CABINET M.BRAHIMI , Avocat

التقادم المكسب في مواجهة الدفتر العقاري:تعليق على قرار للمحكمة العليا

mohamed brahimi By On 28/04/2021

 نشر بموقع انترنيت للمحكمة العليا قرارا مؤرخا في 14/01/2021  ملف رقم  1206937 أصدرته الغرفة العقارية القسم الأول  تحت عنوان : "   إصدار الغرفة العقارية لقرار مهم  فصلا في ملف الطعن بالنقض  يتعلق بالتقادم المكسب "

 هذا القرار الذي تطرق إلى شروط قبول اكتساب العقارات و الحقوق العينية  بالتقادم في مواجهة من يحوز دفتر عقاري  على هذه العقارات  يثير تساؤلات من عدة زوايا و في نظرنا  كرس قضاء  قابل للنقاش.

 

مضمون القرار

في جلستهـا العلنيـة المنعقـدة بمقرهـا شـارع 11 ديسمبـر 1960 ، الأبيـار ، بن عكنون ، الجزائر.

 بعد المداولة القانونية أصدرت القرار الآتي نصه :
بنــاء علــى المــواد 349 ، 360 ، 377 ، 378 ، 555، 581 و 582  من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية.
بعد الاطلاع على مجموع أوراق ملف القضية وعريضـة الطعـن المودعـة بتاريخ 11/10/2016 لدى كتابة ضبط المحكمة العليا.
اعتمادا على ما خلص إليه قضاة الغرفة العقارية في اجتماعهم المنعقد بتاريـخ 13/01/2021 تحت رئاسة السيد رئيس الغرفة العقارية بخصوص مسألـة الدفـع بالحيازة المؤدية إلى التقـادم المكسـب في مواجهـة الدفتـر العقـاري المتـوج لعمليـة مسح الأراضي.
بعد الاستماع إلى السيد بن عميـرة عبد الصمـد المستشـار المقرر في تلاوة تقريـره المكتوب  و إلي السيد حجار خرفان سعد المحامي العام في تقديم طلباته المكتوبة الرامية لتطبيق القانون.
حيث أن المدعـو (ش.م) طعـن بطريـق النقض ضـد القــرار الصــادر عن مجلس قضاء الجزائـر بتاريـخ 27/03/2016 القاضـي بتأييـد الحكـم الصـادر عن محكمة الحـراش بتاريـخ 28/10/2015 تحـت رقـم 05467/15 في جميـع ما قضى به و تتميما له القول أن مبلـغ مصاريـف الخبـرة المحكـوم علـى المستأنـف عليه الأصلي بدفعه للمستأنف الأصلي هو خمس وعشرون ألف دينار، و تدعيما لطعنه أثار الطاعن وجهين للطعن.


حيث لم يرد المطعون ضده المبلغ بواسطة رسالة مضمنة الوصول و عن طريق التعليق.

 

وعليه فإن المحكمة العليا

من حيث الشكل

حيث استوفـى الطعـن بالنقـض أوضاعـه القانونيـة فهـو مقبـول شكـلا.

من حيث الموضوع

عن الوجهين لتكاملهما المأخوذين من انعدام الأساس القانوني و قصـور التسبيب بدعوى عدم مناقشة قضاة المجلس لطلب الطاعن بخصوص عدم تقديم المطعون ضده لسند ملكيته وكذلك طلبه المقابل المتضمن تملكه للعقـار محل النزاع عن طريـق التقادم المكسب، مبررين ذلك بأن العقد الرسمي لا يحتـاج إلى تحقيـق مـادام العقـار خضع لإجراءات مسح الأراضي مخالفين اجتهاد المحكمة العليا حسب القرار المرفق.

