يحتوي ملف طلب العروض الذي يوضع تحت تصرف المتعهدين على المعلومات و الوثائق الضرورية التي تمكنهم من تقديم عروض مقبولة (م. 47). يجب أن يستند اختيار العروض إلى معايير موضوعية وردت في المادة 53 من القانون رقم 23-12 المؤرخ 5 أوت 2023 التي تنص أنه: " يجب أن تستند المصلحة المتعاقدة لاختيار أحسن عرض من حيث المزايا الاقتصادية إلى عدة معايير أو معيار أحسن علاقة جودة/سعر، إذا سمح موضوع الصفقة بذلك ". علاوة على ذلك، ووفقًا للنص نفسه ،يجب أن تكون معايير اختيار الشريك المتعاقد و وزن كل منها ، مرتبطًة بموضوع الصفقة و غير تمييزية و مذكورة إجباريا في دفتر الشروط الخاص بالدعوة للمنافسة ، كما يجب أن يكون نظام تقييم العروض التقنية متلائما مع طبيعة كل مشروع و تعقيده و أهميته. وأخيرًا يمنع على المصلحة المتعاقدة التفاوض مع المتعهدين في إجراء طلب العروض ما عدى الحالات التي يجيزها القانون.
تجدر الإشارة إلى أن المبادئ الأساسية المطبقة على الصفقات العمومية قد أُعيد تثبيتها في القانون رقم 06-01 المؤرخ في 20 فيفري 2006 المتعلق بالوقاية من الفساد و مكافحته الذي ينص في مادته التاسعة على أن الإجراءات المعمول بها في مجال الصفقات العمومية يجب أن تؤسس على قواعد الشفافية والمنافسة الشريفة و على معايير موضوعية ، و يجب أن تكرس هذه القواعد على وجه الخصوص : علانية المعلومات المتعلقة بإجراءات إبرام الصفقات العمومية ، الإعداد المسبق لشروط المشاركة و الانتقاء ، معايير موضوعية و دقيقة لاتخاذ القرارات المتعلقة بإبرام الصفقات العمومية و ممارسة كل طرق الطعن في حالة عدم احترام قواعد إبرام الصفقات العمومية . كذلك فإن أحكام القانون رقم 08-12 المؤرخ في 25 جوان 2008 المُعدِّل والمتمم للأمر رقم 03-03 المؤرخ في 19 جويلية 2003 المتعلق بالمنافسة تسري على الصفقات العمومية من تاريخ نشر إعلان طلبات العروض حتى المنح النهائي للصفقة العمومية و ذلك وفقًا للمادة 2 من هذا القانون.
يجب إذا على المصلحة المتعاقدة السهر عند إبرام صفقة عمومية على الالتزام الصارم بالقوانين و الأنظمة التي تحكم إبرام الصفقات العمومية وضمان معاملة المرشحين و المتعهدين بمساواة وشفافية. قد تنحرف المصلحة المتعاقدة، لسبب أو لآخر، عن هذه القواعد كأن تُفضّل مرشحًا على آخر، أو تُدرج بنودًا في الصفقة العمومية أو العقد الإداري خرقا للقانون ، أو تُؤثر على جوهره، مما قد يؤدي إلى إبطال أو إلغاء إجراءات إبرام الصفقة أو بعض بنودها. في حالة ما رفض ترشح لهذه الأسباب فإن المرشح المقصي لا يكون له خيار سوى اللجوء إلى القضاء. كون الأمر يتعلق بنزاع متعلق بصفقة عمومية أو بعقد إداري مبرم مع شخص عمومي (الدولة، الجماعات المحلية ، المؤسسات العمومية الخاضعة للقانون العام، المؤسسات العمومية و المؤسسات العمومية الاقتصادية المكلفة من قبل الدولة أو الجماعات المحلية بالإشراف المنتدب على المشروع ، المؤسسات العمومية الخاضعة للقواعد التجارية فيما يخص انجاز عملية ممولة مباشرة كليا أو جزئيا من ميزانية الدول أو من ميزانية الجماعات المحلية) ، فإن هذا النزاع سيكون من اختصاص المحكمة الإدارية. ومن بين المحاكم الإدارية ، فإن المحكمة الإدارية التي يقع في دائرة اختصاصها مكان إبرام الصفقة العمومية أو تنفيذها هي المختصة إقليميا و هذا عملا بأحكام المادة 804-3 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية.
يمكن للمرشح المقصي أي المؤسسة التي لم تفوز بالصفقة العمومية أو بالعقد الإداري ، أو التي رفضت عروضها أن ترفع دعوى أمام المحكمة الإدارية إما قبل توقيع الصفقة العمومية و إما بعد توقيعها . يمكن للمرشح المقصي استعمال عدة طعون قضائية . يمكنه أولاً تقديم دعوى القضاء الكامل أمام المحكمة الإدارية الفاصلة في الموضوع وفق الإجراءات العادية. هذه الدعوى تسمح للمرشحين المقصيين الطعن مباشرة في صحة الصفقة العمومية . يمكن أيضًا مباشرة هذا الطعن ، كما هو الحال في أي دعوى قضائية ، من قبل الغير الذي لم يقدم ترشحه و يكون بإمكانه الاحتجاج بمصلحة تضررت من الصفقة العمومية أو العقد الإداري على شرط كذلك أن يثبت الضرر المباشر و الأكيد . الهدف من هذه الدعوى هو إلغاء إجراءات إبرام الصفقة العمومية أو بعض بنودها ، أو كذلك المطالبة بتعويض عن الضرر. تجدر الإشارة إلى أن هذه الإمكانية الممنوحة لأطراف أخرى غير المرشحين أو المتعهدين للطعن في صحة و قانونية إجراءات إبرام صفقة عمومية أو عقد إداري لم تثبّت بعد من قبل مجلس الدولة فيما أن هذه الجهة القضائية العليا مترددة كما سنرى ذلك في التصريح بإلغاء صفقة عمومية.
إلى جانب دعوى القضاء الكامل التي يمكن للمرشحين أو المتعهدين مباشرتها أمام المحكمة الإدارية للطعن في صحة إجراءات إبرام صفقة عمومية أو عقد إداري ، فإن المادتين 946 و947 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية ( ق.إ.م.إ.) نصتا على إجراءين خاصين يهدفان إلى جزاء الإخلال بالتزامات الإشهار أو المنافسة التي تخضع لها عملية إبرام الصفقات العمومية أو العقود الإدارية . يتعلق الأمر بالنسبة للإجراء لأول بالاستعجال ما قبل التعاقد (م. 946-3 ق.إ.م.إ.) الذي يُرفع قبل توقيع الصفقة العمومية أو العقد الإداري ، و بالنسبة للإجراء الثاني بالاستعجال التعاقدي (م. 946-1 ق.إ.م.إ.) الذي يمكن رفعه بعد توقيع و إبرام الصفقة العمومية أو العقد الإداري .
