CABINET M.BRAHIMI , Avocat

تداخل الاختصاص في المواد الجزائية

mohamed brahimi By On 16/11/2023

 Tribunal alger 2

في الآونة الأخيرة  تمت متابعة  أشخاص بتهم مختلفة على غرار المتابعين بتهمة المضاربة غير المشروعة على المنتجات الغذائية المستهلكة على نطاق واسع و  تمت إحالتهم  للتحقيق و المحاكمة  أمام محكمة الجزائر العاصمة  (محكمة سيدي محمد) في حين أن هؤلاء الأشخاص يسكنون في  شرق  أو غرب البلاد  وأن الجرائم  المتابعين بها  ارتكبت في هذه المناطق. أشخاص آخرين  من بينهم من يسكن في أقصى جنوب البلاد  تمت متابعتهم أمام  نفس المحكمة  من أجل جنحة  التجمهر غير  المرخص به وقع خارج إقليم ولاية الجزائر .  قد يتساءل البعض عن أسباب إفلات هؤلاء المتهمين  من المحاكة أمام الجهة القضائية المختصة طبيعيا  أي محكمة مقر سكناهم أو محكمة مكان ارتكاب الجريمة  بدلا من محاكمتهم أمام محكمة تقع على بعد مئات الكيلومترات من مكان إقامتهم . هذا السؤال المشروع يثير في الواقع إشكالية  تجميع المنازعات  في القانون الجزائي و إسنادها  لجهات قضائية متخصصة.

في الأصل، فإن الاختصاص الإقليمي  أو النوعي  للجهات القضائية الجزائية  كان محددا بنصوص واضحة ومختصرة. بالنظر إلى  خطورة الجريمة المرتكبة (مخالفة، جنحة، جريمة)، فإن المتهم  يحال  للتحقيق أو المحاكمة أمام قسم المخالفات أو أمام قسم  الجنح بالمحكمة، أو أمام محكمة الجنايات. من ناحية الاختصاص الإقليمي أو المحلي فإن المحكمة المختصة هي محكمة مكان ارتكاب الجريمة  أو محل إقامة  المتهم  أو محل القبض عليه  وذلك تطبيقا لأحكام المادة 329 من قانون الإجراءات الجزائية . هذه القواعد  المبسطة للاختصاص تم تعديلها بشكل كبير  بعد إنشاء جهات قضائية ذات اختصاص موسع ( اختصاص أقاليمي أو اختصاص وطني ).

 

 1- الجهات القضائية الجديدة المتخصصة Les nouvelles juridictions spécialisées

1-1- الجهات القضائية  الأقاليمية المتخصصة ( الجهات القضائية ذات الاختصاص الموسع)

Les juridictions interrégionales spécialisées ( Les juridictions à compétence étendue )

  القانون رقم 04-14 المؤرخ في 10 نوفمبر 2004  المعدل و المتمم  للأمر رقم 66-155 المؤرخ في 8 جوان 1966 المتعلق بقانون الإجراءات  الجزائية هو الذي فتح المجال  لإنشاء الجهات القضائية  الأقاليمية المتخصصة  بنصه في المادة 329 الجديدة من قانون الإجراءات  الجزائية  أنه : "  يجوز تمديد الاختصاص المحلي للمحكمة إلى دائرة اختصاص محاكم أخرى عن طريق التنظيم  في جرائم المخدرات و الجريمة المنظمة  عبر الحدود الوطنية و الجرائم الماسة بأنظمة المعالجة  الآلية للمعطيات و جرائم تبييض الأموال و الإرهاب و الجرائم المتعلقة بالتشريع الخاص بالصرف ".  تمشيا مع هذا الاختصاص الموسع للمحكمة  ، يجوز تمديد الاختصاص الإقليمي لوكيل الجمهورية وقاضي التحقيق بموجب نفس القانون بالنسبة لهذه الجرائم (المادة 37 الفقرة 2 و 40 الفقرة 2 من ق.إ.ج. ) . تم إنشاء هذه الجهات  القضائية الجديدة  التي يبلغ عددها 04  بموجب المرسوم التنفيذي رقم 06-348 المؤرخ 5 أكتوبر 2006 المتضمن تمديد الاختصاص الإقليمي لبعض المحاكم وو وكلاء الجمهورية وقضاة التحقيق المعدل بموجب المرسوم التنفيذي رقم 16 -267 بتاريخ 17 أكتوبر 2016.

