CABINET M.BRAHIMI , Avocat

الدعوى القضائية في التشريع الجزائري : طبيعتها و شروط مباشرتها

mohamed brahimi By On 14/01/2020

I - طبيعة الدعوى القضائية في التشريع الجزائري

نظرية الدعوى القضائية لم تكن في بلادنا موضوع دراسة مدققة، والمبادئ العامة لهذه النظرية لا زالت في تشريعنا مستوفاة من التشريع الفرنسي. الدعوى القضائية بمعناها التقليدي، هي السلطة المخولة لشخص للتوجه إلى القضاء لكي يحصل على حماية حقه عن طريق تطبيق القانون. إنها سلطة الحصول على حماية من جهاز القضاء الذي يطلب منه ٳما الاعتراف بحق متنازع عليه، وٳما الحكم على الخصم، وٳما مباشرة إجراءات تنفيذ، وٳما الحصول على تدابير تحفظية أو مؤقتة.

هذا التعريف للدعوى القضائية  قد ينتج عليه الخلط بين هذا المفهوم و بين مفهوم الحق و الطلب القضائي.

1-  تمييز الدعوى عن الحق

 الصعوبة في التمييز بين الدعوى والحق  l’action et le droit ناتج عن تجانسها واتصالهما الوثيق، ولذلك يرى بعض الشراح أن الدعوى والحق شيء واحد بحيث أن الدعوى هي الحق في وضع متحرك l’action est le droit à l'état dynamique.

وقد عارض فريق ٱخر هذه النظرية واعتبر أن الدعوى مستقلة عن الحق للأسباب التالية:

- عندما تباشر النيابة العامة الدعوى العمومية، أو في المواد المدنية حينما يرفع طعن لصالح القانون،يصعب القول أن النيابة العامة تتمتع بحق ذاتي.

- الالتزام الطبيعي (الحق في النفقة مثلا) يعطينا مثالا حيا على وجود حقوق غير محصنة بدعوى.

- قواعد أهلية التقاضي ليست هي نفس القواعد المشترطة لمباشرة الحق. ففاقد الأهلية كالقاصر مثلا، يبقى يتمتع بحقه وبإمكانه رفع دعواه بواسطة وليه أو وصيه.

- يمكن حماية نفس الحق عن طريق رفع دعاوى متميزة فمثلا، في حالة عدم تسديد مبلغ الإيجار من طرف المستأجر، يجوز للمؤجر رفع دعويين مستقلتين، فإما أن يرفع دعوى لفسخ عقد الإيجار، وإما أن يرفع دعوى يطلب فيها تسديد مبلغ الإيجار والتعويضات.

وإما بالنسبة لتعريف مصطلح "الدعوى"، فإنه توجد نظريتان. فهناك من يعتبر الدعوى حق شخصي مستقل droit subjectif autonome متميز عن الحق الأساسي الذي يراد الاعتراف به. ولكن إذا كانت الدعوى حق شخصي فما هو الطرف الذي يلعب الدور السلبي فهل هو المدعى عليه؟ يصعب تقديم هذا الأخير بتلك الصفة لأنه ليس ملزما بالمثول أمام المحكمة والرد عن طلبات المدعي، هذا بالإضافة إلى أن بعض الدعاوى، مثل الطعن الخاص لصالح القانون لا يوجد فيها مدعى عليه.

وأما النظرية الثانية فتعتبر الدعوى بمثابة "سلطة قانونية" pouvoir légal تمكن الأعوان العموميين أو الخواص من التوجه إلى العدالة للحصول على احترام القانون. وهذه القدرة للتوجه للمحاكم تتسم بالموضوعية والدوام واللاشخصية. ولا يمكن للشخص التنازل عنها بصور عامة، شاملة ومطلقة.

وإذا كان مباشرة الدعوى القضائية بمثابة ممارسة حق من الحقوق الأساسية، فإنه من جهة أخرى رتب المشرع على إساءة استعمال حق اللجوء إلى القضاء أثارا، منها تغريم الطرف المتعسف أو الحكم عليه بتعويضات. ونصت المادة 377 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية أنه: "يجوز للمحكمة العليا إذا رأت أن الطعن تعسفي أو الغرض منه الإضرار بالمطعون ضده أن تحكم على  الطاعن بغرامة مدنية من عشرة ألف دينار إلى عشرين ألف دينار دون الإخلال بالتعويضات التي يمكن أن يحكم بها للمطعون ضده ". ونفس القاعدة تطبق على التعسف في استعمال حق الاستئناف ( المادة 347 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية )

وأما المادة 419 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية المطبقة أمام كل الجهات القضائية فتنص أنه: "يتحمل الخصم الذي خسر الدعوى المصاريف المترتبة عليها،ما لم يقرر القاضي تحميلها كليا أو جزئيا لخصم ٱخر مع تسبيب ذلك. وفي حالة تعدد الخصوم الخاسرين الدعوى،يجوز للقاضي الأمر بتحميل المصاريف لكل واحد منهم حسب النسب التي يحددها ". ونص قانون الإجراءات المدنية و الإدارية على حالات خاصة يعاقب فيها المتعسف كالحالة التي نصت عليها المادة 174: " ذا ثبت من مضاهاة الخطوط أن المحرر محل النزاع  مكتوب أو موقع عليه من الخصم الذي أنكره، يحكم عليه بغرامة مدنية من خمسة ألاف دينار إلى خمسين ألف دينار، دون المساس بحق المطالبة بالتعويضات المدنية أو المصاريف". والمادة 388: "إذا قضي برفض اعتراض الغير الخارج عن الخصومة، جاز للقاضي الحكم على المعترض بغرامة مدنية من عشرة ألاف دينار إلى عشرين ألف دينار، دون الإخلال بالتعويضات المدنية التي قد يطالب بها الخصوم ". والمادة 247: "يحكم على طالب الرد الذي رفض طلبه، بغرامة مدنية لا تقل عن عشرة ألاف دينار دون الإخلال بحق المطالبة بالتعويض". ويضاف إلى هذا النصوص الخاصة بالتعسف في استعـمال طرق الطعن الأخرى.

