفاع للرقبة و تكتمل له الملكية.
3- صاحب حق الانتفاع إذا بيعت الرقبة كلها أو بعضها.
إذا بيعت ملكية الرقبة للعقار الذي عليه حق انتفاع فإن لصاحب حق الانتفاع الحق في أن يشفع ليضم الرقبة إلى الانتفاع و تكتمل له الملكية. نظم القانون الجزائري حق الانتفاع في المواد من 844 إلى 851 من القانون المدني. هذه المواد لم تقدم تعريفا لحق الانتفاع و مع ذلك فإن الانتفاع حسب الفقه و القضاء هو حق عيني أصلي يخول للمنتفع استعمال شيء مملوك للغير و استغلاله دون أن يكون له حق التصرف في رقبة الشيء و يكون هذا الحق مؤقتا و ينتهي بوفاة المنتفع أو بانقضاء المدة المحددة إن وجدت.
قد تنصب الشفعة على منزل أو شقة أو على أرض فلاحيه و مثال ذلك الشخص الذي يمنح ابنه حق الانتفاع بمنزل ملك له لمدة معينة ، أو الشخص الذي يملك أرض فلاحيه لا يستطيع استغلالها بنفسه فيمنح لابنه حق الانتفاع بهذه الأرض بصفة أبدية أو لمدة معينة . رغم أن المستأجر منتفع للعقار المستأجر فإن حقه في الانتفاع لا يعتبر حق انتفاع بمفهوم القانون فحق المستأجر هو حق شخصي فيما أن حق الانتفاع هو حق عيني هذا و خلافا للمستأجر فإنه يحق للمنتفع بيع أو رهن حق الانتفاع الخاص به ( و ليس ملكية الرقبة) دون حاجة لموافقة مالك الرقبة كونه حق عيني.
و في هذا الصدد قضت المحكمة العليا أن المستأجر لا يدخل ضمن الحالات المنصوص عليها في المادة 795 من القانون المدني باعتبار أن حق الإيجار حق شخصي في حين أن حق الانتفاع حق عيني (قرار للمحكمة العليا مؤرخ في 25/12/1988 - ملف قم 54388 - منشور بالمجلة القضائي لسنة 1992 عدد 3 ص.84 ) ، كما أنه إذا كان حق الانتفاع يسمح لصاحبه باستعمال الشيء المنتفع به مثله مثل المالك على أن يحافظ عليه فإن حق الإيجار يختلف عن حق الانتفاع في مداه و حدوده و مدته و من ثمة لا يجوز إقرار حق الشفعة للمستأجر (قرار للمحكمة العليا مؤرخ في 26/04/2000- ملف قم 198458 - منشور بالمجلة القضائية لسنة 2000 عدد 2 ص.163 ) ، و إذا قام المستأجر بغرس و تشييد مبان على العقار المستأجر فإن ذلك لا يحول عقد الإيجار إلى عقد انتفاع كون لا يمكن للمستأجر أن يغير من تلقاء نفسه طبيعة شغله لهذا العقار من عقد إيجار مبرم بين مؤخر و مستأجر إلى عقد انتفاع (قرار للمحكمة العليا مؤرخ في 19/11/1997- ملف قم 150111 - منشور بالمجلة القضائية لسنة 1997 عدد 2 ص.54 ).
و أما مالك القاعة التجارية الذي يمارس نشاطه التجاري في محل مستأجر فإنه لا يعتبر منتفع بمفهوم المادة 844 من القانون المدني كون المحل التجاري مال منقول أنشأه التاجر بصفة مستقلة عن ملكية الجدران بينما المنتفع لا يستطيع أن يكسب حقه في الانتفاع إلا بمقتضى اتفاق أو عن طريق التقادم أو الشفعة أو بحكم القانون (قرار للمحكمة العليا مؤرخ في 25/03/1998 - ملف قم 179132 - منشور بالمجلة القضائية لسنة 1998 عدد 1 ص.88). في نفس السياق قضت المحكمة العليا أن حق الشفعة لا يمكن ممارسته إلا إذا تعلق الأمر ببيع عقار ، فيما أن المحل التجاري لا يعتبر عقارا إذ أنه يتكون من أموال معنوية و من ثمة فإن الدعوى التي يرفعها المستأجر الرامية إلى ممارسة حق الشفعة في محل تجاري يوجد داخل عقار الذي تم بيعه من قبل المؤجر الأصلي تكون غير مؤسسة (قرار للمحكمة العليا مؤرخ في 09/02/199 - ملف قم 181039 - منشور بالمجلة القضائية لسنة 1999 عدد 1 ص.158).