وهكذا ، وتطبيقا لهذا المرسوم التنفيذي، يمتد الاختصاص المحلي لمحكمة سيدي امحمد بالجزائر العاصمة إلى محاكم المجالس القضائية للجزائر العاصمة، الشلف، الأغواط، البليدة، البويرة، تيزي وزو، الجلفة، المدية، المسيلة، بومرداس ،تيبازة وعين الدفيلة. يمتد الاختصاص  المحلي لمحكمة  قسنطينية إلى محاكم المجالس القضائية  لقسنطينة، أم البواقي، باتنة، بجاية، تبسة، جيجل، سطيف، سكيكدة، عنابة، قالمة، برج بوعريريج، الطارف ،خنشلة ،سوق أهراس وميلة .  يمتد الاختصاص  المحلي لمحكمة ورقلة إلى محاكم المجالس القضائية لورقلة ،أدرار،تمنغاست ،إليزي ،بسكرة ،الوادي وغرداية. وأخيرا  يمتد الاختصاص   المحلي لمحكمة وهران إلى محاكم المجالس القضائي  لوهران، بشار، تلمسان، تيارت، تندوف، سعيدة، سيدي بلعباس، مستغانم، معسكر، البيض، تيسمسيلت، النعامة، عين تموشنت وغليزان.

تم تنصيب الجهات القضائية  الجديدة ذات الاختصاص الموسع (الجهات القضائية  الأقاليمية المتخصصة) ابتداء  من  شهر جانفي  2008 و مارست  صلاحياتها حتى  سنة  2020، وهو تاريخ إنشاء  جهات قضائية جديدة  كلفت بالنظر في  بعض الجرائم التي كانت سابقًا من  اختصاص الجهات القضائية   ذات الاختصاص الموسع  . لقد أنشئت  جهتين  قضائيتين جديدتين  لهما اختصاص وطني بموجب  الأمر رقم 04-20 المؤرخ في 30 أوت 2020 ثم الأمر رقم 11-21 المؤرخ في 25 أوت 2021  المعدل و المتمم  للأمر رقم 155-66 المؤرخ في 8 يونيو 1966 المتعلق بقانون  الإجراءات الجزائية  و يتعلق الأمر بالقطب الجزائي الوطني المتخصص لمكافحة الجريمة الاقتصادية و المالية ( القطب الاقتصادي و المالي)  و القطب الجزائي الوطني  لمكافحة الجرائم المتصلة بتكنولوجيات الإعلام و الاتصال. .

2-1- القطب الجزائي الوطني المتخصص لمكافحة الجريمة الاقتصادية و المالية

Le pôle pénal national spécialisé pour la lutte contre les infractions économiques et financières  

طبقا للمادة 211 مكرر من قانون  الإجراءات الجزائية  : " ينشأ على مستوى  محكمة مقر مجلس قضاء الجزائر قطب جزائي وطني متخصص لمكافحة الجريمة الاقتصادية و المالية : " يمارس القطب الجزائي الوطني المتخصص لمكافحة الجريمة الاقتصادية و المالية صلاحياته في  كامل الإقليم  الوطني  و  يمارس  اختصاصا  مشتركا  مع اختصاص  الجهة القضائية ذات الاختصاص الموسع ( الجهة القضائية الأقاليمية المتخصصة)  بالنسبة للجرائم  المنصوص عليها  في المواد  119 مكرر و389 مكرر و389 مكرر 1  و389 مكرر 2 و389 مكرر 3 من قانون العقوبات ، الجرائم المنصوص عليها في القانون رقم  06-01 المؤرخ في 20 فبراير 2006 المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته، الجرائم المنصوص عليها في الأمر رقم 96-22 المؤرخ في 9 يوليو 1996 المتعلق بقمع مخالفة التشريع  و التنظيم  الخاصين  بالصرف وحركة رؤوس الأموال من وإلى الخارج  و كذا  الجرائم المنصوص عليها بالفصول 11 و12 و13 و14 و15 من الأمر رقم 05-06 المؤرخ في 23 أوت 2005 المتعلق بمكافحة التهريب.