ولكن لا يجب أن يكون جزاء التعسف عائقا لمبدأ حرية التقاضي،  ولذلك فإن القضاء اعتبر مثلا أن: "استعمال طريقة من طرق الطعن المنصوص عنها  قانونا، لا يعتبر خطأ جنحيا إلا إذا أثبت سوء نية المتقاضي، وكان عمله غير شرعي يريد من خلاله الإساءة للخصم ( المحكمة العليا ، غرفة القانون الخاص، قرار بتاريخ 31 ماي 1967 ، نشرة القضاة لسنة 1967 ص.378 ). ونفس الموقف اتخذه الفقه حفاظا على حرية مباشرة الدعوى القضائية، إذ اعتبر أن حق اللجوء إلى القضاء لا يكون تعسفيا يستوجب التعويض إلا إذا شكل خطأ فادحا يقترب من التدليس، أو كان عملا يفترض فيه سوء النية.

2-  تمييز الدعوى عن الطلب القضائي

قلنا فيما سبق أن الدعوى هي ممارسة لحرية أساسية، وإنها السلطة القانونية التي تمكن صاحب الحق من اللجوء إلى القضاء للحصول على حقه وحمايته. وأما الطلب القضائي، فبواسطته تحرك الدعوى لطرح النزاع أمام القضاء الذي يلزم بالفصل فيه. والطلب القضائي هو الذي ينشأ بين الخصوم حالة قانونية خاصة تدعى "علاقة الخصومة" le rapport d’instance. النظام القانوني الجزائري  يكون بذلك قد خول للفرد حق اللجوء إلى القضاء كلما تعذر عليه التصالح مع خصمه حول نزاع معين، وذلك عن طريق الدعوى القضائية. ومع ذلك، فإن المشرع وضع شروطا يجب توفرها في الشخص الذي يرفع دعوى قضائية.

II - شروط استعمال الدعوى

 الشروط الواجب توفرها لاستعمال الدعوى القضائية هي عامة لكافة الدعاوي،وتتعلق بشخص المدعي،وبموضوع الدعوى، وأخيرا بالمواعيد التي تباشر فيها الدعوى.

1-  الشروط المتعلقة بالمدعي

يشترط في كل من يستعمل الدعوى القضائية أن تتوفر فيه المصلحة والصفة، وقد نص على ذلك قانون الإجراءات المدنية الإدارية في المادة 13. ويجب أن يتوفر هذين الشرطين، لا في شخص المدعي فقط، ولكن في كل شخص يستعمل الدعوى مدعيا كان أم مدعا عليه أو طرفا  متدخلا أو مدخلا في الخصام. فكل طرف في الخصومة، بغض النظر عن موقعه القانوني، يعتبر متقاض فيخضع للشروط العامة لقبول الدعاوى وهذا ما يفهم كذلك من المادة 13 التي استعملت عبارة "لأي شخص" عوضا من عبارة "المدعي".

1-1- المصلحة

يقال أن: "المصلحة مناط الدعوى، ولا دعوى بغير مصلحة "بمعنى أنه يجب على المتقاضي أن يبرر مصلحته في رفع الدعوى القضائية. واتفق الشراح على أن المصلحة هي الشرط الأساسي لرفع دعوى للقضاء، ومفهوم المصلحة هو محل تفسير وتحليل مدققين. يجب أن تكون المصلحة قانونية وشرعية، قائمة، وأخيرا إيجابية وملموسة.

1-1-1 - يجب أن تكون المصلحة قانونية وشرعية.-  من البديهي انه يجب أن تستند الدعوى القضائية على القانون بمعنى أنه يجب على المدعي أن يدعي بحق يعترف به القانون ويحميه، وإذا انعدم هذا العنصر يكون الطلب القضائي غير مقبول و لذلك فإن القاضي ملزم قبل تطرقه إلى موضوع الدعوى مراقبة قانونية وشرعية المصلحة. تبعا لهذه القاعدة فإن الدعوى الرامية مثلا إلى إلزام المدعى عليه بدفع دين ناتج عن قمار أو رهان، تكون غير مقبولة لعدم قانونية المصلحة كون المادة 612 من القانون المدني حظرت القمار والرهان. في أغلب الأحيان وخاصة في الإجراءات المدنية، فإن الدعوى تتعلق بالمساس بحق شخصي أو ذاتي un droit subjectif كأن يطلب المدعي تثبيت حقه في ملكية أو في دين. ولكن الحالات التي لا تفترض المساس بحق شخصي كثيرة ومتنوعة، كالدعوى العمومية،ودعوى تجاوز السلطة، والدعاوى التي يباشرها ممثل النيابة العامة  في القضايا التي تهم النظام العام، والطعن الخاص لصالح القانون، والدعوى المرفوعة من طرف النقابة للدفاع عن مصالح مهنية.

 إلى جانب هذه العلاقات القانونية "المجمدة والواضحة"، هناك نوع من الحقوق يصعب إدراجها ضمن التصنيف التقليدي، وهي متعلقة بالحقوق الفردية والجماعية التي تحولت إلى حقوق بمعناها التقليدي منذ صدور دستور 7 ديسمبر 1996 الذي خصص الفصل الرابع " للحقوق والحريات". فإذا وقع مساس بإحدى هذه الحريات فلا يعتبر هذا انتهاكا لحق شخصي بمعنى الكلمة، فالدعوى هنا تجزي مخالفة "لواجب" violation d’un devoir   . فهناك ضرر بالمصلحة والقانون يمنح دعوى التعويض.

