CABINET Mohamed BRAHIMI , Avocat Bienvenue sur le site de Maitre Mohamed BRAHIMI, Avocat. Vous y trouverez un blog dédié à la pratique judiciaire et à la vulgarisation du droit

تعليق قضائي

إشكالية عدم القبول المترتب على تقديم وثائق غير مترجمة

بقلم  الأستاذ براهيمي محمد - 25/03/2018

أصدرت محكمة البويرة في قسمها المدني حكما مؤرخا في 05/02/2018 رقم الجدول 2193/17 رقم الفهرس 315/18   تضمن قضاء متميزا واجتهادا قضائيا مجلبا للانتباه  عالج إشكالية طبيعة الإجراء الذي يفرض ترجمة الوثائق المقدمة في الدعاوى القضائية و المحررة باللغة الأجنبية .

قانون الإجراءات المدنية و الإدارية الصادر بتاريخ  25/02/2008  تضمن نصا يفرض ترجمة أي وثيقة محررة باللغة الأجنبية ( في الغالب باللغة الفرنسية) إلى اللغة العربية  في كل الخصومات  و هي المادة 8 الفقرة 2 و هذا نصها : "يجب أن تقدم الوثائق  و المستندات باللغة العربية  أو مصحوبة بترجمة رسمية  إلى هذه اللغة ، تحت طائلة عدم القبول ".

بعد مدة من دخول هذا القانون حيز التنفيذ  ظهر نوع من التردد عند القضاة في كيفية التصرف مع هذا النص. الإشكال الذي كان مطروحا هو معرفة ما  إذا كان  الإجراء  الذي نصت عليه المادة 8  الفقرة 2  من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية هو إجراء  جوهري   أي أن القاضي ملزم بتطبيقه و بإثارته من تلقاء نفسه أو أنه إجراء شكلي فقط يمكن استبعاده إذا لم تتوفر فيه شروط بطلان هذا النوع من الإجراء.

استقر الرأي  بعد نوع من التردد  على أن إجراء ترجمة الوثائق المحررة باللغة الأجنبية إلى العربية و المحتج بها أمام القضاء هو إجراء  جوهري و من النظام العام أي إجراء لزومي فعدم تقديم ترجمة لوثيقة محررة باللغة الأجنبية يترتب عليه البطلان و بالنتيجة يجب على القاضي استبعاد مثل هذه الوثيقة من النقاش و إذا كانت هي أساس الدعوى فيجب عدم قبول الدعوى.

ميزة الحكم المؤرخ في 05/02/2018  الصادر عن محكمة البويرة أنه نهج طريق مغاير من أنه  رفض التصريح بعدم القبول رغم أن المدعي قدم وثائق محررة باللغة الفرنسية و غير مترجمة.

سباب الحكم

جاء في تسبيب الحكم المؤرخ في 05/02/2018  ما يلي : " حيث أن المدعى عليها تدفع في مذكرتها الجوابية المقدمة بجلسة 15/01/2018 أن المدعى قدم وثائق و هي محررة باللغة الأجنبية مما يجعل من ذلك خرق للقواعد الشكلية المنصوص عليها في المادة 8 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية ملتمسة رفض الدعوى شكلا ،غير أن دفعها هذا مردود عليه،بدليل أنه تبين للمحكمة أن أحكام المادة 8 الفقرة 2  من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية لم ترتب جزاء بطلان  أو رفض الدعوى شكلا في حالة تقديم الوثائق باللغة الأجنبية طالما أن لا بطلان بدون نص عملا بالمادة 60 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية خاصة و أن المادة 8 الفقرة 2 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية تتعلق بعدم قبول الوثيقة الغير المحررة باللغة الوطنية شكلا لا برفض أو عدم قبول الدعوى. حيث من جهة أخرى فقد تبين أيضا للمحكمة أن المدعى عليها لم تقدم ما يثبت  الضرر الذي لحق بها جراء ما تدفع به  من أجل المطالبة ببطلان أو عدم قبول دعوى الحال شكلا عملا بالمادة 60 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية ، و ما دام أن شروط الدفع ببطلان دعوى الحال غير متوفرة ، الأمر الذي يجعل من دفع المدعى عليها هذا غير مبرر و يتعين حينها على المحكمة رفضه ".