من جهة أخرى يكون  القطب الجزائي الوطني الاقتصادي و المالي هو المختص دون غيره  في البحث    و المتابعة   والتحقيق و الحكم   في الجرائم الاقتصادية والمالية  الأكثر تعقيدا والجرائم المرتبطة بها.  بموجب المادة 211 مكرر 3-2 من قانون الإجراءات الجزائية، يقصد بالجريمة الاقتصادية والمالية الأكثر تعقيدا : " الجريمة التي بالنظر إلى تعدد الفاعلين أو الشركاء أو المتضررين أو بسبب اتساع الرقعة الجغرافية لمكان ارتكاب الجريمة أو جسامة الأضرار المترتبة عليها أو لصبغتها المنظمة أو العابرة للحدود الوطنية أو لاستعمال تكنولوجيات الإعلام والاتصال في ارتكابها، تتطلب اللجوء إلى وسائل تحري  خاصة أو خبرة فنية متخصصة أو تعاون قضائي دولي ".

3-1- القطب الجزائي الوطني لمكافحة الجرائم المتصلة بتكنولوجيات الإعلام و الاتصال

Le pôle pénal national de lutte contre les infractions liées aux technologies de l’information et de la communication 

طبقا للمادة 211 مكرر 22 من قانون الإجراءات الجزائية المنشئة بموجب القانون رقم 21-11 المؤرخ في 25 أوت 2021  : "يـنـشــأ عــلى مستــوى مـحـكـمـة مـقــر مجلس قضاء الجزائر ( محكمة سيدي امحمد ) ، قطب جزائي وطني متخصص في المتابعة و التحقيق في الجرائـم المتصلـة بـتـكـنـولـوجـيـات الإعلام والاتصال والجرائم المرتبطة بها ، كما يختص بالحكم في  ذات الجرائم إذا  كانت تشكل جنحا ". في حالة ما كانت الجريمة المتصلة بتكنولوجيات الإعلام و الاتصال  المرتكبة تشكل جناية ، فإن الجهة القضائية المختصة هي طبعا  محكمة الجنايات و ليس القطب الجزائي الوطني لمكافحة الجرائم المتصلة بتكنولوجيات الإعلام و الاتصال. ويقصد بالجرائم المتصلة بتكنولوجيات الإعلام و الاتصال أي جــريــمــة تــرتــكب أو يسهــل ارتــكــابــهــا استــعــمــال مــنــظــومــة مــعـلـومـاتـيـة أو نـظـام للاتصالات الإلكترونية أو أي وسيلة أخرى أو آلية ذات صلة بتكنولوجيات الإعلام و الاتصال .

 و طبقا للمادة 211 مكرر 24 من قانون الإجراءات الجزائية  ، يختص القطب الجزائي الوطني لمكافحة الجرائم المتصلة بتكنولوجيات الإعلام و الاتصال حصريا بالمتابعة و التحقيق و الحكم  في الجرائم  الآتية عندما تشكل جنح : الجرائم التي تمس أمن الدولة والدفاع الوطني ، جرائم نشر وترويج أخبار كاذبة بين الجمهور من شأنها المساس بالأمن أو السكينة  العامة و استقرار المجتمع ، جرائم نشر وترويج أنباء مغرضة  تمس بالنظام و الأمن العموميين ذات الطابع المنظم أو العابر للحدود الوطنية ، جــرائــم المساس بأنــظــمــة المعــالجة الآلــيــة للمعطيات المتعلقة بالإجراءات و المؤسسات العمومية ، جرائم الاتجار بالأشخاص أو بالأعضاء البشرية أو تهريب المهاجرين و جرائم التمييز وخطاب الكراهية.