ميزة هذين الإجراءين ( الاستعجال ما قبل التعاقد و الاستعجال التعاقدي ) أنهما يخضعان لاختصاص المحكمة الإدارية المنعقدة كقاضي الاستعجال . يتعلق الأمر هنا بإجراء مستعجل و سريع إذ أن الأوامر الصادرة في مثل هذه الدعاوى الاستعجالية تكون قابلة فور صدورها للتنفيذ و لو تم استئنافها أما المحكمة الإدارية للاستئناف . هنا تكمن ميزة و فائدة هذين الاستعجالين مقارنةً بالدعاوى العادية . صحيحٌ أيضًا أن الدعوى في الموضوع الرامية إلى إلغاء أو إبطال إجراءات إبرام صفقة عمومية أو عقد إداري ، حتى وإن كان استئناف الحكم الصادر فيها ليس له أثر موقف ، فإنه يمكن في كل الأحوال للمدعي في هذه الدعوى أن يرفع دعوى موازية أمام القاضي الاستعجالي في إطار أحكام المادة 919 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية بغرض وقف تنفيذ إجراءات إبرام الصفقة العمومية أو العقد الإداري مؤقتا أو بعض بنوده إلى حين الفصل في دعوى الموضوع . لا شكَّ أنه من مصلحة المتنافس المقصي من إبرام صفقة عمومية أو عقد إداري اختيار رفع دعواه أمام قاضي الاستعجال ما قبل التعاقد أو ما بعد التعاقد حينما ينوي منازعة صحة إجراءات إبرام صفقة عمومية أو عقد إداري بسبب إخلال المصلحة المتعاقدة بالتزامات الإشهار أو المنافسة.
سواءً تعلق الأمر بالاستعجال ما قبل التعاقد أو بالاستعجال التعاقدي ، فإن هذين الإجراءين يطبقان دون تمييز على الصفقات العمومية و على العقود الإدارية (م. 946-1 ق.إم.إ.). الصفقات العمومية تشكل فئةً خاصة للعقود الإدارية فيما أن العقود الإدارية ليست جميعها صفقات عمومية. مصطلح " عقود إدارية "، الذي ورد في المادة 946 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية يُغطي إذا طيف أوسع من العقود التي تبرمها الإدارة لأغراض المصلحة العامة. فبينما في الصفقة العمومية تدفع أجرة المتعامل المتعاقد مُباشرةً من قِبَل المصلحة المُتعاقدة، ففي العقد الإداري فإن دفع أجر المتعامل المتعاقد يكون مصدره إيرادات استغلال المرفق (تفويضات المرفق العام، منح امتياز الاستغلال، عقد شغل الأملاك الوطنية، عقد الشراكة ... ).
سنتناول بالتوالي هذين الاستعجالين . لم ير المشرع الجزائري ضرورةً لوضع إطار تشريعي خاص لهذا النوع من الاستعجال كما هو الحال في بعض الأنظمة القانونية الأجنبية . لم يخصص لهذا النوع من الاستعجال في التشريع الجزائري سوى مادتين موجزتين (م. 946 و947 ق.إ.م.إ.). لذا فإن الاجتهاد القضائي و الفقه هما اللذان سدّا الفراغ القانوني في هذا المجال.
1- الاستعجال ما قبل التعاقد
1-1- الاختصاص و القبول
وفقًا للمادة 946 الفقرة 1 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، يجوز رفع دعوى أمام المحكمة الإدارية بموجب عريضة في حالة الإخلال بالتزامات الإشهار أو المنافسة التي تخضع لها عمليات إبرام الصفاقات العمومية و العقود الإدارية . نفس المادة تنص في فقرتها الثالثة على أنه يجوز إخطار المحكمة الإدارية قبل إبرام العقد. هذا النص يمنح الاختصاص إلى " المحكمة الإدارية " دون مزيد من التفصيل. ومع ذلك، وبما أن عنوان الفصل الخامس الذي وردت فيه المادة 947 هو " الاستعجال في مادة إبرام العقود و الصفقات "، فمن الأكيد أن القاضي المختص ليست المحكمة الإدارية المنعقدة في تشكيلتها الجماعية ، بل الاختصاص يؤول لرئيس هذه المحكمة بصفته قاضي الاستعجال يفصل في الدعوى منفردا . هذا الغموض راجع لكون قبل تعديل قانون الإجراءات المدنية والإدارية، كانت التشكيلة الجماعية للمحكمة الإدارية هي المختصة بالبت في قضايا الاستعجال وذلك طبقا للمادة 917 التي تنص " ﻳﻔﺼﻞ ﻓﻲ ﻣﺎدة اﻻﺳﺘﻌﺠﺎل ﺑﺎﻟﺘﺸﻜﻴﻠﺔ اﻟﺠﻤﺎﻋﻴﺔ اﻟﻤﻨﻮط ﺑﻬﺎ اﻟﺒﺖ ﻓﻲ دﻋﻮى اﻟﻤﻮﺿﻮع ". بعد التعديلات التي أدخلت على قانون الإجراءات المدنية والإدارية بموجب القانون رقم 22-13 المؤرخ في 12 جويلية 2022 ، أصبح رئيس المحكمة الإدارية هو المختص للبت في قضايا الاستعجال. أثناء صياغة و مناقشة مشروع قانون تعديل قانون الإجراءات المدنية والإدارية، كان من المفترض تعديل المادة 919 التي تناولت الاستعجال في مادة العقود الإدارية ، لتتماشى مع المادة 917 الجديدة، وذلك باستبدال عبارة "المحكمة الإدارية " بعبارة "رئيس المحكمة الإدارية ". هذا النوع من الاستعجال الذي يُلزم رئيس المحكمة الإدارية بالبت في الطلب خلال فترة قصيرة لا تتجاوز 20 يومًا من تاريخ رفع الدعوى أمامه هو بالتالي طعن قضائي مستعجل يسمح للقاضي السهر على احترام قواعد الإشهار و المنافسة قبل توقيع صفقة عمومية أو عقد إداري مما سيحول دون إبرام عقد مخالف للقانون.
يخضع الاستعجال ما قبل التعاقد إلى بعض شروط القبول عددها ثلاثة متصلة بالعقد الإداري محل الطعن ، و بصاحب الدعوى و كذا لشرط رفع الدعوى قبل إبرام العقد. يجب أولا أن يتعلق الأمر بصفقة عمومية أو بعقد إداري بمفهوم المادة 2 من القانون رقم 22-13 المؤرخ 12 جويلية 2022 التي تقدم التعريف التالي: « الصفقات للعمومية هي عقود مكتوبة تُبرم بمقابل من قِبل المشتري العمومي المسمى " المصلحة المتعاقدة " مع متعامل اقتصادي واحد أو أكثر المسمى " المتعامل المتعاقد" لتلبية حاجات المصلحة المتعاقدة في مجال الأشغال و اللوازم و الخدمات و الدراسات ». يجب أن تبرم الصفقة العمومية أو العقد الإداري من قبل مشتري عمومي أي حسب المادة 9 من نفس القانون من قبل الدولة والجماعات المحلية والمؤسسات العامة الخاضعة للقانون العام والمؤسسات العمومية والمؤسسات العمومية الاقتصادية المكلفة من قبل الدولة أو الجماعات المحلية بالإشراف المنتدب على المشروع والمؤسسات العمومية الخاضعة للقواعد التجارية فيما يخص انجاز عملية ممولة مباشرة كليا أو جزئيا من ميزانية الدولة وميزانية الجماعات المحلية.