  
حيث يستخلص من وقائع الدعـوى أن المطعـون ضـده أقـام دعـواه عارضـا أن مورثه توفى بتاريخ 11/03/2007 فقام الورثة باستصدار شهـادة نقـل ملكيتـه المتمثلة في القطعة الأرضية الكائنة بحي إسماعيل راسوطـة ببرج الكيفـان و ذلـك بتاريخ 02/09/2009 و أنه خلال سنة 2009 اقتحم المدعو (ش.ص) هذه القطعة الأرضية وانتهت الدعوى التي أقاموها ضده بقرار المجلس الصادر بتاريخ 05/06/2012 الذي قضى بطرده من القطعة الأرضية محل النزاع ، و أثناء تنفيـذ هذا القرار بتاريخ 06/09/2012 عاين المحضر القضائي أن أحد جيران المنفـذ عليه و هو المدعو (ش.م) استولى على إحدى الغرف التابعة للعقار محل الإخلاء وصرح أنه يشغلها، و لذلك طلب المطعون ضده طرد الطاعـن الذي دفـع بحيازتـه للأمكنة عن طريق التقادم المكسب منذ سنة 1978 ، فقضـت المحكمـة بتعييـن خبيـر خلص في تقرير خبرته إلى أن الطاعن يحتل مساحة 108م² أقام عليها بنـاء هشـا و فوضويا دون رخصة داخل العقار الذي يملكه المطعون ضده وباقي الورثة و إثر ذلك قضت المحكمة بطرد الطاعن من الأمكنة محل النزاع ، و إثر استئنـاف هـذا الحكـم أصليا و فرعيا أصدر المجلس القرار المطعون فيه الذي أيد الحكـم المستأنـف مؤسسا ذلك بأن طلب الطاعن بخصوص الحيازة يتعارض مع أحكام المادتيـن 18 و 19 من الأمر رقم 74/75 المتضمن إعداد مسح الأراضي العام و تأسيس السجل العقاري ، كون العقار محل النزاع يقع بمنطقة ممسوحة تستثنى من إمكانية التملـك عن طريق التقادم المكسب نظرا للقوة الثبوتية المطلقة لعقود الملكية الناتجة عن ذلك ، و لكون الطاعن عند صدور القرار الصادر بطرد الشاغل السابق للأمكنة لم يكن متواجد بها وعند تنصيب المطعون ضده كان يشغل غرفة واحدة ثم توسع و أنشأ غرفا أخرى بطريقة فوضوية، كما عاين ذلك الخبير المنتدب.


و حيث أن المقرر بالمرسوم التنفيذي رقم 63/76 المتعلق بتأسيس السجـل العقاري خاصة المواد 08، 09، 10، 11، 12، 14، 15 و 16 منه أنه و بمجرد الانتهاء من عمليات مسح الأراضي لكل قسم أو مجموعة أقسام بالبلدية المعنيـة بالمسح، تودع وثائق المسح لدى المحافظة العقارية عن طريق محضر تسليم يكون محل إشهار واسع ولمدة 04 أشهر من تاريخ الإيداع قصد تمكين المالكين و ذوي الحقوق العينية الأخرى من تسلم كل وثيقة تشهد بحقوقهم على العقارات الممسوحة من المحافظ العقاري ، و يقوم المحافظ العقاري بترقيم العقارات الممسوحة في السجل العقـاري ، و يعتبـر الترقيـم نهائيـا بالنسبـة للعقـارات التـي يحوز مالكوها سندات و عقـود أو كل وثيقة مقبولة لإثبات الملكية، أما بالنسبة للعقارات التي ليس لمالكيها الظاهرين سندات ملكية قانونية و اللذين يمارسون حيازة تسمح لهم باكتساب الملكية عن طريق التقادم المكسب ، فإن الترقيم يتم مؤقتا لمدة أربعة أشهر من يوم الترقيم، يصبح بعده هذا الترقيم نهائيا مالم يعلم المحافظ العقاري بأي اعتراض أو احتجاج ، و في هذه الحالة يقوم بإجراء محاولة صلح بين الأطراف تكون له قوة الإلزام ، فإذا انتهت محاولة الصلح دون جدوى يحرر محضرا بعدم الصلح يبلغ للأطراف و للطرف المعترض أن يرفع دعوى أمام القاضي العقاري للفصل في الحيازة ، و ذلك ضمن أجل ستة أشهر تحت طائلة عدم قبول الدعوى.