والحالتان المذكورتان تناسبان في الواقع نوعين من المنازعات: المنازعات الشخصية والمنازعات الموضوعيـة. يكون النزاع شخصي حينما يزعم المدعي التعدي على حق شخصي، ويكون الأمر متعلقا بنزاع موضوعي، عندما يلتمس من القاضي التحقيق حول ما إذا وقع مساس بقاعدة من قواعد القانون الموضوعي. وإذا كان لهذا التمييز أهمية بالغة في القانون العام، فله كذلك فائدة ولو متواضعة في القانون الخاص نظرا للمكانة المهمشة للمنازعات الموضوعية. وتظهر أهمية هذا التمييز بالخصوص عند تحديد الشخص الذي يتوفر على الصفة لمباشرة الدعوى.

2-1-1- عدم اشتراط قيام المصلحة الحالة وقت رفع الدعوى. - أدخلت المادة 13 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية تعديلا هاما فيما يخص شرط المصلحة، إذ نصت على أنه: " لا يجوز لأي شخص، التقاضي ما لم تكن له صفة، وله مصلحة قائمة أو محتملة يقرها القانون". النص الجديد يجيز إذا التقاضي حتى ولو كانت المصلحة محتملة فقط.

يقال تقليديا أنه يجب أن تكون المصلحة قائمة وحالة، بمعنى أن يكون النزاع المعروض على القضاء للفصل فيه قد نشأ حقا، أو بمعنى ٱخر أن يكون الحق الذي يطلب المدعي حمايته قد اعتدي عليه بالفعل. ولذا يجب على المدعي أن يثبت أمام القاضي أن له مصلحة قائمة وحالة، فالمصلحة المحتملة لا تكفي لتأسيس الدعوى مبدئيا. وارتكازا على هذه القاعدة فإن القضاء كان يرفض عادة الدعاوى الاستفهامية والدعاوى التحريضية/

النص الجديد للمادة 13 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية  الذي أصبحت بموجبه المصلحة المحتملة تكفي لقبول الدعوى القضائية، هو في الواقع تكريس لبعض الدعاوى التي كان يجيزها القانون القديم، والتي تسمح للشخص التقاضي وقائيا قبل الاعتداء على حقه.

 ومثال ذلك دعوى وقف الأعمال الجديدة، التي ترفع من طرف الحائز لعقار ضد الجار الذي شرع في أعمال قد تسبب مساسا لحيازته، فيمكن لواضع اليد طلب وقف الأشغال قبل أن يقع تعرض لحيازته. وكذلك دعوى مضاهاة الخطوط  التي ترفع ضد من استعمل في دعوى وثيقة يحتمل أن تكون مزورة. فالمشرع أجاز هذه الدعوى الأخيرة رغم أن المصلحة ليست قائمة وحالة.

هذا وأن المادتين 172 و 187 من قانون الإجراءات المدنية القديم اللتان تقابلهما المادتين 310 و 77 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، وخروجا عن قاعدة وجود مصلحة قائمة وحالة، كانتا تجيزان صراحة تقديم طلب للقاضي بغرض الأمر باتخاذ إجراءات في نزاع لم ينشأ بعد ولكن على شرط أن يقع اتفاق بين الخصوم ( المادة 187). المادة 77 الجديدة مددت أحكام المادة 187 القديمة ووسعت مجال تطبيقها إذ أنها ألغت شرط اتفاق الخصوم: " يمكن للقاضي، ولسبب مشروع وقبل مباشرة الدعوى،أن يأمر بأي إجراء من إجراءات التحقيق، بناء على طلب كل ذي مصلحة، قصد إقامة الدليل والاحتفاظ به لإثبات الوقائع التي قد تحدد مٱل النزاع" . وإما المادة 310 فإنها تنص من جهتها أنه: "تقدم الطلبات الرامية إلى إثبات الحالة أو توجيه إنذار أو إجراء استجواب في موضوع لا يمس بحقوق الأطراف، إلى رئيس الجهة القضائية المختصة، ليفصل فيها خلال أجل أقصاه 3 أيام من تاريخ إيداع الطلب ".

3-1-1- جب أن تكون المصلحة إيجابية وملموسة. - حتى تقبل الدعوى يجب أن تكون المصلحة المحتج بها ذات أهمية، خاصة إذا تعلق الأمر بمصلحة معنوية. وهكذا إذا استجاب قاضي الدرجة الأولى لكل طلبات المدعي، فإن هذا الأخير لا يمكنه استعمال طريق من طرق الطعن لانعدام المصلحة. وقد تكون بعض الأحكام غير قابلة للطعن لانتفاء المصلحة وعدم وقوع ضرر، وأقر المشرع هذا المبدأ صراحة في المادة 41 من القانون المدني الملغاة إذ اعتبر استعمال حق تعسفيا إذا  كان يرمي إلى الحصول على فائدة قليلة بالنسبة إلى الضرر الناشئ للغير. واتخذ القضاء نفس الموقف بالخصوص في مجال استعمال طرق الطعن فمثلا قضت المحكمة العليا بأن الطعن بالنقض يكون غير مقبولا لانتفاء الضرر و المصلحة إذا وجه هذا الطعن ضد قرار صادر عن المجلس القضائي قضى بعدم قبول التماس إعادة النظر في أمر استعجالي ( المحكمة العليا، الغرفة التجارية و البحرية ، قرار بتاريخ 20/06/1982 ، ملف رقم 25028 ، مجلة الاجتهاد القضائي ، سنة 1986 ، ص.185 )   

2-1-الصفة   

   لا يكفي لاستعمال الدعوى القضائية استظهار مصلحة،بل يجب كذلك إثبات الصفة أي تبرير مصلحة شخصية ومباشرة و مع ذلك إذا كانت الدعوى ترمي إلى حماية مال شائع، فإنه يجوز لكل شريك أن يرفع الدعوى بمفرده بغير موافقة باقي الشركاء (المحكمة العليا ، الغرفة المدنية، قرار بتاريخ 21/01/1992  ملف رقم 75576، المجلة القضائية سنة 1994 ، عدد 1 ، ص.16 ؛ 02/12/2008 2008، ملف رقم 425758، مجلة المحكمة العليا لسنة 235.عدد 1 ، ص.2008 ). 