أخضع القانون الجزائري ممارسة حق الشفعة إلى بعض الإجراءات نصت عليها المواد من 799 إلى 803 من القانون المدني بعضدها اعتبرها القضاء من النظام العام يترتب على مخالفتها سقوط حق الشفعة.
يجب أولا على الشفيع أن يعلن رغبته في الأخذ بالشفعة إلى كل من البائع والمشتري ، و يتم ذلك عن طريق تصريح يحرر في الشكل الرسمي و يبلغ إلى كل من البائع و المشتري و ذلك في أجل 30 يوما يسري من تاريخ الإنذار الذي يوجهه إليه البائع أو المشتري. تبليغ الإعلان بالرغبة في الشفعة يتم للبائع و المشتري شخصيا ، فإذا بلغ شخص آخر فإن هذا التبليغ يكون باطلا يستتبع رفض دعوى الشفعة (قرار للمحكمة العليا مؤرخ في 26/06/1985 - ملف قم 34707 - منشور بالمجلة القضائية لسنة 1989 عدد 4 ص.61). ترفع دعوى الشفعة على البائع و المشتري أمام محكمة موقع العقار في أجل 30 يوما من تاريخ الإعلان بالرغبة في الشفعة.
مهلة 30 يوما لرفع دعوى الشفعة أمام المحكمة المحددة في المادة 799 من القانون المدني تسري لا من تاريخ التصريح بالرغبة في الشفعة الذي يكون بموجب عقد رسمي و لكن يسري من تاريخ الإعلان عنه على يد المحضر القضائي (قرار للمحكمة العليا مؤرخ في 16/06/1999 - ملف قم 186433 - منشور بالمجلة القضائية لسنة 1999 عدد 2 ص.111). ولكن إذا أغفل البائع أو المشتري عن توجيه اعذار لمن له الصفة في ممارسة حق الشفعة فإن هذا الحق لا يسقط في مهلة 30 يوما المنصوص عليها في المادة 799 من القانون المدني بل يبقى هذا الحق قائما إلى حين انقضاء مهلة السنة التي تسري من تاريخ إشهار عقد البيع المنصوص عليها في المادة 807 المطة 2 من القانون المدني.
القانون أخضع كذلك التصريح بالرغبة في الشفعة إلى إجراء جوهري و من النظام ألا و هو إشهار هذا التصريح لدى المحافظة العقارية. في حالة إغفال هذا الإجراء فإن الدعوى الرامية إلى تثبيت حق الشفعة تكون غير مقبولة. هذا الإجراء أقرته المادة 801 من القانون المدني التي تنص أنه لا يحتج بالتصريح بالرغبة في الشفعة ضد الغير إلا إذا كان مسجلا. قضت المحكمة العليا أن مصطلح " مسجلا " الوارد في المادة 801 من القانون المدني معناه التسجيل في السجل العقاري أي الإشهار بالمحافظة العقارية (قرار للمحكمة العليا مؤرخ في 09/02/2012 - ملف قم 698546 - منشور بمجلة المحكمة العليا لسنة 2012 عدد 2 ص.381). قضت المحكمة العليا كذلك أن مصطلح " الغير " الوارد في نفس المادة يشمل كذلك البائع و المشتري للعقار محل دعوى الشفعة ، و تبعا لذلك فإنه يجب في كل الأحوال إشهار التصريح بالرغبة (قرار للمحكمة العليا مؤرخ في 24/12/1991 –ملف قم 76678 – منشور بالمجلة القضائي لسنة 1993 عدد 1 ص.69). الأخذ بالشفعة في بيع عقار ليست دعوى ترمي إلى النطق أو إبطال أو إلغاء أو نقض حقوق ناتجة عن وثائق تم إشهارها بمفهوم المادة 519 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية و المادة 85 من المرسوم رقم 76-63 المؤرخ في 25 مارس 1976 المتعلق بتأسيس السجل العقاري و من ثمة فإن عريضة افتتاح دعوى الشفعة لا تخضع لإجراء الإشهار بالحافظة العقارية (قرار للمحكمة العليا مؤرخ في 26/04/2000 -ملف قم 194437 - منشور بالمجلة القضائية لسنة 2000 عدد 1 ص.156 و قرار مؤرخ في 11/07/2013 - ملف قم 783143 - منشور بمجلة المحكمة العليا لسنة 2014 عدد 1 ص.346).