الصفقات العمومية و العقود الإدارية التي تبرمها هذه الأشخاص المعنوية تخضع إذا للاستعجال ما قبل التعاقد ،و لكن و طبقا للمادة 109 من القانون رقم 22-13 المؤرخ في 12 جويلية 2022 فإن الصفقات العمومية المتعلقة باقتناء و إنجاز الوسائل و المنشآت المتعلقة بالأمن و الدفاع الوطني تخضع لأحكام تنظيمية بناء على اقتراح من وزير الدفاع الوطني ، و مراقبة هذه الصفقات العمومية هو من اختصاص لجان تنشأ لدى وزير الدفاع الوطني الذي يحدد تشكيلتها و سيرها. قاضي الاستعجال ما قبل التعاقد لا يكون بذلك مختصا للبت في منازعات الصفقات العمومية المتعلقة باقتناء و إنجاز الوسائل و المنشآت المتعلقة بالأمن و الدفاع الوطني . بصفة استثنائية و تطبيقا لأحكام المادة 109 من نفس القانون يمكن اللجوء إلى قاضي الاستعجال ما قبل التعاقد بالنسبة للصفقات العمومية غير الصفقات العمومية المتعلقة باقتناء و إنجاز الوسائل و المنشآت المتعلقة بالأمن و الدفاع الوطني و لكن على شرط مراعاة خصوصيات طلب العروض المنصوص عليها في المادة 109 الفقرات من 1 إلى 4 التي تنص : " لا تخضع الصفقات العمومية المتعلقة بوزارة الدفاع الوطني ، وجوبا ، لأحكام هذا القانون في مجال : - فتح الأظرفة في جلسة عامة ؛ - نشر أو تبليغ المعلومات و الوثائق المنصوص عليها في المادة 95 من هذا القانون التي تقضي الحفاظ على مصالح الدفاع الوطني و أمن الدولة ؛ - و ضع وثائق الدعوى إلى المنافسة في متناول المرشحين و المتعهدين بالوسائل الالكترونية طبقا لأحكام المادة 107 من هذا القانون ؛ - إخضاع الصفقات العمومية لرقابة مشروعية إجراءات الإبرام و المنح التي يمارسها المجلس الوطني للصفقات العمومية ".
ترفع دعوى الاستعجال ما قبل التعاقد إما من قبل الشخص المرشح للصفقة العمومية و إما من قِبل السلطة الإدارية المختصة . وعملاً بالمادة 946 الفقرة 2 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، فإن الأشخاص المخولة برفع الدعوى هم من لهم مصلحة في إبرام العقد و الذين قد يتضرروا من الإخلال بالتزامات الإشهار أو المنافسة ، و كذا من قبل ممثل الدولة على مستوى الولاية في حال ما إذا أبرم العقد أو سيبرم من طرف جماعة إقليمية أو مؤسسة عمومية محلية .
يحق إذا للمرشح الذي تم استبعاده من تقديم عروض أن يرفع دعوى استعجالية ما قبل التعاقد و ذلك في أي مرحلة من مراحل إجراءات إبرام الصفقة العمومية أو العقد الإداري . الاجتهاد القضائي يجيز الاستعجال ما قبل التعاقد و لو تعلق الأمر بمنح حصص شريطة أن تشكل هذه الحصص كيانات منفصلة في إجراءات التخصيص وبالتالي يمكن للمرشح المقصي مطالبة المصلحة المتعاقدة بالامتثال لالتزامات الإشهار و الشفافية بالنسبة للحصص المعنية . علاوة على ذلك يكون الاستعجال ما قبل التعاقد مقبولا حتى و إن رفع من قبل مرشح محتمل أي من قبل مؤسسة لم تُمنح لها الفرصة لتقديم عروض بسبب إخلال المصلحة المتعاقدة بالتزامات الإشهار أو المنافسة . لكي تكون الدعوى مقبولة يكفي على المرشح المحتمل المقصي إثبات أن مؤسسته متخصصة في المجال الذي شملته الصفقة العمومية المشوبة بمخافة قواعد الإشهار و المنافسة.
لكي تكون دعوى الاستعجال ما قبل التعاقد مقبولة ، يجب أن ترقع قبل التوقيع على الصفقة العمومية أو العقد الإداري و ذلك تحت طائلة عدم قبول الدعوى . إذا وُقّعت الصفقة العمومية أو العقد الإداري بينما كانت دعوى الاستعجال ما قبل التعاقد مطروحة أمام القاضي و لم يفصل فيها بعد ، فإن هذا الأخير سيصدر أمرا بألا وجه للفصل أي سيرفض الدعوى كونها أصبحت بدون موضوع . الخطر عندما ترفع دعوى استعجالية ما قبل التعاقد هو أن يقوم الأطراف في العقد بالإسراع في التوقيع و إبرام هذا العقد قبل أن يصدر القاضي أمره إذ في هذه الحالة لا يسع للقاضي سوى إعطاء إشهاد عن هذا التوقيع و عن هذه الحالة الجديدة التي تجعل الاستعجال قبل التعاقد بدون موضوع فيصدر حينئذ أمرا بألا وجه للفصل . القانون نص على آلية لمنع اللجوء إلى هذه الوسيلة التسويفية و المخادعة إذ تنص المادة 946 الفقرة الأخيرة من قانون الإجراءات المدنية والإدارية على أنه يجوز للمحكمة الإدارية و بمجرد إخطارها أن تأمر بتأجيل إمضاء العقد إلى نهاية الإجراءات و لمدة لا تتجاوز عشرون يوما . في الواقع فإن هذا الإجراء له أثر محدود ، لأنه من جهة يفترض أن العقد لم يتم توقيعه بعد و من جهة أخرى فإنه إجراء لا يؤدي تلقائيا إلى تجميد التوقيع على العقد بل تركه المشرع لتقدير القاضي الذي يمكنه رفض الأمر بوقف توقيع العقد ، و هذا على عكس بعض التشريعات الأجنبية حيث أن رفع دعوى استعجالية ما قبل التعاقد لها أثر موقف تلقائي يستمر حتى تبليغ مرتكب الإخلال بالتزامات الإشهار و المنافسة بأمر قاضي الاستعجال ما قبل التعاقد مما يضع حدًا للمسابقة على التوقيع .