يختص كذلك القطب الجزائي الوطني لمكافحة الجرائم المتصلة بتكنولوجيات الإعلام و الاتصال حصريا بالمتابعة والتحقيق والحكم في الجرائم المتصلة بــتــكــنــولــوجــيــات الإعــلام والاتصال الأكــثــر تــعــقـيـدا والجرائـم المرتبطة بها.  و يقصد بالجريمة المتصلة  بتكنولوجيات الإعلام و والاتصال الأكثر تعقيدا الجريمة التي بالنظر إلى تعدد الفاعلين أو الشركاء أو المتضررين أو بسبب اتساع الرقعة الجغرافية لمكان ارتكاب الجريمة أو جسامة آثارها أو الأضرار المترتبة عليها أو لطابعها المنظم أو العابر للحدود الوطنية أو لمساسها بالنظام والأمن العموميين، تتطلب استعمال  وسائل تحري خاصة  أو خيرة فنية متخصصة أو اللجوء إلى تعاون قضائي دولي. ( م. 211 مكرر 25-2 من ق.إ.ج.).

بجانب هذه  الجهات القضائية الثلاث  ( الجهة القضائية الأقاليمية المتخصصة ،    القطب الجزائي الوطني المتخصص لمكافحة الجريمة الاقتصادية و المالية ، القطب الجزائي الوطني لمكافحة الجرائم المتصلة بتكنولوجيات الإعلام و الاتصال المتخصص )  المكلفين  بالمتابعة و التحقيق و الحكم  في الجرائم التي تدحل في اختصاص كل منهم ، فإن المشرع أقر إجراءات خاصة و متميزة بالنسبة لمتابعة و التحقيق في جرائم الإرهاب و الجريمة  المنظمة عبر الوطنية  و قد وردت هذه الإجراءات  في  المواد  من 211 مكرر 16 إلى 211 مكرر 21 من  الأمر رقم 20-04 المؤرخ في 30اوت 2020  المعدل و المتمم  لقانون الإجراءات الجزائية.

بموجب هذه  النصوص ، يمارس وكيل الجمهورية  وقاضي التحقيق بمحكمة مقر  مجلس قضاء الجزائر  ( محكمة سيدي امحمد ) اختصاصا مشتركا  مع الجهة القضائية الأقاليمية المتخصصة  و ذلك في جرائم الإرهاب و التخريب  المنصوص عليها في قانون العقوبات ، و  الجرائم المنصوص عليها في القانون رقم  01-05 المؤرخ في 27 فبراير 2005 المتعلق  بالوقاية من تبييض الأموال  و تمويل الإرهاب  و مكافحتهما  لاسيما في مادتيه  3 و 3 مكرر ، و كذا الجريمة المنظمة  عبر الوطنية  ذات الوصف الجنائي و الجرائم المرتبطة بها . يمارس وكيل الجمهورية وقاضي التحقيق بمحكمة مقر مجلس قضاء الجزائر صلاحياتهما في كامل الإقليم الوطني . و مع ذلك يختص وكيل الجمهورية وقاضي التحقيق بمحكمة مقر مجلس قضاء الجزائر حصريا بالمتابعة والتحقيق في جرائم الإرهاب المنصوص عليها في المطات 6 و9 و10 و12 و13  من المادة 87 مكرر  والفقرة 2 من المادة 87 مكرر 6 من قانون العقوبات والجرائم المرتبطة بها .