دعوى الشفعة التي ترفع أمام المحكمة تخضع لمجموعة من القواعد بعضها تعتبر جوهرية يترتب على مخالفتها عدم قبول الدعوى أو رفضها. يجب أن ترفع الدعوى من قبل الشفيع ضد كل من البائع و المشتري للعقار. كما سبق شرحه لا تخضع عريضة افتتاح الدعوى لإجراء الإشهار. يجب إرفاق عريضة افتتاح الدعوى بكل الوثائق التي تثبت سلامة إجراءات التصريح بالرغبة في الشفعة . قد يواجه الشفيع أثناء سير الخصومة بدفوع يثيرها البائع أو المشتري كعدم حيازة الشفيع لصفة الشريك في الشيوع أو مالك الرقبة أو صاحب حق انتفاع أو أنه لم يحترم الآجال القانونية. يرجع للقاضي حينئذ مناقشة هذه الدفوع و الفصل فيها بقبولها أو باستبعادها.
عندما تصبح الدعوى جاهزة للفصل فيها ، فإن القاضي يصدر حكمه إما بتثبيت الشفعة إذا اقتنع بتوفر جميع شروطها و استيفاء كامل إجراءاتها ، و إما برفض الدعوى لعدم التأسيس أو لعدم قبولها. المسألة التي أثارت جدلا و هي المسألة التي استوحت كتابة هذا المقال تخص طبيعة الحكم الصادر في الشفعة هل هو حكم ابتدائي و نهائي أي حكم غير قابل للاستئناف، أم أنه حكم ابتدائي فقط ككل الأحكام الصادرة عن محاكم الدرجة الأولى يكون قابلا للاستئناف أمام المجلس القضائي.
حسب قضاة قرار مجلس قضاء البويرة المؤرخ في 29/04/2025 فإن الحكم الفاصل في طلب تثبيت حق الشفعة يصدر ابتدائنا و نهائيا يكون غير قابل للاستئناف . المجلس أسس قراره بعدم قبول الاستئناف بكون " المادة 803 من القانون المدني تنص على أنه يعتبر الحكم الذي يصدر نهائيا بثبوت الشفعة سندا لملكية الشفيع " و كذا لكون " المحكمة العليا كرست هذا المبدأ في قرارها الصادر بتاريخ 15/06/2017 ملف رقم 1064516 الذي قضى أن المبدأ هو أن يصدر الحكم بثبوت الشفعة ابتدائنا نهائيا و يكون سندا للملكية ".
بالفعل صدر عن المحكمة العليا في غرفتها العقارية قرارا مؤرخا في 15/06/2017 ملف رقم 1064516 قضى بأن حكم المحكمة القاضي بثبوت الشفعة يصدر ابتدائيا و نهائيا. وقائع الدعوى التي فصل فيها قرار المحكمة العليا تتلخص في أنه إثر بيع شريك في الشيوع لنصيبه من عقار مشاع قام أحد الشركاء في الشيوع برفع دعوى أمام المحكمة التمس فيها تثبيت حقه في شفعة النصيب محل البيع و هذا ما استجابت له المحكمة بحكم اعتبرته ابتدائي و نهائي. رفع المشتري استئناف في هذا الحكم أمام المجلس القضائي أين دفع بأن المحكمة أخطأت حينما اعتبرت أن الحكم الصادر في الدعوى هو حكم ابتدائي و نهائي. المجلس استبعد هذا الدفع و قضى هو كذلك بأن الحكم المستأنف هو حكم ابتدائي و نهائي غير قابل لاستئناف ، و تبعا لذلك قضى المجلس بتأييد هذا الحكم . واصل المشتري الخصومة بطعنه في قرار المجلس أمام المحكمة العليا التي أصدرت القرار المؤرخ في 15/06/2027 الذي ساير قضاء المجلس القضائي و أقر قاعدة عدم قبول الاستئناف في الحكم الصادر في دعاوى الشفعة. المحكمة العليا أسست قرارها على كون المادة 803 من القانون المدني السالفة الذكر.