حسب رأي المحكمة فإن الدفع بعدم القبول بسبب تقديم وثائق محررة باللغة الأجنبية و الغير المترجمة  هو دفع غير مؤسس لسببين : °1)   لا يوجد نص صريح يرتب جزاء البطلان في حالة تقديم وثائق باللغة الأجنبية غير مترجمة  و ذلك تطبيق لأحكام المادة 60 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية  °2) المدعى عليها التي أثارت هذا الدفع لم تثبت الضرر الذي لحقه  جراء عدم ترجمة الوثائق المقدمة.

من الناحية المبدئية و من وجهة نظر فائدة  ترجمة الوثائق المحررة باللغة الفرنسية و الصادرة عن هيئات و مؤسسات  رسمية جزائرية  و بالنظر كذلك إلى الأعباء و المصاريف التي يتكبدها المتقاضي لتنفيذ هذا الإجراء  فإن موقف المحكمة  الرافض لإضفاء عدم القبول التلقائي عن عدم احترام هذا الإجراء قد يجد له المرء ما يبرره .

و لكن من وجهة نظر القانون فإن  تفسير المحكمة  للمادة 8  من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية  هو تفسير خاطئ. حكم المحكمة  يحيلنا إلى  التعمق في نظام بطلان الإجراءات في التشريع الجزائري و تحديد  نطاق هذا البطلان. سنعرض ببعض من التفاصيل  هذا النظام  المعقد نوعا ما  و على أساسه سنغلق على حكم المحكمة المؤرخ في 25/02/2008.

1- موقف التشريع من بطلان الإجراءات

  لا يمكن تصور قواعد تخضع لها أعمال الإجراءات دون تدعيمها بقواعد جزاء مخالفتها. فجزاء قاعدة ما هو مقياس فعاليتها. فكل التشريعات بدون استثناء أقرت أنظمة للبطلان قد تختلف من بلد لأخر ، ولكن أغلبية التشريعات تميز بين الإجراء الجوهري الذي يترتب على مخالفته البطلان، والإجراء الشكلي المحض الذي يترك للقاضي تقدير جزاء مخالفته.

فالقانون الفرنسي مثلا يميز بين العيب في الشكل والعيب في الموضوع. فإذا تعلق الأمر بعيب في الشكل، فلا يبطل الإجراء إلا إذا نص على ذلك القانون صراحة. وإذا لم يراعي في تحرير أو تبليغ العقد القواعد الجوهرية، أي أن يكون العقد معيبا في موضوعه، فالجزاء هو البطلان.

1-1 - قانون الإجراءات المدنية القديم الصادر في 1966

  نظرا لندرة وعدم دقة المواد التي خصصها قانون الإجراءات المدنية القديم لنظام البطلان، فإن هذا النظام الذي كان صعب التطبيق كان يرتكز أساسا على مفهوم "النظام العام" الذي أقرته المادة 462 التي هذا نصها: " لا يجوز الدفع بالبطلان أو بعدم صحة الإجراءات من خصم يكون قد أودع مذكرته في الموضوع وكذلك الشأن بالنسبة لعدم الإيداع أو عدم تقديم الكفالة المنصوص عنها في المادة 460؛ وإذا طرأ البطلان أو عدم صحة الإجراءات بعد تقديم المذكرات في الموضوع، فلا يجوز إبداء الدفع به إلا قبل أية مناقشة في موضوع الإجراء الذي تناوله البطلان؛ وخلافا لما هو منصوص عليه في الفقرتين السابقتين يجوز إبداء الدفع الخاص بقواعد الاختصاص النوعي في أي وقت؛ وإذا كان البطلان أو عدم صحة الإجراءات المدفوع به ليس من النظام العام، فيجوز للقاضي أن يمنح أجلا للخصوم لتصحيحه، ويرجع أثر هذا التصحيح إلى تاريخ الإجراء المطعون فيه بالبطلان أو بعدم الصحة ".

الفراغ الذي كان يعاني منه قانون الإجراءات المدنية القديم جعل القضاء يتدخل بشكل واسع لتكريس قواعد التمييز بين البطلان لعيب في الشكل والبطلان لعيب في الموضوع. وعدم تطرق هذا القانون إلى الحالات التي يكون فيها الإجراء باطلا والحالات التي يجوز فيها للقاضي تقدير ما إذا كان يجب إقرار البطلان أم لا، نتج عنه تردد في الحلول القضائية.