و حيث أنه ، و باستنفاذ هذه الإجراءات و الآجال ، يصبح الترقيم المؤقت ترقيما نهائيا و لا يمكن إعادة النظر في الحقوق الناتجة عنه إلا عن طريق القضاء المختص الذي هو القضاء الإداري وفقا لأحكام المادة 16 من المرسوم رقم 74/75 المذكور أعلاه، و يسلم للمالك الدفتر العقاري الذي تنسخ فيه البيانات الموجودة في مجموعة البطاقات العقارية ، و يشهر و يعد سندا لملكية العقار أو الحق العيني موضوع الشهر و في مواجهة الكافة و لا يبقى هناك مجال للدفع بالحيازة المؤدية إلى التقادم المكسب الذي يفترض  ممارسته لكل من له مصلحة في ذلك أثناء الترقيم المؤقت ، و لأن هذا الدفع -حينئذ- أصبح يتعارض مع مبدأ القوة الثبوتية المطلقة للشهر العقاري ، عملا بأحكام المواد 12، 16، 18 و 19 من الأمر رقم 74/75 المتضمن إعداد مسح الأراضي العام و تأسيس السجل العقاري.

و لذلك فإن قضاة الموضوع و لما تبين لهم أن العقار محل النزاع يقع بمنطقة خضعت لعملية مسح الأراضي تحصل على إثرها المطعون ضده على دفتر عقاري مكرس و منجز بناء على إجراءات الترقيم المؤقت التي تمنح لكل صاحب مصلحة على هذا العقار يدعي حيازة تسمح له باكتسابه عن طريق التقادم المكسب الاعتراض على ذلك، و أن كل الإجراءات والآجال المقررة بالمواد 12، 13 و 14 من المرسوم رقم 63/76 استنفذت حسبما يستنتج من وقائع الدعوى، فإنهم حين قضوا برفض دفع الطاعن المتعلق بتملكه العقار موضوع النزاع عن طريق الحيازة المؤدية إلى التقادم المكسب، وقضوا بطرده قد أعطوا لقضائهم أساسه القانوني الصحيح وبرروه بأسباب كافية، فالوجهين غير سديدين و يتعين رفضهما و منه رفض الطعن.

حيث أن المصاريف القضائية يتحملها من خسر دعواه. 

 

فلهذه الأسباب


قررت المحكمة العليا - الغرفة العقارية :


قبول الطعن شكلا و رفضه موضوعا.


و إبقاء المصاريف القضائية على الطاعن.
بذا صـــدر القـــرار و وقـــع التصريح بـه فـي الجـلسـة العـلنيـــة المنعقـــدة بتــاريــخ الرابع عشر من شهــر جــانفــي سنــة من قبل المحكمة العليـــــــــا الغرفة العقارية القسم الأول و المتركبة من الســــــــادة:
بن عميرة عبد الصمد                                                رئيس القسـم رئيسا مقررا
دريزي فاطنة زوجة تريكات                                         مستشــــــــــــــــــــارا(ة)
قاضي فطيمة زوجة هيني                                             مستشــــــــــــــــــــارا(ة)
العرفي عز الدين                                                     مستشــــــــــــــــــــارا(ة)
دحو نصيرة                                                           مستشــــــــــــــــــــارا(ة)
بوعوينة صالح                                                        مستشــــــــــــــــــــارا(ة)
بوالقرعة فتيحة                                                       مستشــــــــــــــــــــارا(ة)
لعناصري رشيد                                                      مستشــــــــــــــــــــارا(ة)

وبحــــــضـــور السيــــد(ة): حجار خرفان سعد المحــــامـــــــي الــعـــــام و بمســـاعـــد ة الســـيد(ة): بن بريكة سامية أمـــــيـــن الــــضــــــبــط.

 

المناقشة

 

قرار المحكمة العليا تطرق و عالج مسألة ذات أهمية متميزة كونها تمس الحقوق العقارية و طريقة اكتسابها عن طريق  منظومة التقادم المكسب.

قاعدة اكتساب الحقوق العقارية بالتقادم المكسب مكرسة في كل التشريعات دون استثناء و في القانون الجزائري فإن هذه القاعدة وردة في المادة 827 من القانون المدني. القاعدة  تجد مصدرها و تبريرها في أنه حينما يحوز شخص عقار يتصرف فيه  على العلن كالمالك الشرعي دون أي اعتراض لمدة طويلة فإنه يعتبر مبدئيا  كالمالك لهذا العقار و لكن فقط إذا توفرت في حيازته لهذا العقار  بعض الشروط  نصت عليها المادة السالفة الذكر  .