 وبذا تكون الصفة عبارة عن مظهر خاص للمصلحة مع أن الفقهاء لم يتفقوا على تعريف موحد، إذ يرى البعض أن هناك فرق بين الصفة والمصلحة الشخصية والمباشرة. ومناصرو النظرية الأخيرة يؤسسون حججهم على وجود حالات ترفع فيها الدعوى لا من صاحب الحق، بل ممن يقوم مقامه قانونا أو قضاء أو بموجب اتفاق كالولي والوصي والوكيل. ففي هذه الحالات تكون الصفة في الشخص الممثل أو الوكيل، وأما المصلحة الشخصية فتتوفر في صاحب الحق. وأما قانون الإجراءات المدنية والإدارية فلم يقدم أي تعريف للصفة، واكتفت المادة 13 بالنص على أنه: "لا يجوز لأي شخص، التقاضي ما لم تكن له صفة، وله مصلحة قائمة أو محتملة يقرها القانون".

وإذا كان التمييز بين الصفة والمصلحة سهل عندما يستظهر المتقاضي حقا شخصيا، فإن الوضع يتعقد عندما لا يكون المتقاضي حائزا لحق شخصي، بل يزعم فقط أن له مصلحة شرعية، محمية قانونيا،كما هو الشأن مثلا في المنافسة الغير المشروعة. ففي هذه الحالة تتداخل الصفة بالمصلحة.

ويمكن ترتيب الحالات القانونية للصفة حسب الأشخاص التي تتوفر فيهم مصلحة شخصية ومباشرة لاستعمال الدعوى، وقبل عرض هذه الحالات ينبغي التمييز بين مختلف الصفات.

1-2-1- الصفة وتمييزها عن الصفات الأخرى

1-1-2-1-الصفة والأهلية.- تختلف الصفة عن الأهلية في كون الأخيرة تعبر عن قدرة الشخص كسب الحقوق وتحمل الالتزامات، وحددت المادة 60 من القانون المدني  سن الرشد بتسعة عشر سنة كاملة . وكل من لم يبلغ هذا السن، لا يمكنه رفع دعوى أمام القضاء. وبهذا يكون شرط الأهلية ما هو في الحقيقة سوى اشتراط للصفة في استعمال الدعوى، لأن أهلية التقاضي تدخل في أهلية الأداء.

2-1-2-1- الصفة والتمثيل القانوني.- إذا كان المبدأ هو أن صاحب الحق يباشر إجراءات الخصومة بنفسه، فإن القانون خول لبعض الأشخاص الخارجين عن الخصومة صلاحية تمثيل صاحب الحق الأصلي، وذلك باتخاذ إجراءات الخصومة ومتابعتها. وقد يكون هذا التمثيل بقوة القانون كما هو الشأن بالنسبة لرئيس البلدية الذي يمثل بلديته أمام القضاء (  المادة 82 من القانون رقم 11-10 المؤرخ في 22/06/2011 المتعلق بالبلدية)  ، أو بالاتفاق كالتمثيل بواسطة المحامي  ( المادة 5 من القانون رقم 13-07 المؤرخ في 29/10/2013 المتضمن تنظيم مهنة المحاماة  ).

وهكذا فإذا كانت الصفة تتعلق أساسا بصاحب الحق، فإن الممثل تكون له صفة إجرائية في مباشرة الدعوى القضائية ومتابعة سيرها. وبناء على هذا، يتعين على الممثل أن يثبت أولا صفة الشخص الطبيعي أو الاعتباري الذي يمثله، وثانيا أن يثبت سلطته كممثل. وإذا كان يجب على الوكيل بالخصومة أن يقدم وكالة مكتوبة وصريحة تحت طائلة بطلان الوكالة، فإن المشرع أعفى المحامي من هذا الإجراء ( المادة 6 من القانون رقم 13-07 المؤرخ في 29/10/2013  التضمن تنظيم مهنة المحاماة  )

 التمييز بين الصفة والتمثيل يترتب عليه أثار مختلفة : فانتفاء صفة التمثيل يترتب عليه بطلان الإجراءات فقط، فهو دفع شكلي يمكن تصحيحه، فيما أن عدم توفر شرط الصفة يترتب عليه عدم قبول الدعوى. واعتبرت المحكمة العليا  أن "الصفة ليست مسألة تتعلق بالشكل بل تشكل في حد ذاتها مسألة تتعلق بالموضوع، فيجب على الجهات القضائية معاينة ثبوتها أو دحضها ولو باللجوء إلى إجراءات تحقيق مناسبة" (  المحكمة العليا ، الغرفة العقارية، قرار بتاريخ 25/02/1998  ملف رقم 150865، المجلة القضائية سنة 1998 ، عدد 1 ، ص.74 )

2-2-1- الصفة حسب حالاتها

1-2-2-1- الصفة في ذمة شخص عادي. - هذه الحالة هي الحالة العادية، إذ تتمثل الصفة فيها في الشخص صاحب الحق الذي له مصلحة قانونية مباشرة في رفع الدعوى القضائية لحماية هذا الحق. ولكلا من الخلف أوالدائن الذي يستعمل الدعوى الغير المباشرة الصفة، على شرط أن تكون الدعوى قابلة للانتقال بالنسبة للخلف وغير شخصية محضة بالنسبة للدائن.

وفي بعض الحالات فإن القانون يحفظ الدعوى لصالح أشخاص معينين، ومثال ذلك دعوى التقليد المرفوعة من طرف مالك براءة الاختراع، أو حالة وكيل التفليسة الذي يمارس دعاوى المفلس المتعلقة بذمته طيلة مدة التفليسة ( المادة 244 من القانون التجاري).