2- تحديد الجهة القضائية المختصة

يستنتج من القواعد المبينة أعلاه  أن المتابعة و   والتحقيق والحكم في الجرائم المتعلقة بالاتجار بالمخدرات، والجريمة المنظمة عبر الوطنية، والمساس بأنظمة المعالجة الآلية للمعطيات   ، و تبييض الأموال، والإرهاب،  و مخالفة التشريع  و التنظيم  الخاصين  بالصرف و وحركة رؤوس الأموال من وإلى الخارج  ،هي مبدئيا من  اختصاص  الجهات الفضائية الأقاليمية  المتخصصة ( الجهات القضائية ذات الاختصاص الموسع ). ولكن كما ذكرنا، فإن بعض هذه الجرائم هي أيضا من  اختصاص الجهتين القضائيتين ذات الاختصاص الوطني  المنعقدتين بمحكمة مقر مجلس قضاء الجزائر (القطب الجزائي الوطني المتخصص لمكافحة الجريمة الاقتصادية و المالية و القطب الجزائي الوطني لمكافحة الجرائم المتصلة بتكنولوجيات الإعلام و الاتصال ) . بالإضافة إلى ذلك، عندما يتعلق الأمر بالأعمال الإرهابية أو التخريبية، أو تبييض  الأموال، أو تمويل الإرهاب، أو الجريمة المنظمة عبر الوطنية أو الجرائم ذات الصلة،  فإن  وكيل الجمهورية  وقاضي التحقيق  لدى محكمة  مقر مجلس قضاء الجزائر يمارسان صلاحياتهما على كامل الإقليم الوطني.

في  حالة تداخل اختصاص هذه  الجهات القضائية  ، ، كيف تحدد  الجهة القضائية المختصة ؟ مثلا ، إذا تعلق الأمر  بجريمة  مخالفة التشريع  و التنظيم  الخاصين  بالصرف و وحركة رؤوس الأموال من وإلى الخارج ارتكبت بمدينة سطيف ، فإن المحكمة المختصة  بالتحقيق و  الحكم  في القضية  هي مبدئيا المحكمة ذات الاختصاص الموسع  الواقعة بمقر مجلس قضاء   قسنطينة وذلك تطبيقًا للمواد 37-2 و40-2  و 329-3 من قانون الإجراءات الجزائية   المتمم  والمعدل بالقانون رقم 14-04 المؤرخ في 10 نوفمبر 2004، و هذا الاختصاص قد  يكون مشتركا مع القطب الجزائي الوطني المتخصص لمكافحة الجريمة الاقتصادية و المالية الواقع بمحكمة مقر مجلس قضاء الجزائر ( محكمة سيدي امحمد)  و هذا  تطبيقا للمادة  211 مكرر 2  من قانون الإجراءات الجزائية  المتمم  والمعدل بالأمر رقم 20-04 المؤرخ في 30 أوت 2020.

كذلك إذا كانت الجريمة  المرتكبة هي جريمة مرتبطة بتكنولوجيات الإعلام و  والاتصال  على غرار جريمة التنمر الالكتروني عن طريق التهديد أو نشر  أخبار كاذبة، فإن الاختصاص يؤول مبدئيا  للمحكمة العادية  أي محكمة مكان الجريمة أو محكمة  مكان إقامة المتهم  . بالعكس ، إذا كانت الجريمة المرتبطة  بتكنولوجيات  الإعلام و الاتصال  تشكل إحدى  الجرائم المنصوص عليها في قائمة  المادة 211 مكرر 24 من قانون الإجراءات  الجزائية المعدل و المتمم  بالقانون  رقم  21 -   11 المؤرخ في 25 أوت 2021 ، أو تشكل جريمة بالغة التعقيد (مثلا: نشر أخبار  على شبكات التواصل  الاجتماعي تمس الأمن العام )، فإن الاختصاص يؤول حصريا  إلى القطب الجزائي الوطني لمكافحة الجرائم المتصلة بتكنولوجيات الإعلام و الاتصال   المنعقد   بمحكمة  مقر  مجلس قضاء الجزائر . وقد يشترك اختصاص القطب الجزائي الوطني لمكافحة الجرائم المتصلة بتكنولوجيات الإعلام و الاتصال   مع اختصاص الجهة الفضائية ذات الاختصاص الموسع  عندما تكون الجريمة لها علاقة بتكنولوجيات الإعلام و الاتصال .و عندئذ كيف يتم توزيع الاختصتص بين كل هذه   الجهات القضائية ؟