قبل مناقشة  قرار المحكمة العليا  سنتطرق ببعض التدقيق لإشكالية اكتساب العقارات و الحقوق العينية بالتقادم و موقف المحكمة العليا من هذه المسألة في قراراتها السابقة.

مسألة التقادم المكسب المرتكزة على عنصر الحيازة تستوجب أولا توضيحات بسبب الخلط بين الدعوى الرامية إلى اكتساب عقار أو حق عيني بالتقادم المكسب المرتكز على الحيازة و تمييزها عن دعوة الحيازة  ذاتها إذ كثيرا ما يقع خلط بين المصطلحين .دعوى الحيازة المنصوص عليها في  المادة 524  من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية و المواد 817 ، 820 و 821 من القانون المدني ترمي إلى حماية عقار أو حق عيني يوجد في حيازة صاحبه و كانت هذه الحيازة قد استمرت  لمدة سنة على الأقل. و لكن إذا طالت الحيازة و استمرت لمدة 15 سنة و توفرت فيها باقي شروط الحيازة  فإننا نكون في هذه الحالة أمام تقادم مكسب الذي يعتبر طريق من طرق اكتساب الملكية العقارية طبقا لأحكام المادة 827 من القانون المدني. فالنظام القانوني المطبق على دعوى الحيازة و على دعوى التقادم المكسب يختلفان جذريا.

 خلافا لدعوى الحيازة التي هي دعوى ترمي فقط لحماية الحيازة و لا علاقة   لها بالملكية ،فإن التقادم المكسب هو  طريق من طرف اكتساب الملكية العقارية ، و تبعا لذلك قضت المحكمة العليا أنه يمكن  لأي طرف أن يثبت ملكيته الخاصة  بهذه الوسيلة  القانونية عند توفر شروط الحيازة  القانونية (  قرار للمحكمة العليا بتاريخ  13 مارس 2014 ، ملف رقم 835419  ). كون التقادم المكسب هو طريق من طرق اكتساب الملكية و لا علاقة له بدعاوى الحيازة ، فإنه يجوز في دعوى الملكية الدفع أو التمسك بالتقادم المكسب فلا تطبق عليه  قاعدة عدم جواز إتباع طريق الحيازة بعد إتباع طريق الملكية (قرار للمحكمة العليا بتاريخ 28 فيفري 2001 ، ملف رقم 205549 ) . خلافا لدعوى الحيازة التي تسري كذلك على الأملاك العمومية ، فإنه لا يجوز التمسك بملكية عقار تابع للأملاك الوطنية عن طريق التقادم المكسب و ذلك مهما طالت مدة الحيازة (قرار للمحكمة العليا بتاريخ 12 جوان 2014 ، ملف رقم 851484  ). وعملا بالمادة 831 من القانون المدني فإنه لا يجوز لأحد أن يكسب بالتقادم على خلاف سنده ، كما أنه لا يستطيع أحد أن يغير بنفسه لنفسه سبب حيازته و لا الأصل الذي تقوم عليه، و تبعا لذلك قضت المحكمة العليا بأن قضاة الموضوع طبقوا القانون تطبيقا سليما حينما استبعدوا دفع المدعي عليه المأخوذ من ملكيته للعقار عن طريق الحيازة و التقادم المكسب بعد أن أقر و احتج بعقد رهن حيازي يخص نفس العقار أو كذلك إذا أقر المدعى عليه بأنه يحوز المسكن المتنازع عليه على سبيل الإعارة (قرار للمحكمة العليا بتاريخ 16 سبتمبر 2010 ، ملف رقم 618572  ).