وعندما يبرم شخص عقدا مع شركة تأمين، فإن الأول يفقد مبادرة تسيير الدعوى، وتثبت الصفة للمؤمن الذي يقوم على الغير في حق المؤمن له. كما يجوز للشخص أن يباشر دعوى اجتماعية بصورة فردية action sociale ut singuli ويتجلى ذلك خاصة في الشركات التجارية، إذ أن القانون التجاري نظم بالتدقيق مباشرة الدعوى الاجتماعية من طرف الشريك أو مجموعة من الشركاء.

2-2-2-1- الصفة في ذمة تجمع.- بروز التجمعات من نقابات وجمعيات التي تدافع عن مصالح عامة واجتماعية، أنشأ جدلا حادا حول مشكل قبول الدعاوى المرفوعة من طرفها. والملاحظ أنه في بعض التشريعات الأجنبية ، فإذا كان القضاء يقبل بسهولة الدعاوى المرفوعة من طرف النقابات، فإنه متحفظ للغاية بالنسبة للدعاوى المرفوعة من طرف الجمعيات.

في الجزائر فإن النظام الاشتراكي الذي نهجته البلاد منذ الاستقلال قلص من دور النقابة. فتضارب المصالح بين العمال وأرباب العمل الذي كان السبب الرئيسي في بروز النقابات في أوروبا لم يصبح مبدئيا مبررا في هذا النظام لإنشاء النقابات، ولذا فإن النقابة المتمثلة في الاتحاد العام للعمال الجزائريين كان لها دور اقتصادي أكثر منه اجتماعي، وهذا ما أقرته صراحة النصوص المتعلقة بالتسيير الاشتراكي للمؤسسات. وهذه النصوص التي وقع عليها تعديلات فيما بعد، لم تخول لهذه النقابة وممثليها الصفة الإجرائية لرفع دعاوى قضائية للدفاع عن مصالح العمال، وأخضعت كل نزاعات العمل إلى إجراءات خاصة.

إثر صدور دستور 28 فبراير 1989 الذي كرس لأول مرة  مبدأ التعددية وحرية إنشاء الجمعيات بكل أنواعها،فإن الدعاوى المباشرة من قبل التجمعات أصبحت جزء لا يستهان به من النزاعات المطروحة أمام الجهات القضائية.

1-2-2-2-1- النقابات - بعد أن كانت النقابة في التشريع القديم عبارة عن هيئة اقتصادية وسياسية لم يعترف لها صراحة بحق اللجوء إلى القضاء للدفاع عن المصالح الفردية أو الجماعية للعمال، فإن القانون رقم 90-14  المؤرخ في 19 جويلية 1988 المتعلق بكيفيات ممارسة الحق النقابي أقر لها حق التقاضي بنص صريح رغم عدم إقراره للتعددية النقابية. فبعد أن نصت المادة 13 من هذا القانون على أن المنظمة النقابية تتمتع بالشخصية المعنوية والأهلية المدنية، فلقد حددت حالات وشروط ممارسة الدعوى القضائية إذ نصت الفقرات 2، 3 و 4 على أنه: " يحق للمنظمة النقابية التقاضي ويمكنها ممارسة كل الحقوق المحفوظة للطرف المدني لدى أية جهة قضائية مختصة، بالنسبة للوقائع التي تسببت في إطار علاقة العمل، ضررا للمصلحة الفردية أو الجماعية للعمال الذين تمثلهم؛ يمكن للمنظمة النقابية ممارسة كل الدعاوى التي قد تنتج عن علاقة العمل أو عن قانون أساسي أو اتفاق جماعي، لصالح كل عامل، تدخل مهنته في مجال نشاطها المهني أو الإقليمي، دون إثبات أي توكيل من المعني؛ تعد المنظمة النقابية دائما طرفا في الدعوى المرفوعة ضمن الشروط المحددة بموجب التشريع المعمول به ". وأما المادة 14 من هذا القانون، فإنها تمكن أمين المكتب النقابي التابع للهيئة المستخدمة، بحكم منصبه، التقاضي وممارسة الحقوق والدعاوى التي يقرها القانون للنقابة لدى الجهات القضائية المختصة، وذلك بهدف حماية المصالح المهنية الجماعية أو الفردية للعمال.

 الملاحظ أنه إذا كان القانون  المؤرخ في 19 جويلية 1988  قد منع تعدد النقابات (المادة7)، فإنه من جهة أخرى لم يحدد مجال تدخل النقابة واعترف لها بصلاحيات شبه مطلقة في رفع الدعاوى القضائية، إذ يمكنها التقاضي من أجل حماية حتى المصالح المهنية "الفردية" (المادتين 13و14). وبموجب هذا القانون يكون المشرع الجزائري قد أقر مبدأ "تقدمي" لإشكالية قبول دعاوى النقابات.

بعد صدور دستور 28 فبراير 1989 الذي كرس التعددية الحزبية كان من المتوقع إعادة النظر في حضر تعدد النقابات، وبالفعل وبموجب القانون رقم 09-14 المؤرخ في 2 جوان 1990 المتعلق بكيفيات ممارسة الحق النقابي، المعدل والمتمم بالقانون رقم 91-27 المؤرخ في 21 ديسمبر 1991، فإن تأسيس التنظيمات النقابية أصبح حرا. وحسب المادة 16 من هذا  القانون ، يكسب التنظيم النقابي الشخصية المعنوية والأهلية المدنية بمجرد تأسيسه، ويمكنه ممارسة الحقوق المخصصة للطرف المدني لدى الجهات القضائية المختصة عقب وقائع لها علاقة بهدفه وألحقت أضرارا بمصالح أعضائه الفردية أو الجماعية، المادية والمعنوية. ويجب التمييز هنا بين التنظيم النقابي ذاته وفروعه، فالأول وحده له صفة التقاضي خلافا لفروعه التي ما هي سوى هياكل محلية  ( المحكمة العليا ، الغرفة الاجتماعية ، قرار بتاريخ 09/12/1997  ملف رقم 149274، المجلة القضائية سنة 1998 ، عدد 1 ، ص.139).   