نص  القانون على معايير من شأنها  تحديد الجهة القضائية التي تتولى التحقيق والحكم في الجريمة كما نص على  قواعد و إجراءات تحريك الدعوى الجزائية .  يجب أولا التحقق فيما إذا كان الاختصاص المؤول إلى  جهة قضائية  معينة هو اختصاص حصري أم لا. إذا  نص  القانون  على اختصاص حصري و مانع ،  فإن نيابة الجهة  القضائية المختصة حصريا هي وحدها التي تتلقى التقارير الإخبارية وإجراءات التحقيق. ويجب حينئذ  على وكيل  الجمهورية أو قاضي التحقيق  التابعين لجهة قضائية أخرى التخلي عن الملف.  فمثلا إذا كانت الوقائع تشكل جريمة تمس بأنظمة المعالجة الآلية  لمعطيات الإدارات و المؤسسات  العمومية التي هي من اختصاص القطب الجزائي الوطني لمكافحة الجرائم المتصلة بتكنولوجيات الإعلام و الاتصال المنعقد بمحكمة مقر مجلس قضاء الجزائر  ( محكمة سيدي امحمد) فإن ملف المتابعة  و الحكم يتم معالجته حصريا من قبل هذه الجهة القضائية   و ذلك تطبيقا للمواد 211 مكرر 22 و 211 مكرر 24 و 211 مكرر 26 من قانون الإجراءات الجزائية .

بالعكس إذا كان  اختصاص الجهة القضائية  المتخصصة  ليس حصريا  و لكن مشتركا مع  جهة قضائية أخرى، فإن القانون ترك لوكيل الجمهورية  المختص محليا  سلطة  إرسال  نسخ من التقارير الإخبارية وإجراءات التحقيق التي أعدتها  الشرطة القضائية إلى وكيل الجمهورية  لدى الجهة القضائية المتخصصة المختصة. على ضوء هذه التقارير وإجراءات التحقيق فإن وكيل الجمهورية  لدى الجهة القضائية المتخصصة  يطلب  الملف  ، وإذا كان قاضي التحقيق قد باشر إجراءات التحقيق فإنه يجب عليه  إصدار  أمرا  بالتخلي  لصالح قاضي التحقيق لدى  الجهة القضائية  المتخصصة المختصة.

 نظرا لتداخل  الاختصاص بين  الجهات القضائية المختصة لا سيما بين  القطب الجزائي الاقتصادي و المالي و   القطب الجزائي الوطني لمكافحة الجرائم المتصلة بتكنولوجيات الإعلام و الاتصال و الجهة القضائي ذات الاختصاص الموسع  فقد يقع أن يطلب الملف  من طرق كل هذه  الجهات القضائية في نفس الوقف. في هذه الحالة نص القانون على إجراءات تسوية هذا الإشكال.

1-2-   الاختصاص المشترك بين القطب الجزائي الاقتصادي و المالي و الجهة القضاية ذات الاختصاص الإقليمي الموسع

أولا، قد يوجد اختصاص مشترك  بين  القطب الجزائي الاقتصادي و المالي و   الجهة القضائية  ذات الاختصاص الإقليمي  الموسع   ( الجهة القضائية  الأقاليمية المتخصصة).

في حالة المطالبة المتزامنة بالملف من طرف وكيل الجمهورية  لدى القطب الجزائي الاقتصادي و المالي و كيل  الجمهورية لدى الجهة القضائية  ذات الاختصاص الإقليمي الموسع ، مثلا في معالجة الجرائم المنصوص عليها في الأمر رقم 96-22 المؤرخ 9  جويلية  1996 المتعلق بقمع مخالفة التشريع وتنظيم الخاصين  بالصرف  وحركة رؤوس الأموال من وإلى الخارج ،  فإن الاختصاص يؤول بقوة القانون إلى    وكيل الجمهورية لدى القطب الجزائي الاقتصادي و المالي  (المادة 211 مكرر 11 من قانون الإجراءات الجزائية  المعدل والمتمم بالأمر رقم 20-04 المؤرخ في 30 أوت 2020 ). 