وضعت المحكمة العليا بعض الضوابط و الشروط على قابلية العقارات للاكتساب عن طريق الحيازة و التقادم المكسب.فإذا كانت الحيازة مرتكزة على عقد حبس فإنه لا يجوز التمسك بملكية العقار المحبس بالتقادم  المكسب ، فحسب عبارات المحكمة العليا : " لا تقادم في الحبس " (قرار للمحكمة العليا بتاريخ11 فبراير 2009،ملف رقم 478951). و نفس الشيء بالنسبة لعقد التنزيل إذ قضت المحكمة العليا أن التنزيل لا يسقط بالتقادم، و من ثمة فإنه لا يمكن لمن حاز عقار مشمول بعقد تنزيل التمسك  بملكيته لهذا العقار  بالتقادم المكسب في مواجهة من استحق التنزيل (قرار للمحكمة العليا بتاريخ  07 ديسمبر 2016، ملف رقم 1034319). لا يمكن طبعا للحائز العرضي التمسك بالتقادم المكسب. لا يجوز مثلا لشخص يحوز عقار  بموجب  عقد الرهن  اكتساب هذا العقار بالتقادم مهما طالت مدة الحيازة  وذلك كونه مجرد حائز عرضي (قرار للمحكمة العليا بتاريخ    08 ديسمبر 2011، ملف رقم 691740، ).بالعكس فإن حق المرور على ملكية الغير الذي يشكل حق ارتفاق يكتسب بالتقادم حتى و إن انتفى عنصر الحصر و هذا طبقا لأحكام المادة 868-2 من القانون المدني (قرار للمحكمة العليا بتاريخ 23 فبراير 2005، ملف رقم 299255). أقرت المحكمة العليا كذلك قاعدة " لا تقادم في دعوى التعدي على الملكية ( قرار بتاريخ 11 أكتوبر 2012،ملف رقم 712500 ).و في كل الأحوال لا يجوز التمسك بالتقادم المكسب في مواجهة فاقد الأهلية (قرار للمحكمة العليا بتاريخ  23 جوان 2004،ملف رقم 258255).

  قابلية اكتساب الحقوق الوراثية بالتقادم من عدمه أنشأ جدلا فقهيا و تضاربا في موقف المحكمة العليا من هذه المسألة. المادة 829 من القانون المدني تنص صراحة أنه : " لا تكسب بالتقادم في جميع الأحوال الحقوق الميراثية ، إلا إذا دامت الحيازة  ثلاثا و ثلاثون سنة ". يفهم من هذا النص أن الحقوق الميراثية تتقادم مثلها مثل كل الحقوق العينية أو العقارية و لكن بعد انقضاء مدة أطول حددها المشرع بثلاثة و ثلاثين سنة التي تسري ابتداء من تاريخ افتتاح التركة الموافق لتاريخ وفاة الوارث. يجب طبعا أن تكون الحيازة التي يتكي عليها الدفع بتقادم الحقوق الوراثية مستوفاة للشروط الأخرى المطبقة على الحيازة  أي أن تكون الحيازة هادئة  و مستمرة و واضحة و ظاهرة ، لا تشوبها عيوب عدم الاستقرار أو الخفاء أو الإكراه أو الغموض  أو اللبس. المحكمة العليا و بعد أن ثبتت قاعدة قابلية الحقوق الوراثية للتقادم المكسب (قرار للمحكمة العليا بتاريخ  06 ماي 1987، ملف رقم 40944) و أن هذا التقادم يسري بغض النظر عن الدفع بالمانع الأدبي الذي قد يثيره الوارث في مواجهة خصمه (قرار للمحكمة العليا بتاريخ 17 جانفي 2007، ملف رقم 38465) ، فإنها تراجعت عن هذا القضاء فيما بعد و اعتبرت أن التركة لا تسقط بالتقادم  (قرار للمحكمة العليا 07 ديسمبر 2016، ملف رقم 1034319 ). 