لا يوجد ميعاد لرفع الدعوى الاستعجالية قبل التعاقد و الشرط الوحيد هو أن تُرفع الدعوى قبل توقيع الصفقة العمومية أو العقد الإداري. لتفادي إصدار قاضي الاستعجال ما قبل التعاقد لأمر بألا وجه للفصل في حالة ما تم التوقيع على العقد قبل أن يفصل في الدعوى هو أن يقدم المدعي في هذه الدعوى وأمام نفس القاضي و في نفس الخصومة مذكرة جديدة يشرح فيها أنه يغير محل دعواه من استعجال ما قبل التعاقد إلى استعجال تعاقدي . في الاجتهاد القضائي المقارن يعرف هذا الإجراء الذي يسمح بتغيير محل الدعوى المطروحة أمام القاضي الاستعجالي الإداري من استعجال ماقبل التعاقد إلى استعجال تعاقدي باسم " الطعن التعاقدي المرتبط بالطعن ما قبل التعاقد ".
في قرار مبدئي صادر عن مجلس الدولة الفرنسي (قرار مؤرخ في 10 نوفمبر 2010 رقم 340944)، دقق هذا الأخير شروط قبول الاستعجال التعاقدي المبني على الاستعجال ما قبل التعاقد. قضت هذه الجهة القضائية العليا بأنه يجوز للمدعي الذي رفع دعوى الاستعجال ما قبل التعاقد أن يرفع دعوى الاستعجال التعاقدي إذا لم تمتثل المصلحة المتعاقدة لقرار قاضي الاستعجال ما قبل التعاقد القاضي بتأجيل توقيع العقد، أو إذا كان المدعي يجهل أن عروضه قد رفضت من قبل المصلحة المتعاقدة عندما رفع دعوى الاستعجال ما قبل التعاقد ، أو انه لم يعلم بتوقيع العقد إلا بعد رفعه لهذه الدعوى من خلال مذكرة الرد المقدمة من طرف المصلحة المتعاقدة.
لكي يصدر قاضي الاستعجال ما قبل التعاقد أمرا استعجاليا لصالح المرشح المقصي ، يجب على هذا الأخير أولاً إثبات إخلال المصلحة المتعاقدة بالتزامات الإشهار أو المنافسة، و ثانيا أن يثبت أن هذا الإخلال أدى إلى استبعاده من عملية إبرام الصفقة و تفضيل مرشح آخر . هذا الإخلال وحده ( الإخلال بالتزامات الإشهار أو المنافسة ) دون وسيلة أو عيب آخر في إجراءات إبرام صفقة عمومية هو من شأنه أن يؤثر على قرار قاضي الاستعجال قبل التعاقد . و هكذا تشكل وسائل منتجة حسب الاجتهاد القضائي مخالفة الالتزامات المتعلقة بالإشهار (إبرام عقد أو صفقة دون أي إشهار ، إشهار ناقص أو غير مطابق ، معلومات ناقصة في طلب العروض)، و العيوب المتصلة بمعلومات المرشحين (انتهاك مبدأ المساواة بين المرشحين فيما يتعلق بالمعلومات، عدم احترام مدة النشر المنصوص عليها في القانون ، عدم ذكر الخصائص الأساسية للصفقة و عدم نشر الوثائق اللازمة لتقديم العروض، عدم تبليغ أسباب رفض الترشح أو العروض ) ، و العيوب المتصلة بموضوع العقد أو الصفقة ( موضوع الصفقة غير مدقق ، تعريف موضوع الصفقة بشكل يمس بمبدأ المساواة بين المرشحين ، معايير اختيار المرشحين لا علاقة لها بموضوع الصفقة ). تعتبر كذلك أسباب جدية و منتجة تستتبع قبول دعوى الاستعجال ما قبل التعاند ، عدم نشر و تبليغ معايير اختيار العروض و ترجيحها و ترتيبها ،عدم الإشارة إلى الوثائق أو المعلومات التي تنوي المصلحة المتعاقدة اختيار المرشحين على أساسها ، عدم صحة أسباب إبعاد أو قبول مرشح لمنح عقد أو صفقة عمومية ، مخالفة مبدأ المساواة في تقديم العروض ، عدم صحة تشكيل لجنة فتح الأظرف وتقييم العروض و عدم الحياد من جانب المصلحة المتعاقدة.
1-2- الحكم في الاستعجال ما قبل التعاقد
ترفع الدعوى أمام قاضي الاستعجال ما قبل التعاقد بعريضة مكتوبة موقعة من قبل المدعي أو محاميه تودع بأمانة ضبط المحكمة الإدارية تقيد في سجل خاص تبعا لترتيب ورودها مع بيان رقم القضية . تتضمن هذه العريضة موضوع الدعوى و البيانات المنصوص عليها في المادة 15 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية ( م. 815 و 816 ق.إ.م.إ.). تبلغ العريضة من طرف المدعي إلى المصلحة المتعاقدة المعنية عن طريق محضر قضائي. باعتبار أن الأمر يتعلق بدعوى استعجالية فإن المحكمة تمنح للمدعى عليه مهلة قصيرة لتقديم مذكرة رده. عمليا، يقوم أمين الضبط للمحكمة للإدارية بعد قيده لعريضة افتتاح الدعوى بتسجيل تاريخ الجلسة على النسخة من هذه العرضية مع تكليف المدعي بتبليغ نسخة منها للمدعى عليه . بالجلسة العلنية المنعقدة بهذا التاريخ التي يحضرها الأطراف يقوم المدعى عليه بدفع مذكرة رده أو ملاحظاته مرفقة بمستنداته إن وجدت والتي تُسلم فورًا إلى المدعي. يجوز للمدعي الرد عن هذه المذكرة إذا أذن له القاضي بذلك وإلا تُحال القضية للفصل فيها بعد تقديم الأطراف ملاحظاتهم الشفهية دعما لدفوعهم الكتابية.