تم تحديد إجراءات التخلي  لفائدة القطب الجزائي الاقتصادي و المالي  و قواعد  إحالة الملف  في المواد  211 مكرر 11 إلى  211 مكرر 15 من قانون الإجراءات الجزائية  المعدل والمتمم بالأمر رقم 20-04 المؤرخ في 30 أوت 2020.

إذا كان ملف الدعوى مطروحا  أمام الجهة القضائية  ذات الاختصاص الإقليمي الموسع خلال  مراحل  التحريات الأولية و المتابعة و التحقيق ، فإن التخلي  لفائدة  وكل الجمهورية لدى القطب الجزائي الاقتصادي و المالي يتم بناء على طلب  هذا الأخير وفقا للأشكال  المقررة في المادتين 211 مكرر 9 و 211 مكرر 10 من قانون الإجراءات الجزائية المعدل و المتمم . إذا عاين وكيل الجمهورية لدى الجهة القضائية ذات الاختصاص الإقليمي الموسع وجود  عناصر جديدة تستدعي  تدخل القطب الجزائي الاقتصادي و المالي ، فإنه يبلغ بذلك  وكيل الجمهورية  لدى هذه  الجهة القضائية الأخيرة. ويتولى وكيل الجمهورية المختص إحالة ملف الإجراءات محل التخلي و جميع المستندات و الوثائق  و كذا أدلة  الإقناع  إلى وكيل الجمهورية لدى القطب الجزائي الاقتصادي و المالي  . تبقى  الأوامر بالقبض و أوامر الوضع رهن الحبس  المؤقت  الصادرة  منتجة لأثارها  إلى غاية صدور  أمر مخالف عن قاضي التحقيق  بالقطب الجزائي الاقتصادي و المالي  الذي يصبح الضامن لشرعية  و صحة إجراءات الحبس المؤقت . و لا تجدد إجراءات المتابعة و التحقيق و كذا الإجراءات الشكلية المتخذة.

يترتب على التخلي عن  ملف الإجراءات تحويل  إلى وكيل الجمهورية  و قاضي التحقيق بالقطب الجزائي الاقتصادي و المالي سلطات إدارة  و مراقبة أعمال الضبطية القضائية بخصوص الإجراءات  المنجزة أو الجارية  أو المزمع اتخاذها. و يتلقى ضباط الشرطة القضائية  بغض النظر عن تواجد المحكمة  التي يتبعون لدائرة اختصاصها  التعليمات و الإنابات القضائية مباشرة  من وكيل الجمهورية  لدى القطب الجزائي الاقتصادي و المالي.

2-2- الاختصاص المشترك  بين القطب الجزائي الوطني لمكافحة الجرائم المتصلة بتكنولوجيات الإعلام و الاتصال  و الجهة القضائية ذات الاختصاص الإقليمي الموسع

قد يتداخل  اختصاص القطب الجزائي الوطني لمكافحة الجرائم المتصلة بتكنولوجيات الإعلام و الاتصال  مع اختصاص الجهة القضائية ذات الاختصاص الإقليمي الموسع. وهكذا إذا كانت الجريمة المرتبطة بتكنولوجيات الإعلام والاتصال قد ارتكبت في مدينة سطيف من قبل شخص مقيم في هذه المدينة  و كانت هذه الجريمة لا تدخل في الاختصاص المانع للقطب الجزائي الوطني لمكافحة الجرائم المتصلة بتكنولوجيات الإعلام و الاتصال بمفهوم المادتين 211 مكرر 24 و 211 مكرر 25 من قانون الإجراءات الجزائية المعدل و المتمم  (مثلا نشر معلومات  و أخبار كاذبة في  الجمهور ليس من شأنها  المساس  بالأمن العام والسلم أو استقرار المجتمع)، فإن  الاختصاص  يكون مشتركا  بين اختصاص المحكمة ذات الاختصاص الموسع بقسنطينة و القطب الجزائي الاقتصادي و المالي  بمحكمة مقر مجلس قضاء الجزائر . في هذه الحالة   تطبق الإجراءات التي سبق عرضها في النقطة 2-1.