 في قرارات أخرى فإن المحكمة العليا حاولت معالجة مسألة تقادم الحقوق الميراثية بمرونة دون منع التقادم المكسب لهذه الحقوق بصورة مطلقة. فلقد ألزمت فقط قضاة الموضوع على البحث بتأني  في توفر شروط و عناصر الحيازة و كذا البحث في توفر المانع الأدبي من عدمه إذا أثير من قبل الوارث الذي يطالب بنصيبه من التركة خارج أجل الثلاثة و الثلاثون سنة المنصوص عليه في المادة 829 من القانون المدني. ففي قرار مؤرخ في  09 جوان 2011  رقم ملف رقم 629657 شرحت المحكمة العليا بوفرة مسألة تقادم الحقوق الوراثية بالحيازة إذ قضت بما يلي: " حيث أنه من الشروط الواجب توافرها لاكتساب الحق بالتقادم أن تكون الحيازة قانونية مستوفية  لعنصريها المادي و المعنوي و خالية من العيوب التي يمكن أن تشوبها  خاصة منها الإكراه أو الإخفاء أو اللبس ، و يكون واجبا على صاحب المصلحة  الذي يتمسك بهذا الحق  إثبات حيازته  الفعلية مستوفاة  لهذه الشروط و بخاصة إثبات  أن وضع اليد  كان وضعا فعليا  ظاهرا و مستمرا  و غير غامض و هادئا  و لا يعد من رخص التسامح  و بنية التملك للمدة المقررة،كما يكون قضاة الموضوع ملزمين بإبراز  هذه الشروط و العناصر  في قرارهم وصولا  بذلك إلى إثبات  الحيازة بعناصرها  و شروطها من عدمه و عدم الاكتفاء فقط  بحساب المدة  حسبما ذهب إلى ذلك  قضاة الموضوع و دون التأكد من استيفاء  الدفع لباقي الشروط  و بالخصوص ما نصت عليه  المادة 808 من القانون المدني  من أن الحيازة  لا تقوم على عمل من أعمال التسامح  لأن الغير الذي اعتدى  على حقه إذا  ترك المعتدي  تسامحا  يستغل حقوقه  بصفة صريحة  أو ضمنية  فإن هذا الاستغلال  الذي يباشره مدعي الحيازة  بموجب ترخيص أو تسامح  لا يمكنه الادعاء  بقصد الظهور  بمظهر صاحب حق عيني على الشيء فينتفي معه  العنصر المعنوي  و لا يعتبر حائزا ، فضلا على أن  استيلاء  بعض الورثة  على أعيان التركة  بعد وفاة المورث  قد لا يتضح معه الأمر  فيما إذا  كان الذي استولى  على التركة يحوزها  لحساب نفسه  فقط  أم لحساب نفسه  و لحساب باقي الورثة و تكون حيازته بذلك  مشوبة بعيب اللبس و لا تؤدي إلى كسب الحق بالتقادم "

لا شك أن تضارب قضاء المحكمة العليا حول مسألة جواز الدفع بالتقادم المكسب في الحقوق الميراثية من عدمه له أثر سلبي على مآل هذا النوع من المنازعات و لذلك فقد أصبح تدخل الغرف المجتمعة للمحكمة العليا ضروريا لتوحيد الاجتهاد المتذبذب في هذا المجال. و مع ذلك فإن رأينا أن القضاء الذي لا يجيز الدفع بالتقادم المكسب في الحقوق الميراثية بحجة وجود مانع أدبي بسبب القرابة هو قضاء ضعيف لا يستقيم مع روح  القانون لا سيما مع المادة 829 من القانون المدني  التي  تنص صراحة على تقادم الحقوق الميراثية .فهذا القضاء للمحكمة العليا يكون بمثابة إبطال مفعول هذه المادة و تحويل الحقوق الوراثية إلى حقوق أبدية.  موقفنا هذا نهجته كذلك الغرفة العقارية للمحكمة العليا في القرار المؤرخ في 17 جانفي 2007  رقم 38465   الذي مفاده أن المانع الأدبي لا يؤثر على تقادم الحقوق الميراثية.

  هذا التضارب في موقف المحكمة العليا بالنسيبة لتقادم الحقوق الوراثية تكرر بالنسبة لقابلية العقارات الممسوحة و التي لها دفتر عقاري للتقادم المكسب و هي المسألة التي فصل فيها قرار المحكمة العليا المؤرخ في  14 جانفي 2021 موضوع هذا التعليق. هذا القرار  الذي أقر عدم قبلية العقار الممسوح الذي تحصل مالكه على دفتر عقاري للتقادم المكسب  يعاكس قضاء المحكمة العليا السابق المكرس في قرار مؤرخ 16 يوليو 2008، ملف رقم 423832 الذي قضى بأنه لا يمنع توفر العقار على دفتر عقاري من اكتسابه بالتقادم.