الصحيح في رأينا أن الحكم الفاصل في الشفعة لا يمكن أن يكون سوى حكم ابتدائي قابل للاستئناف مثله مثل كل الأحكام الصادرة عن محاكم الدرجة الأولي و ذلك للأسباب الآتية:
المستقر عليه أن الاستئناف هو حق أساسي يهدف إلى تحقيق العدالة و حصول الأفراد على محاكة عادلة و هو الذي يضمن مبدأ التقاضي على درجتين ، فلا يجوز منعه إلا بموجب نص قانوني صريح.
حسب أسباب كل من قرار مجلس قضاء البويرة و قرار المحكمة العليا فإن الاستئناف في الأحكام الفاصلة في الشفعة منعته المادة 803 من القانون المدني. و لكن بالرجوع إلى هذه المادة فإنها تنص على ما يلي : " يعتبر الحكم الذي يصدر نهائيا بثبوت الشفعة سندا لملكية الشفيع ". الواضح أن هذا النص تمت قراءته قراءة خاطئة لأنه لو كانت إرادة المشرع هي منع الاستئناف في حكم الشفعة لاستعمل العبارات المألوفة أي إقرار عدم قبول الاستئناف بعبارات واضحة و دقيقة كما هو الحال مثلا في أحكام الطلاق إذ تنص المادة 57 من قانون الأسرة أن : " الأحكام الصادرة في دعاوى الطلاق و التطليق و الخلع غير قابلة للاستئناف " ، أ و بالنسبة للأحكام الصادرة في دعاوى إلغاء قرار تسريح عامل من منصب عمله أو التعويض عن التسريح التعسفي إذ أن المادة 73-4 من القانون رقم 91-29 المؤرخ في 9 جويلية 1991 المعدل و المتمم للقانون رقم 90-11 المؤرخ في 21 ابريل 1991 المتعلق بعلاقات العمل تنص صراحة أن : " المحكمة تبت بحكم ابتدائي و نهائي في حال إلغاء قرار التسريع عن العمل أو التعويض عن هذا التسريح.
الفهم الصحيح لنص المادة 803 من القانون المدني هو أن الحكم المثبت للشفعة يعتبر سند لملكية الشفيع عندما يصبح هذا الحكم نهائيا و هذا الحكم لا يحوز هذه الطبيعة إلا إذا لم يتم استئنافه أو تم استئنافه و صدر قرار مؤيد له. القول خلاف ذلك يناقض مضمون و دلالة هذا النص.
في الواقع فإن المحكمة العليا نفسها اعتادت الفصل في الطعون بالنقض المرفوعة ضد القرارات الصادرة عن المجالس القضائي في مادة تثبيت الشفعة بصفة عادية إذ اعتادت مناقشة أوجه الطعن بالنقض المثارة من قبل الطاعن ضد قرار المجلس الذي فصل في موضوع الاستئناف و ذلك دون الالتفات إلى مسألة قابلية الحكم للاستئناف من عدمه .لو كان القانون يمنع الاستئناف في حكم الشفعة لأثارت المحكمة العليا ذلك من تلقاء نفسها كون النص القانوني الذي يقر عدم قبول الاستئناف في الحكم في مادة معيية هو نص من النظام العام تثيره المحكمة العليا من تلقاء نفسها حتى و لو لم يثار من قبل المدعي. قرار المحكمة العليا المؤرخ في 15/06/2017 الذي أقر قاعدة عدم جواز الاستئناف في أحكام الشفعة و الذي تأسس عليه قرار مجلس قضاء البويرة هو في اعتقادنا قرار غير وجيه و يبقى قرارا منعزلا.
* يمكن الاطلاع على قرارات المحكمة العليا المحال إليها في هذا المقال بكاملها بهذا الموقع في صفحة مجلة المحكمة العليا.