طبقا للمادة 917 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية :" يفصل في مادة الاستعجال على مستوى المحكمة الإدارية من قبل رئيسها ، و من قبل التشكيلة الجماعية على مستوى المحكمة الإدارية للاستئناف برئاسة رئيس هذه الأخيرة و من قبل التشكيلة الجماعية على مستوى مجلس الدولة ". كما هو الحال في جميع الدعاوى الاستعجالية الإدارية، يفصل إذا في الدعوى الاستعجالية ما قبل التعاقد من قِبَل رئيس المحكمة الإدارية حيث يجلس منفردًا بحضور أمين الضبط و محافظ الدولة ، و لكن في حالة استئناف الأمر الاستعجالي الصادر عن هذا الأخير فإنه يفصل فيه من قبل المحكمة الإدارية للاستئناف المنعقد بتشكيلتها الجماعية المتكونة من 3 أعضاء على الأقل (م.900 مكرر 5 و 917 ق.إ.م.إ. ). في حالة رفع طعن بالنقض ضد قرار المحكمة الإدارية للاستئناف ، فإن مجلس الدولة يفصل في هذا الطعن بتشكيلة جماعية مكونة من 3 أعضاء على الأقل ( م. 917 ق.إ.م.إ. و م. 34 من القانون العضوي رقم 98-01 المؤرخ في 30 ماي 1998 المتعلق بتنظيم و تسيير مجلس الدولة ) .يجب على رئيس المحكمة الإدارية إصدار أمره في أجل 20 يوما كحد أقصى يسري من تاريخ إخطاره بالدعوى (م. 947 ق.إ.م.إ.). و يجوز له قبل الفصل في الدعوى إصدار أمر قبل الفصل في الموضوع يقضي بتعيين خبير يكلفه بتزويده بمعلومات عن بعض جوانب النزاع. يمكنه كذلك رفض الدعوى دون تحقيق مسبق مثلا في حالة التنازل عن الخصومة من قبل المدعي، أو في حالة ما أصبحت الدعوى بدون موضوع في حالة ما تم التوقيع على الصفقة العمومية مع مرشح آخر . كون الأوامر الاستعجالية تكون معجلة النفاذ أي تكون قابلة للتنفيذ بقوة القانون رغم الاستئناف وفقًا لأحكام لمادة 303-1 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، فإن استئناف الأمر الصادر عن قاضي الاستعجال ما قبل التعاقد ليس له أثر موقف.
يعتبر الاستعجال ما قبل التعاقد بمثابة استعجال في الموضوع بمعنى أنه من جهة يمنح للقاضي سلطات واسعة تُضاهي سلطات القاضي الفاصل في أصل النزاع ، ومن جهة أخرى يجيز القاضي الأمر باتخاذ بعض التدابير النهائية . قضى مجلس الدولة الفرنسي بأن السلطات المخولة لقاضي الاستعجال ما قبل التعاقد هي نفسها سلطات " قاضي القضاء الكامل " أي قاضي الموضوع الفاصل في أصل النزاع (قرار بتاريخ 29 جويلية 1998 رقم 177952). طبقا لأحكام المادة 946-4 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، يجوز للقاضي أمر المصلحة المتعاقدة المتسببة في الإخلال بالتزامات الإشهار أو المنافسة بالامتثال لالتزاماتها و يحدد الأجل الذي يجب أن تمتثل فيه، كما يمكنه بموجب نفس المادة الأمر بتأجيل إمضاء الصفقة العمومية أو العقد الإداري إلى نهاية الإجراءات و لكن فقط لمدة لا تتجاوز 20 يوما .
هل يجوز لقاضي الاستعجال ما قبل التعاقد الأمر بإلغاء إجراءات إبرام صفقة عمومية كليا أو جزئاي في حالة ثبوت إخلال المصلحة المتعاقدة لالتزامات الإشهار أو المنافسة ؟ القانون الجزائري صامت بشأن هذه المسألة. قانون القضاء الإداري الفرنسي الذي يتضمن أحكامًا مشابهة للمادتين 946 و947 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية (م. L 551-2 ) تنص صراحةً على أنه : " يجوز للقاضي أيضًا إلغاء القرارات المتصلة بإبرام العقد وحذف البنود أو الأحكام التي كان من المقرر إدراجها في العقد والتي تُخل بالالتزامات الإشهار أو المنافسة ". و بناءً على ذلك، ألغى مجلس الدولة الفرنسي إجراءات إبرام صفقة عمومية متعلقة بتركيب وصيانة مواقف الحافلات ولوحات الإعلانات بدعوى أنه بموجب قواعد تنظيم الاستشارة التي وضعتها المصلحة المتعاقدة رخص للمرشحين بتقديم "خدمات ملحقة "، في حين أن هذه الخدمات الإضافية المطلوبة لم تكن موضوع أي وصف دقيق مما يُشكل إخلالاً بالتزامات الشفافية و المنافسة ( قرار بتاريخ 15 ديسمبر 2008 رقم 310380 ).
في قرار مؤرخ في 17 نوفمبر 2006 رقم 290712 قضى مجلس الدولة الفرنسي أنه إذا كان يجوز للمشتري العمومي أن يشترط على المرشحين في عملية إبرام صفقة عمومية تقديم وثائق محاسبية ومرجعية تثبت قدراتهم، فإن هذا الشرط، عندما يكون من شأنه تقييد وصول المؤسسات إلى الطلبات العمومية ، يجب أن تمليه الضرورة الموضوعية لمضمون الصفقة العمومية وطبيعة الخدمات المطلوب إنجازها . وبالتالي، فإن المصلحة المتعاقدة تكون قد أخلت بالتزامات المنافسة التي تخضع لها إبرام الصفقات العمومية إذا فرضت على المرشحين للصفقة قدرات مالية فيما أنها لم تقدم أي عنصر يثبت أن هذا المستوى من الاشتراط هو فعلا ضروري نظرًا لموضوع الصفقة وطبيعة الخدمات المطلوب إنجازها.
قضى كذلك مجلس الدولة الفرنسي (قرار بتاريخ 30 أوت 2000 رقم 307143 ) أن الأقساط الاشتراطية المستندة على قسط الثابت يجب أن تكون دقيقةً وبالتالي فإن عدم الدقة الكافية في المتطلبات المتعلقة بمضمون الخدمة موضوع القسط الاشتراطي يُشكل إخلالًا من قِبَل المصلحة المتعاقدة لالتزامات الإشهار و المنافسة ويُبرّر لوحده إلغاء إجراءات إبرام الصفقة مع الأمر بإبرام صفقة بنفس الموضوع و استئناف كامل إجراءات إبرام الصقثة محل النزاع في احترام التزامات الإشهار و المنافسة . يمكن نقل هذا الاجتهاد القضائي إلى القانون الجزائري كون المادة 30 من القانون رقم 23-12 المؤرخ في 5 أوت 2023 المحدد للقواعد العامة المتعلقة بالصفقات العمومية تجيز المصلحة المتعاقدة اللجوء إلى صفقات عمومية تشتمل على قسط ثابت و قسط أو أكثر اشتراطي عندما تبرر شروط اقتصادية أو مالية ذلك.
في حكم مؤرخ في 3 ديسمبر 2015 رقم 1509913، ألغت المحكمة الإدارية لسيرجي بونتواز بفرنسا إجراءات إبرام صفقة عمومية متعلقة بتوريد و تثبيت ﺁلية إلكترونية لتسديد الغرامات الجزائية مع أمر المصلحة المتعاقدة باستئناف الإجراءات برمتها إذا كانت تنوي الاستمرار فيها و ذلك بعد أن اعتبرت أن قرار المصلحة المتعاقدة الإحالة إلى جدول يتضمن أسعار المورد دون تحديد طبيعة و نطاق الخدمات المتوقعة في وثائق الاستشارة تطبيقا لهذا الجدول يحول دون تمكين المرشحين من تقديم عروض بمعرفة كاملة باحتياجات المصلحة المتعاقدة التي يجب تلبيتها ، في حين أنه يجب تحديد هذه الاحتياجات مسبقًا وفقًا للمادة 5 من قانون الصفقات العمومية الفرنسي . هذه المادة 5 من قانون الصفقات العمومية الفرنسي التي كانت الأساس القانوني لهذا الاجتهاد القضائي لها ما يُعادلها في قانون الصفقات العمومية الجزائري إذ تنص المادة 16 من القانون رقم 23-12 المؤرخ 5 أوت 2023 المحدد للقواعد العامة المتعلقة بالصفقات العمومية : " تحدد حاجات المصالح المتعاقدة الواجب تبليغها مسبقا قبل الشروع في أي إجراء لإبرام صفقة عمومية - يجب إعداد الحاجات من حيث طبيعتها و مداها بدقة استنادا إلى مواصفات تقنية مفصلة تعد على أساس مقاييس و/أو نجاعة يتعين بلوغها أو متطلبات وظيفية ".