ولا يجب كذلك الخلط بين النزاع الجماعي في العمل والنزاع الفردي في العمل. فحسب المادة 2 من القانون رقم 90-04 المؤرخ في 6 نوفمبر 1990 يعد نزاعا جماعيا في العمل كل خلاف يتعلق بالعلاقات الاجتماعية والمهنية في علاقة العمل والشروط العامة للعمل، ويعد نزاعا فرديا في العمل كل خلاف في العمل قائم بين عامل أجير ومستخدم بشأن تنفيذ علاقة العمل التي تربط الطرفين. إذا كان الأمر يتعلق بنزاع جماعي، فإنه يجوز رفع دعوى جماعية باسم النقابة بصفتها شخصا معنويا ممثلا من أحد أعضائها لفائدة العمال، وإما إذا كان النزاع يتعلق بخلاف قائم بين العمال الأجراء والمستخدم بشأن تنفيذ علاقة العمل،فانه لا يجوز رفع دعوى جماعية ولكن يجب رفعها بصفة فردية من طرف كل عامل، وذلك تحت طائلة عدم قبول الدعوى. قضت المحكمة العليا  بأنه و أمام انعدام نزاع جماعي  فإن الدعوى القضائية التي موضوعها المطالبة بحقوق فردية، لا تعتبر دعوى جماعية حتى وإن رفعت باسم ممثل عن العمال (المحكمة العليا ، الغرفة الاجتماعية ، قرار بتاريخ 03/12/2008  ملف رقم 435383، مجلة المحكمة العليا لسنة 2008 ، عدد 2 ، ص.435 ).

وإلى جانب النقابات، توجد منظمات مهنية تتمتع بالكفاءة القانونية، إلا أن المشرع لم يحدد شروط استعمالها للدعوى القضائية. فبالنسبة لمنظمة المحامين، أو الاتحاد الوطني لمنظمات المحامين، فلقد اقتصر القانون رقم 13-07 المؤرخ في 29 أكتوبر 2013 المتضمن تنظيم مهنة المحاماة على منح هتين الهيئتين الشخصية المعنوية ( المادتين 85 و 103)، كما أسند لنقيب المحامين صلاحية التمثيل أمام القضاء ( المادة 102).

ونفس الشيء بالنسبة للغرفة الجهوية الوطنية للموثقين إذ أن المرسوم التنفيذي رقم 89-144 المؤرخ في 8 أوت 1989 المحدد لشروط الالتحاق بمهنة الموثق و ممارستها و قواعد تنظيم المهنة نص فقط على أنه: "تتمتع الغرفة الوطنية بالكفاءة القانونية لتمثيل كافة الموثقين فيما يتصل بحقوقهم ومصالحهم المشتركة" (المادتين 23 و 24)، كما أن الغرفة الجهوية تتمتع بهذه الكفاءة لتمثيل الموثقين (المادتين 30 و 31).      

هل يمكن تمديد القاعدة التي أقرها المشرع بالنسبة للنقابات إلى هذه المنظمات المهنية الخاصة، أي أنه يمكن مثلا لمنظمة المحامين أن ترفع دعوى قضائية للدفاع عن المصالح الفردية للمحامين؟ القانون المؤرخ في 29 أكتوبر 2013  لم يوضح ذلك، في حين أن المرسوم التنفيذي المؤرخ في 8 أوت 1989 يتكلم عن "الحقوق والمصالح المشتركة" مما يفهم منه أن المشرع اتخذ في شأن هذه المنظمات المهنية الشروط التقليدية التي قدمها القضاء القديم لقبول دعاوى النقابات،أي لزوم إثبات أن الضرر قد مس المصالح "الجماعية" للمهنة، وليس فقط الضرر الذي ألحق أحد أعضائها. وسواء تعلق الأمر بنقابات أو بمنظمات مهنية فيجب أن تدخل الدعوى القضائية في إطار الدفاع عن المهنة التي ينتمي إليها أعضائها، وإلا كانت الدعوى غير مقبولة.

2-2-2-2-1- الجمعيات - إن تهميش نشاط الجمعيات في الجزائر الناتج عن جمود الأمر رقم 71-79 المؤرخ في 8 ديسمبر 1971 المتعلق بالجمعيات الذي لم يشجع إنشائها من جهة، واقتصار الجمعيات المكونة على نشاط ثانوي من جهة أخرى، حالا دون بروز اجتهاد قضائي حول مسألة قبول دعاوى الجمعيات.

بتاريخ 4 ديسمبر 1990 صدر قانون متعلق بالجمعيات تميز بليونة نسبية مقارنة بالقانون السابق. عوض هذا القانون فيما بعد بقانون أخر مؤرخ في 12 جانفي 2012 أبقى عموما على نفس النظام. الجمعيات العديدة والمتنوعة التي ظهرت للوجود منذ هذا التاريخ، وخاصة بروز جمعيات وطنية ذات صلاحية اجتماعية وثقافية واسعة (جمعيات حماية الطبيعة والبيئة، جمعيات حماية المستهلك...الخ)، طرحت  إشكالية قبول دعاوى الجمعيات خاصة وأن المادة 17 من هذا القانون تنص صراحة أنه يمكن للجمعية التي أسست قانونا أن تمثل أمام القضاء.

في بعض الأنظمة القانونية الأجنبية فإن القضاء لا يقبل بسهولة دعاوى الجمعيات لانعدام الضرر أو لانعدام الصفة. فالجمعيات في هذه النظرية ما هي إلا تجمعات خاصة، لا يمكنها أن تتدخل في صلاحيات الدولة المخولة لها  الدفاع عن المصالح العامة للمجتمع، عكس النقابات التي لها طابعا عموميا الذي يخولها مهمة المراقبة والدفاع عن قطاع اقتصادي أو مهني.