هل أصاب القرار المؤرخ 14 جانفي 2021  حينما منع اكتساب العقارات المشمولة بدفتر عقاري بالتقادم؟ و هل أن المبررات التي واكبت هذا القضاء هي مبررات مقنعة و مطابقة تماما للقانون؟ لا نعتقد ذلك و هذا لعدة أسباب.

أولا فإن ديباجة هذا القرار تضمن بيان لم يسبق أن تضمنته  قرارات المحكمة العليا و هذا نصه: " اعتمادا على ما خلص إليه قضاة الغرفة العقارية في اجتماعهم المنعقد بتاريـخ 13/01/2021 تحت رئاسة السيد رئيس الغرفة العقارية بخصوص مسألـة الدفـع بالحيازة المؤدية إلى التقـادم المكسـب في مواجهـة الدفتـر العقـاري المتـوج لعمليـة مسح الأراضي ".

التشكيلة التي أصدرت هذا القرار أي القسم العقاري الأول التابع للغرفة العقارية  لم تتخذ إذا قرارها إلا بعد أن اجتمعت الغرف العقارية بكل أقسامها  و تحت رئاسة رئيس الغرفة  و بعد مناقشة بين كل قضاة الأقسام المعنية حول المسألة المفصول فيها و الإلمام بكل جوانبها بالنظر إلى قضاء المحكمة العليا السابق  بشأن نفس المسألة .

السؤال الذي يطرح نفسه حينئذ هو لماذا لجأت المحكمة العليا إلى إجراء لم ينص عليه القانون  و تجاهلت  الإجراء المعمول به في حالة ما أثيرت بمناسبة طعن بالنقض مسألة ذات أهمية متميزة من شأنها حمل المحكمة العليا على  تغيير قضائها السابق  أي الفصل في الطعن من طرف الغرف المجتمعة أو الغرفة المختلطة اللتان تكونان وحدهما مختصين للفصل في  قضية  تثير مسألة قانونية تلقت أو من شأنها أن تتلقى حلولا متناقضة أو كان من شأن القرار الذي سيصدر عن إحدى غرفها  تغيير اجتهاد قضائي و هذا طبقا للمادتين 16 و 18 من  القانون العضوي رقم 11-12 المؤرخ في 26 يوليو 2011 المتعلق بتنظيم المحكمة العليا و عملها و اختصاصاتها.

مسألة قبول الدفع بالتقادم المكسب في مواجهة عقد ملكية مشهر أو في مواجهة دفتر عقاري و بالنظر إلى تضارب قضاء المحكمة العليا إذ بعض القرارات تجيزه و بعض الأخير تمنعه فإنه أصبح بالفعل من الضروري و حفاظا على حقوق المتقاضي توحيد القضاء حول هذه المسألة و طبعا لا يتأتى ذلك إلا عن طريق الفصل في هذه المسألة من طرف الغرف المجتمعة أو الغرفة المختلطة و إما الفصل في طعن بالنقض إثر اجتماع كل أقسام الغرفة المعنية فإنه لم ينص عليه القانون.   

بالنسبة للمسألة التي فصلت فيها المحكمة العليا  فإن الأكيد أن القانون المدني و حينما نص في المادة 827  أنه من حاز عقارا أو حقا عينيا دون أن يكون مالكا له  صار له ذلك ملكا إذا استمرت حيازته مدة 15 سنة  فإنه لم يميز بين ما إذا كان هذا العقار أو الحق العيني له سند ملكية أو ليس له سند و من ثمة فإن كل العقارات و الحقوق العينية تكون قابلة للاكتساب بالتقادم . ليكون خلاف ذلك يجب أن ينص القانون صراحة على منع اكتساب العقارات و الحقوق العينية الممسوحة و التي لها دفتر عقاري عن طريق التقادم. فإقرار هذا المنع دون النص عليه في نص صريح  يعني أن القاعة التقادم المكسب ستنقرض بالضرورة عند الانتهاء من عمليات مسح كل التراب الوطني و هذا ما لم يقصده المشرع مع العلم أنه في كل البلديان التي اختارت نظام الشهر العيني  على غرار ألمانيا و سويسرا و مقاطعة كيبيك في كندا و  مقاطعات موزيل و الرين بفرنسا فإن قاعدة اكتساب العقارات و الحقوق العينية بالتقادم المكسب لم تلغى.