بما أن قانون الإجراءات المدنية والإدارية الجزائري لا يتضمن مادة مُشابهًا للمادة L 551-2 من قانون القضاء الإداري الفرنسي الذي تخوّل لقاضي الاستعجال ما قبل التعاقد سلطة إلغاء إجراءات إبرام الصفقات العمومية كليًا أو جزئيًا، فإنه يرجع لمجلس الدولة الاجتهاد لتوضيح هذه المسألة علما أن هذه الجهة القضائية العليا أصدرت قرارا مؤرخا في 6 فيفري 2014 رقم 78670 فصل في منازعة قرار إلغاء منح مؤقت لصفقة عمومية قضى بصفة عرضية أن المنازعات المتعلقة بالصفقات العمومية تخضع لاختصاص القضاء الكامل لأنها منازعات ناشئة عن العقد وتنفيذه ولا علاقة لها بدعاوى إبطال القرارات الإدارية ، وعليه قضت بأن قرار منح صفقة عمومية أو إلغائها لا يعتبر قرارا إداريا وفي جميع الأحوال فإنه من سلطة الإدارة إقرار إبطال المنح المؤقت أو النهائي لصفقة عمومية. استنادًا إلى هذا الاجتهاد القضائي لمجلس الدولة ، و إلى إرادة المشرع الجزائري التي تظهر من تحرير نص المادتين 946 و947 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية ، فإن الميزان يميل نحو تقليص سلطات قاضي الاستعجال ما قبل التعاقد و حصرها في إصدار أوامر للمصلحة المتعاقدة للامتثال لالتزامات الإشهار و الشفافية أو أوامر وقف القرارات المتعلقة بإبرام صفقة عمومية دون إمكانية إلغاء أو إبطال إجراءات إبرامها كليا أو جزئيا.
يجوز في كل الأحوال للمرشح المقصي رفع دعوى ضمن الأشكال و الإجراءات العادية أمام المحكمة الإدارية المنعقدة بتشكيلتها العادية كقاضي الموضوع للطعن في قرار منح صفقة عمومية . في هذه الدعوى الفاصلة في الموضوع أو القضاء الكامل يجوز للمرشح المقصي أن يطلب من المحكمة الإدارية إقرار عدم قانونية إجراءات إبرام الصفقة العمومية أو العقد الإداري سواء للأسباب نفسها المقررة للاستعجال قبل التعاقد أي مخالفة قواعد الإشهار أو المنافسة أو كذلك لأي مخالفة أخرى أشابت إبرام العقد. حسب درجة خطورة المخالفة يجوز للمحكمة الإدارية الأمر بإلغاء أو إبطال الصفقة أو بعض بنودها أو كذلك تعديل هذه البنود أو حتى الحكم على المصلحة المتعاقدة بتعويض المدعي كما يجوز لها الإذن باستمرار تنفيذ الصفقة مع إلزام المصلحة المتعاقدة باتخاذ تدابير معينة. من الأكيد أنه في هذا النوع من الطعن ، فإن المحكمة الإدارية لن تصدر حكمها إلا بعد أجل طويل قد يكون أطول في حالة استئناف الحكم الصادر و إلى ذلك الحين ، فإن الصفقة العمومية تكون قد وقعت بل نفذت . لتجنب مثل هذا الوضع، تُجيز المادة 919-1 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية تقديم استعجال - وقف التنفيذ أمام قاضي الاستعجال الإداري يكون موضوعه أمر المصلحة المتعاقدة بتأجيل توقيع الصفقة العمومية أو تنفيذها إلي حين صدور حكم نهائي في دعوى الموضوع .
يجوز لقاضي الاستعجال ما قبل التعاقد في كل الأحوال الحكم بغرامة تهديدية عندما يأمر المصلحة المتعاقدة بالامتثال لالتزاماتها (م. 946-5 ق.إ.م.إ.). الغرامة التهديدية التي ليس لها علاقة بالتعويض يتم تصفيتها من نفس قاض الاستعجال الذي أمر بها (م. 305 ق.إ.م.إ. ).
الأوامر التي يمكن لقاضي الاستعجال ما قبل التعاقد إصدارها و توجيهها للمصلحة المتعاقدة هي متنوعة ، ويمكن تلخيصها فيما يلي :
- إبلاغ المرشح المقصي بأسباب رفض عروضه.
- عرض ترشيح المدعي لفحص جديد من قبل لجنة فتح الاظرفة و تقييم العروض .
- قبول المدعي كمرشح إذا اعتبر القاضي أنه لا يوجد أي سبب جدي لرفض هذا الترشح من قبل المصلحة المتعاقدة.
- أمر المصلحة المتعاقدة باستئناف عملية إبرام الصفقة العمومية في احترام قواعد الإشهار و المنافسة مع تحديد لها الأجل الذي تمتثل فيه .
- طبقا لأحكام المادة 946-5 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية و إذا طلب ذلك المدعي ، أمر المصلحة المتعاقدة بتأجيل إمضاء الصفقة العمومية أو العقد الإداري و لكن فقط لمدة لا تتجاوز 20 يوما و هذا ما يؤدي إلى وقف تنفيذ أي قرار مرتبط بإبرام الصفقة العمومية أو العقد الإداري. . في هذه الحالة، يصدر القاضي أمرين منفصلين: الأول يأمر فيه المصلحة المتعاقدة بتأجيل توقيع الصفقة العمومية ، والثاني يفصل في موضوع الطلب. ومع ذلك و كون الأمر يتعلق بدعوى استعجاليه فإنه لا يجوز لرئيس المحكمة الإدارية الحكم على المصلحة المتعاقدة بتعويض المرشح المقصي ، ولا أن يعترض على قرار المصلحة المتعاقدة بالتخلي عن إبرام الصفقة العمومية أو العقد الإداري لا سيما لأسباب تتعلق بالمصلحة العامة أو لتجنب المخاطر القانونية المرتبطة بهذه المنازعة.