2-1- قانون الإجراءات المدنية والإدارية الجديد

  ساير محررو قانون الإجراءات المدنية والإدارية  الجديد الصادر في 2008 تطور القضاء في مسألة شروط بطلان أعمال الإجراءات وطبيعتها، وتطرقوا لها  في المواد من 60 إلى 66. النظام الجديد الذي أقره المشرع يميز بوضوح بين البطلان من حيث الشكل والبطلان من حيث الموضوع.

التمييز بين البطلان من حيث الشكل والبطلان من حيث الموضوع له آثار معتبرة على مستوى نطاق البطلان ونظامه القانوني.

2- نطاق بطلان الأعمال الإجرائية

  أسباب بطلان الأعمال الإجرائية تخضع لنظام مختلف حسبما كان العيب المحتج به هو عيب في الشكل أو عيب في الموضوع. ففي الحالة الأولى، فإن المادة 60 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية  تقر قاعدة "لا بطلان بدون نص"، فيما أن هذه القاعدة تستبعد عندما يتعلق الأمر بالبطلان من حيث الموضوع.

1-2 -أسباب البطلان لعيب في الشكل

  طبقا للمادة 60 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية: "لا يقرر بطلان الأعمال الإجرائية شكلا إلا إذا نص القانون صراحة على ذلك". ويمكن الإشارة على سبيل المثال بالنسبة لشكل الأعمال الإجرائية  لأحكام المواد 15، 18، 407، 540، و 565 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية المتعلقة بعريضة افتتاح الدعوى، والتكليف بالحضور،  ومحضر  التبليغ الرسمي، وعريضة الاستئناف، وعريضة الطعن بالنقض.

يفترض في مثل هذا النظام أن كل إجراء يجب أن يكون متبوعا بنص صريح يقر بطلانه في حالة عدم احترام أشكاله،و إلا اعتبر البطلان كبطلان في الشكل فقط. ولكن الملاحظ أنه كثيرا ما ينص القانون على إجراء معين دون الإشارة إلى جزاء خرق الأشكال المقررة لهذا الإجراء، وذلك رغم أن البطلان يفرض نفسه بالنظر إلى طبيعة الإجراء المنصوص عليه، الذي قد يكون بدون شك إجراء جوهري بل حتى من النظام العام. قانون الإجراءات المدنية والإدارية لم يتطرق إلى هذه الإشكالية، فهل يعني ذلك أن قاعدة المادة 60 التي تقر أنه لا بطلان بدون نص تطبق حتى على حالات خرق أشكال تحرير أو تبليغ الأعمال التي تعتبر تقليديا كأنها أشكال جوهرية ؟

في ظل  قانون الإجراءات المدنية القديم، وبشأن أسباب البطلان لعيب في الشكل، فإن قضاء المحكمة العليا لم يرتب البطلان إلا إذا كان الشكل المقرر جوهريا، وكانت مخالفته مضرة بحقوق الدفاع. اعتبرت المحكمة العليا مثلا أن نسيان إشارة تاريخ الجلسة هو عيب شكلي غير جوهري لا يترتب عليه بطلان الحكم  (المحكمة العليا، الغرفة المدنية،  قرار بتاريخ 12/07/1967، المنشور بمجلة العدالة ، سنة 1966 – 1967 ، صفحة 421 ) ، وأن عدم ذكر اسم الشركة بالتدقيق في القرار لا يؤثر على هذا الأخير ( المحكمة العليا، الغرفة المدنية ، قرار بتاريخ  01/08/1981، قرار رقم 21313، المنشور بنشرة القضاة لسنة 1982 ، صفحة 121)، وإغفال تحديد تاريخ النطق بالقرار لا يمس بحقوق الدفاع ومن ثمة لا يترتب عليه البطلان (المحكمة العليا، الغرفة المدنية، 12/05/1982، قرار رقم 24771، المنشور بنشرة القضاة لسنة 1982، صفحة 155) ، كما أن عدم تبليغ المذكرات للخصم في آجالها هو إجراء غير جوهري وغير مضر بالطرف الٱخر ( المحكمة العليا،غرفة القانون الخاص.، 13/12/1967، المنشور بنشرة القضاة لسنة 1968، عدد 1، صفحة 41.)