من جهة أخري فإن بعض الدفاتر العقارية تسلم لأصحابها في غياب سندات ملكية و على أساس  التقادم المكسب و لذلك فإنه من غير المستقيم  أن يمنع الحائز الحقيقي للعقار  الدفع بالتقادم المكسب في مواجهة من تسلم  دفتر عقاري على نفس العقار و على أساس التقادم المكسب . القرار محل التعليق استبعد الدفع بالتقادم المكسب  في مواجهة مالك العقار الممسوح الذي  له دفتر عقاري أولا بحجة أن هذا الدفتر له قوة ثبوتية مطلقة عملا بأحكام المواد 19،18،16،12 من الأمر رقم 74-75 المؤرخ في 12/11/1975 المتضمن إعداد مسح الأراضي العام و تأسيس السجل العقاري و ثانيا ارتكازا على أحكام المواد 08، 09، 10، 11، 12، 14، 15 و 16 من المرسوم التنفيذي رقم 63/76 المتعلق بتأسيس السجـل.

كل العقود الرسمية دون استثناء  لها حجية مطلقة مثلها مثل الدفتر العقاري و رغم ذلك فإن القانون يجوز الطعن فيها إما بالبطلان و إما بالتزوير فلا يوجد أي مبرر قانوني يحول دون الطعن في هذا الدفتر أمام القضاء الإداري لا سيما  إذا ثبت أن صاحبه قد تصل عليه بطرق غير قانونية إضرارا بالمالك الحقيقي. و أما المواد 19،18،16،12 من الأمر رقم 74-75 المؤرخ في المتضمن إعداد مسح الأراضي العام و تأسيس السجل العقاري فإنها لا تنص على منع التمسك بالتقادم المكسب بعد تسليم الدفتر العقاري.

بالنسبة للمرسوم التنفيذي رقم 63/76 المتعلق بتأسيس السجـل العقاري المعدل بالمرسوم التنفيذي رقم 93-123 المؤرخ في 19/05/1993  فإنه بالعكس يوحي بأن الطعن في الدفتر العقاري و طلب إعادة النظر فيه عن طريق الدفع بالتقادم المكسب يكون غير ممنوعا لأنه أولا فإن هذا المرسوم التنفيذي لم يتضمن نصا صريحا يقضي بأن تسليم الدفتر العقاري لصاحبه بعد الانتهاء من التحقيق يحول دون الطعن فيه عن طريق الدفع بالتقادم المكسب بل بالعكس فإن المادة 13 تجيز صراحة ترقيم العقارات و تمليكها عن طريق التقادم المكسب ، و ثانيا فإن المادة 16 تنص أن كل الحقوق الناتجة عن الترقيم النهائي  أي التي لها دفتر عقاري تكون قابلة  لإعادة النظر فيها عن طريق القضاء دون أي استثناء.

لكل هذا الاعتبارات التي تميل أكثر إلى الحل الذي يجيز الدفع بالتقادم المكسب و لو في مواجهة من يدعي ملكيته لعقار بموجب دفتر عقاري فإنه أضحى من الضرورة الملحة الفصل في المسألة من طرف الغرف المجتمعة و ذلك حتى تتضح الرؤية في اتجاه يحافظ على حقوق المتقاضين مع الأخذ بعين الاعتبار أنه في الجزائر و خلافا لبعض  التي اختارت نظام الشهر العيني التي هي دول متقدمة لها تقاليد عريقة  في مجال المعاملات العقارية و توثيقها فإن الكثير من العقارات التي يملكها الجزائريين تفتقر لسندات رسمية  و يتصرفون فيها على أساس الحيازة من أب عن جد فمنع هؤلاء من التمسك بالتقادم المكسب في مواجه طرف يدعي بملكيته لنفس العقارات و لو بموجب دفتر عقاري قد يكون مجحفا و مخالفا للعدل بالخصوص  أن ما أظهرته الممارسة القضائية أنه كثيرا ما يتم ترقيم العقارات و الحقوق العينية من طرف أعوان  إدارة مسح الأراضي و الحفظ العقاري بصفة سطحية دون التعمق في التحقيق .

الاستاذ براهيمي محمد

محامي لدى مجلس قضاء البويرة

brahimimohamed54@gmail.com