الأمر الاستعجالي الذي يصدره قاضي الاستعجال قبل التعاقد يكون معجل النفاذ رغم الاستئناف ، وتتحمل المصلحة المتعاقدة التي ترفض تنفيذ هذا الأمر مسؤولية هذا الرفض ، وقد يتعرض مسئوليها للمتابعة الجزائية بتهمة إبرام عقد أو صفقة مخالفا للأحكام التشريعية و التنظيمية المنصوص عليها في المادة 26 من القانون رقم 06-01 المؤرخ 20 فيفري 2006 المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته.
1-1-3- طرق الطعن
1-1-3-1- الاستئناف
طبقا للمادة 937 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية فإن أوامر قاضي الاستعجال ما قبل التعاقد تصدر ابتدائيا و بذلك تكون قابلة للاستئناف. أجل الاستئناف حسب نفس المادة هو 15 يوما يسري من تاريخ التبليغ الرسمي أو التبليغ. كما يسري هذا التبليغ في مواجهة طالب التبليغ الرسمي (م. 950-4 ق.إ.م.إ. ). يُرفع الاستئناف أمام المحكمة الإدارية للاستئناف (م. 900 مكرر و 937 ق.إ.م.إ.) . بخلاف الإجراءات أمام المحكمة الإدارية التي يجوز فيها للأطراف الدفاع بأنفسهم دون محام ، فإن تمثيل الأطراف بمحام أمام المحكمة الإدارية للاستئناف يكون وجوبي و ذلك تحت طائلة عدم قبول الدعوى (م. 900 مكرر 1 ق.إ.م.إ. ).
بموجب الأثر الناقل للاستئناف ، يجوز للمحكمة الإدارية للاستئناف إما تأييد الأمر الاستعجالي الصادر عن القاضي الأول الذي رفض دعوى المدعي أو الذي استجاب لطلباته، و إما تعديله أو تخفيف ﺁثاره أو إلغاء التدابير التي أمر بها الأمر الاستعجالي المستأنف.
1-1-3-2- المعارضة
طبقا للمادة 953 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية المعدلة بموجب القانون رقم 22-13 المؤرخ في 12 جويلية 2022 ، تكون الأوامر و الأحكام و القرارات الصادرة غيابيا عن المحاكم و المحاكم الإدارية للاستئناف و مجلس الدولة كجهة استئناف ، قابلة للمعارضة. ترفع المعارضة خلال أجل 15 يوما من تاريخ تبليغ الأمر المعارض فيه الصادر عن قاضي الاستعجال ما قبل التعاقد (م. 954-2 ق.إ.م.إ. ). و إذا تعلق الأمر بقرار غيابي صادر عن المحكمة الإدارية للاستئناف إثر استئناف الأمر الاستعجالي الصادر عن قاضي الاستعجال ما قبل التعاقد فإن أجل المعارضة في القرار الغيابي هو شهر (م. 954-1 ق.إ.م.إ. ). .
خلافا للاستئناف الذي لا يوقف تنفيذ الأمر الصادر عن قاضي الاستعجال ما قبل التعاقد ، فإن المادة 955 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية تنص صراحة أن للمعارضة أثر موقف ما لم يؤمر بخلاف ذلك.
1-1-3-3- الطعن بالنقض
قرار المحكمة الإدارية للاستئناف الفاصل في استئناف الأمر الصادر عن قاضي الاستعجال ما قبل التعاقد يكون قابلا للطعن بالنقض أمام مجلس الدولة (م. 901 ق.إ.م.إ. ) . لا يُقبل الطعن بالنقض إلا إذا كان الطلب الأصلي بالشكل الذي عُرض أمام قضاة الدرجة الأدنى قد احتفظ بموضوعه بتاريخ تسجيل الطعن بالنقض أو فحصه ، فإذا كانت الصفقة العمومية قد تم توقيعها أو أن المصلحة المتعاقدة قررت التخلي عن إبرام الصفقة ، فإن مجلس الدولة سيصدر قرارا بألا وجه للفصل . مجلس الدولة لا يراقب المسائل التي تدخل في السلطة التقديرية لقضاة الموضوع و لكن و كما هو الحال في الطعن بالنقض أمام المحكمة العليا ، فإن مخالفة القواعد الإجرائية من قبل قضاة الموضوع و مخالة القانون و تحريف مستندات الدعوى تكون وحدها سببا لنقص القرار المطعون فيه.
يمكن لمجلس الدولة إما رفض الطعن بالنقض و إما يقضي بنقض القرار المطعون فيه . يقضي مجلس الدولة برفض الطعن بالنقض إما لعدم تأسيسه بعد فحصه لأوجه الطعن بالنقض المثارة ، و إما برفضه لأسباب متصلة بعدم القبول دون فحص أوجه الطعن ( طعن خارج الأجل ، عدم تبليغ عريضة الطعن بالنقض للمدعى عليه ، إغفال ذكر البيانات المنصوص عليها في المادة 565 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية في عريضة للطعن بالنقض لا سيما عدم ذكر أسماء و ألقاب و عناوين الأطراف ، عدم عرض بيان وجيز للوقائع ، عدم إرفاق بعريضة الطعن بالنقض لنسخة طبق الأصل للقرار المطعون فيه مرفقا بنسخة طبق الأصل للأمر الاستعجالي المؤيد أو الملغي بالقرار محل النقض ...). في حالة نقض قرار المحكمة الإدارية للاستئناف ، فإن مجلس الدولة يحيل عادة القضية إما أمام نفس المحكمة الإدارية للاستئناف بتشكيلة جديدة ،و إما أمام محكمة إدارية للاستئناف أخرى (م. 959 و 364 -1 ق.إ.م.إ. ) . و مع ذلك يجوز لمجلس الدولة نقض قرار المحكمة الإدارية للاستئناف دون إحالة إذا كان قرار مجلس الدولة فيما فصل فيه من نقاط قانونية لا يترك من النزاع ما يتطلب الحكم فيه ((م. 959 و 365-1 ق.إ.م.إ. )، أو كذلك قد يقضي بالنقض دون إحالة مع الفصل في النزاع نهائيا و لكن فقط عندما يكون قضاة الموضوع قد عاينوا و قدروا الوقائع بكيفية تسمح لمجلس الدولة تطبيق القاعدة القانونية الملائمة (م. 959 و 365-2 ق.إ.م.إ. ) ، و لكن يكون مجلس الدولة ملزما بأن يفصل من حيث الوقائع و القانون أي يفصل في الطعن بالنقض كقاضي الموضوع عندما يفصل في طعن ثالث ( م. 959 و 374 -4 ق.إ.م.إ. )
1-1-3-4- اعتراض الغير الخارج عن الخصومة
هل يجوز الطعن باعتراض الغير الخارج عن الخصومة في الأمر الصادر عن قاضي الاستعجال ما قبل التعاقد أو في قرار المحكمة الإدارية للاستئناف الفاصل في استئناف هذا الأمر الاستعجالي؟ المادة 960 قانون الإجراءات المدنية و الإدارية تجيز الطعن باعتراض الغير الخارج عن الخصومة في " الأمر الذي فصل في موضوع النزاع " . كون الاستعجال ما قبل التعاقد هو كما سبق شرحه استعجال في الموضوع بمعنى أنه من جهة يمنح للقاضي سلطات واسعة تُضاهي سلطات القاضي الفاصل في أصل النزاع ومن جهة أخرى يجيز القاضي الأمر باتخاذ بعض التدابير النهائية ، نعتقد أن الأوامر التي يصدرها قاضي الاستعجال ما قبل التعاقد و خلافا للاستعجال العادي الذي يأمر باتخاذ تدابير مؤقتة فقط يكون قابلا للطعن فيها باعتراض الغير الخارج عن الخصومة . مبدئيا يوجه الطعن بالاعتراض الغير الخارج عن الخصومة ضد الأمر الصادر عن قاضي الاستعجال ما قبل التعاقد ، و لكن إذا استؤنف هذا الأمر الاستعجالي أمام المحكمة الإدارية للاستئناف فإن الطعن بالاعتراض الغير الخارج عن الخصومة يرفع ضد القرار الصادر في الاستئناف.