رغم أن المحكمة العليا حاولت توضيح مفهوم "الإجراء الجوهري"، فإن هذا المفهوم بقي مبهما. أما محررو قانون الإجراءات المدنية والإدارية فإنهم أغفلوا هم كذلك هذا الجانب من الإجراءات، إذ من جهة لم يقدموا تعريفا دقيقا للإجراء الجوهري أو للإجراء من النظام العام، ومن جهة أخرى لم يتطرقوا إلى آثار مخالفة الأشكال الجوهرية في تحرير وتبليغ الأعمال الإجرائية. لذلك فإن القواعد التي كرستها المحكمة العليا تبقى قائمة. وإما الفقه فإنه يعرف الإجراء الجوهري بأنه ذلك الإجراء الذي يعطي للسند أو للعمل الإجرائي طبيعته وميزاته ووجوده القانوني.

2-2 - أسباب البطلان لعيب متصل بالموضوع    

  حالات بطلان العقود غير القضائية والإجراءات من حيث موضوعها حددت على سبيل الحصر في المادة 64 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، وهذه الحالات هي :

- انعدام الأهلية في الخصوم.ويتعلق الأمر هنا بانعدام أهلية التقاضي.قد يقع هنا خلط بين الدفع بالبطلان لانعدام الأهلية والدفع بعدم القبول لنفس السبب.

- انعدام الأهلية أو التفويض لممثل الشخص الطبيعي أو المعنوي.

المادة 64 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية تنص أن الحالتين المذكورتين سلفا محددتين على سبيل الحصر، فهل يعني ذلك أن المشرع منع الحكم بالبطلان خارج هتين الحالتين؟ النص الصريح للمادة 64 يوحي بذلك، ولكن ما هو مآل مثلا العقد غير القضائي الذي حرره شخص غير المحضر القضائي أو حرره محضر قضائي خارج دائرة اختصاصه؟ هل أن هذا العقد يعتبر عقدا باطلا لعيب في الموضوع، أم أنه عقدا باطلا لعيب في الشكل فقط كونه لا يدخل في الحالتين المنصوص عليهما في المادة 64؟ نفس السؤال يطرح بالنسبة للقواعد التي تحكم ﺁجال طرق الطعن كعدم قبول الاستئناف لفوات أجل رفعه. لا شك أن كلا الاجرائين مشوبان بالبطلان لعيب في الموضوع، ولكن المشرع فضل إدراج هتين الحالتين لا  في خانة الدفع بالبطلان ولكن في خانة الدفع بعدم القبول (م.67 ق.إ.م..إ). في الواقع فإن التمييز بين الدفع بالبطلان و الدفع بعدم القبول ليس له أي أثر عملي كون النظامين القانونيين متشابهين. ويشكل كذلك في نظرنا بطلانا من حيث الموضوع كل مخالفة للمبادئ الأساسية للتقاضي لا سيما مبدأ الوجاهية وحق الدفاع.

في ظل قانون الإجراءات المدنية  القديم  استقر قضاء المحكمة العليا على أنه يشكل عيب في الموضوع كل مخالفة للأشكال الجوهرية، أو كذلك إذا تعلق الأمر بخرق إجراءات اعتبرها المشرع من النظام العام، واشترط فقط أن لا تكون هذه الإجراءات قد وضعت خصيصا لمصلحة الخصوم (المحكمة العليا،الغرفة المدنية، 08/03/1978، قرار رقم 12228، المنشور بنشرة القضاة لسنة 125،صفحة 125  ). ولكن النصوص الجديدة لقانون الإجراءات المدنية والإدارية لا سيما المادة 60 التي أقرت قاعدة لا بطلان بدون نص، والمادة 64 التي حددت حصريا حالات البطلان تجعلنا نتساءل عن جدوى توسيع حالات البطلان خارج إطار المادة 64.

3- نظام البطلان

1-3- شروط البطلان

  إذا كان سبب البطلان يرتكز على عيب في الشكل، يجب على من يتمسك به أن يثبت الضرر الذي لحقه ( المادة 60 من ق.إ.م..إ.) (وهذا الشرط غير ملزم إذا تعلق الأمر بالعيوب من حيث الموضوع. ولكن كلا النوعين من البطلان يشتركان في كونهما لا يقضى بهما إذا زال سبب البطلان بإجراء لاحق أثناء سير الخصومة ( المادة 66 من ق.إ.م..إ).