 3-2- الاختصاص المشترك بين  القطب الجزائي الوطني لمكافحة الجرائم المتصلة بتكنولوجيات الإعلام و الاتصال  و القطب الجزائي الوطني الاقتصادي و المالي

  قد يحدث أيضا أن  يتزامن  اختصاص القطب الجزائي الوطني لمكافحة الجرائم المتصلة بتكنولوجيات الإعلام و الاتصال مع اختصاص القطب الجزائي الوطني الاقتصادي و المالي على غرار  جريمة اختراق الحسابات المصرفية عبر الانترنات  حيث يقوم المحتال بالدخول بطريقة غير مشروعة إلى أنظمة الكمبيوتر للولوج إلى الحسابات المصرفية واختلاس الأموال. هذه الأفعال  تشكل من جهة  جريمة اقتصادية ومالية الأكثر تعقيدا  بمفهوم المادة 211 مكرر 3-2 من قانون الإجراءات الجزائية المعدل و المتمم  التي هي من اختصاص القطب الجزائي الوطني الاقتصادي و المالي  ، و من جهة  أخرى تشكل جريمة مرتبطة بتكنولوجيات الإعلام  والاتصال بمفهوم المادة 211 مكرر 25 من نفس القانون التي هي  من اختصاص القطب الجزائي الوطني لمكافحة الجرائم المتصلة بتكنولوجيات الإعلام و الاتصال . في هذه الفرضية حيث تكون للجهتين القضائيتين  اختصاص  مشترك، فإن المادة 211 مكرر 28 من قانون الإجراءات الجزائية المعدل و المتمم  تسوي المسألة بنصها  على أن الاختصاص يؤول للقطب الوطني الاقتصادي والمالي.

  4-2- الاختصاص المشترك بين القطب الجزائي الوطني لمكافحة الجرائم المتصلة بتكنولوجيات الإعلام و الاتصال و الجهة القضائي  ذات الاختصاص الموسع  المنعقدة بمقر مجلس قضاء الجزائر  المكلفة  بالمتابعة و التحقيق في جرائم الإرهاب  و التخريب     

بعض الجرائم التي تدخل في اختصاص القطب الجزائي الوطني لمكافحة الجرائم المتصلة بتكنولوجيات الإعلام و الاتصال قد تشكل كذاك  جرائم الإرهاب و التخريب  التي يرجع التحقيق فيها إلى وكيل الجمهورية  و قاضي التحقيق للمحكمة المنعقدة بمقر مجلس قضاء الجزائر و ذلك تطبيقا لأحكام  المادة 211 مكرر 16 من قانون الإجراءات الجزائية . القرصنة الحاسوبية لأغراض التجسس أو التخريب مثلا هي جريمة تدخل في اختصاص  القطب الجزائي الوطني لمكافحة الجرائم المتصلة بتكنولوجيات الإعلام و الاتصال قد تشكل كذاك   بمفهوم المادتين    211 مكررا. 24 و 211 مكرر 25 من قانون الإجراءات الجزائية  ولكنها تشكل كذلك جريمة تدخل في  اختصاص المحكمة المنعقدة بمقر مجلس قضاء الجزائر  المكلفة بالتحقيق في  جرائم الإرهاب و التخريب . في هذه الحالة  يعود الاختصاص تلقائيا إلى  محكمة مقر مجلس قضاء الجزائر  و ذلك تطبيقا للمادة 211 مكرر 29 من قانون الإجراءات الجزائية.

الاستاذ براهيمي محمد

محامي بمجلس قضاء البويرة

brahimimohamed54@gmail.com