يجوز لكل شخص له مصلحة و لم يكن طرفا أو ممثلا في الأمر الاستعجالي المطعون فيه تقديم اعترض الغير الخارج عن الخصومة ( م. 381 ق.إ.م.إ. ). يجوز إذا للمؤسسة التي تعتبرا أن حقوقها قد انتهكت ، لا سيما المؤسسة التي كان من المفروض أن تمح لها الصفقة العمومية التي أمر القاضي بتأجيل توقيعها ، أن ترفع طعن باعتراض الغير الخارج عن الخصومة . اعتراض الغير الخارج عن الخصومة الذي يهدف إلى مراجعة أو إلغاء الأمر أو القرار الاستعجالي و الذي يجب تقديمه أمام نفس الجهة القضائية التي أصدرت هذا الأمر أو القرار يبقى مقبولا لمدة 15 سنة تسري من تاريخ صدور الأمر أو القرار غير أنه إذا تم تبليغ هذا لأمر أو القرار إلى الغير فإن هذا الأجل يحدد بشهرين ( م. 960 ،961 ، 384 و 385 و ق.إ.م.إ. ) . و يفصل في القضية من جديد من حيث الوقائع و الثانون. ( م. 960-2 ق.إ.م.إ. ).
2 - الاستعجال التعاقدي
نص المادة 946 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية الذي يحكم الاستعجال ما قبل التعاقد هو نفسه النص الذي يحكم الاستعجال التعاقدي. يهدف الاستعجال التعاقدي هو كذلك إلى معاينة مخالفة المصلحة المتعاقدة لالتزامات الإشهار و المنافسة التي تخضع لها عمليات إبرام الصفقات العمومية أو العقود الإدارية و لكن بعديا ، أي بعد التوقيع على العقد (م. 946-1 ق.إ.م.إ. ) . ترفع الدعوى هنا كذلك وجوبا أمام المحكمة الإدارية التي يقع في دائرة اختصاصها مكان إبرام الصفقة العمومية أو مكان تنفيذها المنعقدة بتشكيلة قاضي الاستعجال الذي هو رئيس المحكمة الإدارية (م. 804-3 ق.إ.م.إ. ).
2-1- الإطار القانوني للاستعجال التعاقدي
يخضع الاستعدال التعاقدي لأحكام المادة 946 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية ، و لا يجوز رفعه إلا بعد التوقيع على الصفقة العمومية أو العقد الإداري في الحالة التي يستحال فيها رفع دعوى استعجالية ما قبل التعاقد . يجب على المؤسسة المدعية أن تثبت أن لها مصلحة في إبرام الصفقة العمومية و أنها تضررت من إخلال المصلحة المتعاقدة لقواعد الشفافية لا سيما المتعلقة بالتزامات الإشهار و المنافسة التي تخضع لها عمليات إبرام الصفات العمومية . كون يتعلق الأمر بدعوى استعجالية ، فإنه لا يجوز للقاضي الحكم بالتعويض لصالح المؤسسة المدعية بل يجب عليه الاقتصار على الأمر بالتدابير المنصوص عليها في المادة 946 قانون الإجراءات المدنية و الإدارية.
هل يجوز للمرشح المقصي رفع استعجال تعاقدي فيما كان بإمكانه رفع استعجال ما قبل التعاقد ؟ بعض الأنظمة التشريعية تمنع رفع دعوى الاستعجال التعاقدي إذا كان بإمكان المدعي رفع دعوى استعجال ما قبل التعاقد و لم يمارسها . هذا هو الحال مثلا في القانون الفرنسي (م. L 551-14 من قانون القضاء الإداري). في الجزائر فإن المادة 946 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية توحي بالعكس إلى إمكانية رفع دعوى الاستعجال التعاقدي حتى لو كان بإمكان المدعي رفع دعوى استعجالية ما قبل التعاقد و لم يباشرها إذ تنص هذه المادة في فقرتها الثالثة أنه : "يجوز إخطار المحكمة الإدارية قبل إبرام العقد "، مما يعني أن المرشح المقصي له الخيار بين الإجرائين.
في فرضية ما إذا قامت المصلحة المتعاقدة بالتوقيع على صفقة عمومية فيما أن النزاع حول صحة إجراءات إبرام هذه الصفقة ما زال مطروحا أمام قاضي الاستعجال ما قبل التعاقد ، هل يجوز للمدعي أن يباشر دعوى الاستعجال التعاقدي مقام دعوى الاستعجال ما قبل التعاقد بدفعه في نفس الخصومة لمذكرة بذلك ؟ القانون صامت بشأن هذه المسألة و لكن الاجتهاد القضائي المقارن يجيز ذلك إذا كان المرشح المقصي لم يكن يعلم برفض عروضه من قبل المصلحة المتعاقدة أو كان يجهل توقيع الصفقة العمومية بسبب تقصير من الجهة المتعاقدة . نعتقد أنه لا يوجد ما يمنع على القاضي الجزائري الذي ترفع أمامه دعوى استعجالية ما قبل التعاقد ترخيص المدعي بتعديله أثناء سير الخصومة لطلبه الأصلي بطلب جديد مرتكز على استعجال تعاقدي إذا توفرت الشروط المذكورة سلفا. هذا الحل يتوافق مع مبادئ المحاكمة العادلة و حسن سير العدالة.
2-2- الحكم في الاستعجال التعاقدي
القواعد الإجرائية المطبقة على الاستعجال ما قبل التعاقد التي سبق عرضها هي نفسها الإجراءات المطبقة على الاستعجال التعاقدي. سلطات قاضي الاستعجال التعاقدي في حالة إخلال المصلحة المتعاقدة بالتزامات الإشهار أو المنافسة التي تخضع لها عمليات إبرام الصفقات العمومية هي نفسها السلطات المقررة لقاضي الاستعجال ما قبل التعاقد.