النظرية هذه، في رأينا غير مقنعة إذ لا يجب تقليص حق الجمعيات في التقاضي، وإلا ما أهمية الاعتراف لها بالشخصية المعنوية. هذا وأن تعقد العلاقات الاجتماعية والثقافية لا تسمح للدولة أوممثليها أن تمارس صلاحياتها كاملة في كل الجبهات للدفاع عن المصالح العامة للمجتمع. وهذا الطرح هو الذي يكون قد دفع المشرع الجزائري إلى إدراج المادة 17 في القانون المؤرخ في 12 جانفي 2012   التي تفتح للجمعيات بابا واسعا للتقاضي. 

وحتى تقبل دعوى الجمعية، يجب طبعا أن تثبت الجمعية  الضرر الذي  ألحق الهدف الذي أنشأت من أجله والمنصوص عليه في قانونها الأساسي، وإلا كانت الدعوى غير مقبولة.  نص المشرع صراحة على حق رفع دعاوى من بعض الجمعيات كما هو الشأن بالنسبة لجمعيات المستهلكين إذ نصت المادة 12 الفقرة 2 من القانون رقم 89-02 المؤرخ في 7 فيفري 1989 المتمم للأمر رقم 58-75 المؤرخ في 26 سبتمبر 1975 المتعلق بالقواعد العامة لحماية المستهلك أن: "جمعيات المستهلكين المنشأة قانونا، لها الحق في رفع دعاوى أمام أي محكمة مختصة بشأن الضرر الذي ألحق بالمصالح المشتركة للمستهلكين، قصد التعويض عن الضرر المعنوي الذي ألحق بها". ونفس القاعدة قررت لجمعيات حماية البيئة بموجب المادة 16 من القانون رقم 83-03 المؤرخ في 5 فيفري 1983 المتعلق بحماية البيئة.

3-2-1- الدعوى القضائية التي تباشر من الشخص الاعتباري العام. - لكل من الدولة، والولاية،والبلدية و المؤسسة العمومية ذات الصبغة الإدارية حق استعمال الدعوى القضائية للدفاع عن مصالحها ( المادتين 49 و 50 من القانون المدني).

الصفة لرفع الدعوى القضائية تكون للوزير في النزاع الذي تكون فيه الدولة طرفا، وإذا كانت الولاية طرفا في النزاع فإن الوالي هو الذي يتمتع بصفة التقاضي، وإذا تعلق الأمر بنزاع يهم البلدية فإن رئيس المجلس الشعبي البلدي هو الذي يتكفل بمباشرة الدعوى القضائية.

وأما المؤسسات العامة ذات الصبغة الإدارية، فلها حق في رفع الدعوى بواسطة مديرها. وأما المصالح الإدارية الغير المشخصة،فلا يمكنها مباشرة دعاوى قضائية إلا بواسطة الهيئات المختصة التي تنتمي إليها. فالخزينة الجزائرية مثلا مصلحة غير مشخصة لا يمكنها التقاضي إلا بواسطة الوكيل القضائي للخزينة بمقتضى القانون رقم 63 -198 المؤرخ في 8 يونيو 1963 .

الشركة التجارية التي تتمتع بالشخصية المعنوية (المادة 549 من القانون التجاري) تمثل أمام القضاء من طرف مديرها إذا تعلق الأمر بشركة التضامن ( المادة 553 من القانون التجاري )، أو شركة التوصية البسيطة (المادة 563 مكرر من القانون التجاري )، أو شركة ذات المسؤولية المحدودة ( المادة 576 من القانون التجاري )، وتمثل من طرف رئيس مجلس المديرين إذا تعلق الأمر بشركة المساهمة (المادة 652 من القانون التجاري ). في حالة التصفية فإن الشركة تمثل أمام القضاء لمتابعة الدعاوى الجارية أو القيام بدعاوى جديدة لصالح التصفية من طرف المصفي، ولكن بعد الترخيص له بذلك من طرف الشركاء أو بموجب قرار قضائي ( المادة 788 من القانون التجاري ). وإذا تعلق الأمر بمؤسسة عمومية اقتصادية منحلة فإن تمثيلها أمام القضاء يكون كذلك بواسطة مصف.

وأما الشركة المدنية فإنها تمثل أمام القضاء من طرف المسير المعين بنص خاص في عقد الشركة ( المادة 427 من القانون المدني ). بالنسبة للمستثمرات الفلاحية الجماعية التي تعد بمثابة شركات مدنية طبقا للمادة 13 من القانون رقم 87-19 المؤرخ في 8 ديسمبر 1987، فإنها تمثل أمام القضاء من طرف أعضائها. إذا كانت المنازعة المطروحة أمام القضاء تخص ملكية وعاء المستثمرة ولا تخص فقط حق الانتفاع والاستغلال، فإنه يجب حسب قضاء المحكمة العليا إدخال في الخصومة الجهة المالكة للمستثمرة أي الدولة الممثلة في شخص والي الولاية أو مديرأملاك الدولة (المحكمة العليا ، الغرفة العقارية ، قرار بتاريخ 28/04/1999  ملف رقم 186635، المجلة القضائية  لسنة 2000 ، عدد 1 ، ص.143؛ 09/05/2007 ، ملف رقم 399822، مجلة المحكمة العليا  لسنة 2010 ، عدد 3 ، ص.399 ). القانون الصادر بتاريخ 15 أوت 2010 تحت رقم 10-03 غير شروط استغلال الأراضي الفلاحية التابعة للأملاك الخاصة للدولة إذ أصبح الامتياز هو نمط استغلال هذه الأراضي. ولكون النظام الجديد يمنح هو كذلك حق الاستغلال فقط للمستثمر الفلاحي، وتبقى الأرض ملكا للدولة، فإن إجراءات التقاضي المطبقة على المستثمرات الفلاحية لا سيما ضرورة إدخال الدولة في الخصام   تبقى سارية.

4-2-1- دعاوى النيابة العامة. - في بعض الحالات الاستثنائية، خول القانون للنيابة العامة حق رفع بعض الدعاوى. نص القانون رقم 84-11 المؤرخ في 9 جوان 1984 المتضمن قانون الأسرة، على حالات عديدة تباشر فيها النيابة العامة الدعوى القضائية. وهكذا يمكنها طلب تعيين مقدم، في حالة عدم وجود ولي أو وصي، على من كان فاقد الأهلية أو ناقصها (المادة  99)، وطلب الحجر (المادة 102)، وطلب إصدار حكم بفقدان أو موت المفقود (المادة 114)، ورفع دعوى التخلي عن الكفالة (المادة 125)، وطلب تصفية التركة وتعيين مقدم في حالة عدم وجود ولي أو وصي للوارث القاصر (المادة 182).

وفي قضايا الحالة المدنية، فإن المشرع اعترف للنيابة العامة بصلاحيات واسعة خاصة إذا تعلق الأمر بتعويض عقود الحالة المدنية، أو إبطالها، أو تصحيحها. ولقد تضمن الأمر رقم 70-20 المؤرخ في 19 فيفري 1970 المتعلق بالحالة المدنية نصوصا عديدة تسمح للنيابة العامة أن ترفع تلقائيا دعاوى قضائية  في هذا المجال.

وما يتميز به التشريع المتعلق بالحالة المدنية هو أن المادة 48 من الأمر المؤرخ في 19 فيفري 1970 ،تنص صراحة أنه يجوز للنيابة العامة طلب إبطال عقود الحالة المدنية لداعي "النظام العام". فهل يمكن تعميم هذا المبدأ على كل الحالات أي أنه، إلى جانب الحالات المنصوص عليها في القانون، يجوز للنيابة العامة رفع دعاوى تلقائيا عندما تكون القضية تهم النظام العام؟ في ظل قانون الإجراءات المدنية القديم، فإن الاتجاه الغالب يرى أن رفع دعوى مدنية من طرف النيابة العامة مرهون بوجود نص صريح يفيدها بذلك، وهذا الاتجاه كان مركزا أساسا على أن تدخل النيابة العامة كان منحصرا عموما أمام المجلس القضائي وأما أمام المحكمة فكان دوره شبه منعدم.

أدخل قانون الإجراءات المدنية والإدارية تعديلات هامة بشأن دور النيابة العامة أمام كل الجهات القضائية بما فيها المحاكم، إذ من جهة فإن المادة 256  تنص على أنه: "يمكن لممثل النيابة العامة أن يكون مدعيا كطرف أصلي أو يتدخل كطرف منضم "، ومن جهة أخرى فإن المادة 257 فتحت المجال لتدخل النيابة العامة تلقائيا حتى أمام المحكمة، ولا فقط في القضايا التي حددها القانون، ولكن كذلك للدفاع عن النظام العام: " تتدخل النيابة العامة تلقائيا في القضايا التي يحددها القانون، أو للدفاع عن النظام العام ".

2-   الشروط المتعلقة بمحل الدعوى القضائية

محل الدعوى هو الطلب الذي يقدمه المدعي للقاضي ليفصل في موضوعه بحكم. وقبول الدعوى مرهون بشروط متعلقة بهذا المحل.

يشترط في محل الدعوى ألا يصطدم بحجية الشيء المقضي فيه. فإذا كان الطلب قد فصل فيه بحكم نهائي، فلا يجوز أن يكون هذا الطلب موضوع دعوى جديدة، وإلا حكم بعدم القبول .ولا يجب كذلك أن يكون محل الدعوى مخالفا للنظام العام والآداب العامة وكذا مخالفا للقانون.

3-  الشروط المتعلقة بالمواعيد

ليس لصاحب الحق الحرية المطلقة في اختيار الموعد لرفع الدعوى القضائية. في بعض الأحيان قد يكون الموعد لرفع الدعوى قصير جدا، كما هو الشأن في دعاوى الحيازة التي يجب أن ترفع خلال سنة من تاريخ  التعرض (المادة 524 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية ). وفي منازعات العمل التي تدخل في اختصاص القسم الاجتماعي، يجب حسب المادة 504 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية رفع الدعوى في أجل لا يتجاوز ستة أشهر من تاريخ تسليم محضر عدم الصلح من مفتشية العمل.

الخصومة نفسها تجري ضمن مواعيد محددة، فإذا تسبب المدعي في عدم الاستمرار في الدعوى طيلة مدة سنتين، يجوز للمدعى عليه طلب إسقاطها ( المادتين  222  و 223 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية ). و إما بالنسبة لمختلف طرق الطعن، فيجب رفعها في ٱجال قصيرة، وذلك تحت طائلة السقوط الذي يعتبر في هذا المجال من النظام العام. وطبقا للمادة 405 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، فإن كل الآجال تحسب كاملة  أي أن اليوم الأول و الأخير لا يحسبان. فمثلا إذا  تم تبليغ حكم المحكمة  الصادر في القضايا العقارية  تبليغا شخصيا بتاريخ 20 جوان 2019  على يد محضر قضائي فإنه يجب رفع الاستئناف أمام المجلس القضائي  في مهلة شهر من هذا التاريخ.  فالاستئناف في هذه الحالة  يكون مقبولا بتاريخ 21 جويلية 2019  و لا يكون مقولا بعد هذا التاريخ و مع ذلك  إذا كان يوم 21 جويلية 2019  يوم عطلة رسمية ( مثلا يوم جمعة ) فإن الأجل يمدد إلى أول يوم عمل موالي ،  فالاستئناف  في هذا المثال يكون مقبولا إذا قدم يوم الأحد 23 جويلية 2019.

بقلم الأستاذ براهيمي محمد

محامي لدى المجلس