1-1-3- قاعدة لا بطلان بدون ضرر

  لم يتضمن قانون الإجراءات المدنية القديم نصا صريحا بخصوص قاعدة "لا بطلان بدون ضرر"، واكتفت المادة 462 بالنص على أنه: "إذا كان البطلان أو عدم صحة الإجراءات المدفوع به ليس من النظام العام فيجوز للقاضي أن يمنح أجلا للخصوم لتصحيحه ويرجع أثر هذا التصحيح إلى تاريخ الإجراء المطعون فيه بالبطلان أو بعدم الصحة ". ولكن ورغم الفراغ القانوني، فإن المحكمة العليا كرست قاعدة" لا بطلان بدون ضرر"، إذ قضت في عدة قرارات أنه إذا لحق إجراء من الإجراءات ضررا للخصم أو لحقوق الدفاع،  فإنه يبطل حتى وإن كان العيب المتصل بهذا الإجراء هو عيب في الشكل فقط ( المحكمة العليا، الغرفة المدنية، قرار بتاريخ  16/03/193، قرار رقم 27427، منشور بمجلة الاجتهاد القضائي ،سنة 36 صفحة 36  ). وطبعا فإن تقدير الضرر من عدمه يرجع للقاضي ( المحكمة العليا ،الغرفة المدنية، قرار بتاريخ  09/06/1982، قرار رقم 24887، منشور بنشرة القضاة،سنة 1982،صفحة 158)

قانون الإجراءات المدنية والإدارية كرس في هذا المجال قضاء المحكمة العليا إذ أن المادة 60 أقرت صراحة مبدأ" لا بطلان بدون ضرر"إذ نصت أنه" لا يقرر بطلان الأعمال الإجرائية شكلا، إلا إذا نص القانون صراحة على ذلك وعلى من يتمسك به أن يثبت الضرر الذي لحقه ".

1-1-1-3- القاعدة تطبق على العيوب في الشكل

 حتى يقبل الدفع ببطلان الأعمال الإجرائية شكلا، يجب على من يتمسك به أن يثبت الضرر الذي سببه له العمل الإجرائي المطعون فيه. هل يجب إثبات الضرر إذا كان الإجراء المشوب بالبطلان هو إجراء جوهري أو من النظام العام؟ المادة 60 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية تشير إلى الأعمال الإجرائية شكلا دون تمييز، ومن ثمة فإنه يجب إثبات الضرر لقبول الدفع بالبطلان في الشكل، حتى إذا كان الإجراء الذي تم خرقه هو إجراء جوهري أو من النظام العام.وجود الضرر من عدمه يدخل في السلطة التقديرية للقاضي.

  أخذت المحكمة العليا بنظرية تكافؤ البيانات théorie des équipollents في مجال بطلان الإجراءات لعيب في الشكل، وتبعا لذلك فإنها رفضت البطلان المؤسس على إغفال بيان من البيانات المنصوص عليها قانونا إذا أمكن استنتاج هذا البيان من البيانات الأخرى التي يتضمنها السند (المحكمة العليا ،غرفة القانون الخاص.،قرار بتاريخ 06/02/1969، منشور بنشرة القضاة ، سنة 1969،عدد 3،صفحة 23.  ). ولكن إذا أوقع هذا الخرق مساسا بحقوق الدفاع، فإن المحكمة العليا أقرت بطلان الإجراء (المحكمة العليا، الغرفة المدنية، قرار بتاريخ  16/03/1983، قرار رقم 27427، منشور بمجلة الاجتهاد القضائي ،سنة 1986،صفحة 36).

نص قانون الإجراءات المدنية والإدارية صراحة عن قاعدة تكافؤ البيانات في الباب المتعلق بالأحكام إذ نصت المادة 283 أنه: "لا يترتب على إغفال أو عدم صحة أحد البيانات المقررة لصحة الحكم بطلانه، إذا ثبت من وثائق ملف القضية أو من سجل الجلسات أنه تم فعلا مراعاة القواعد القانونية".

تطبيقات المادة 60 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية التي تستلزم إثبات الضرر لإبطال الأعمال الإجرائية شكلا سيجعل اللجوء إلى نظرية تكافؤ البيانات عديم الفائدة في أغلب الحالات.

2-1-1-3- القاعدة لا تطبق على العيوب المتصلة بالموضوع

 الدفع ببطلان عقد غير قضائي أو إجراء بسبب عيب في الموضوع، يكون مقبولا دون اشتراط وقوع ضررا للخصم.

3-1-1-3 - صعوبات التمييز بين العيب من حيث الشكل والعيب من حيث الموضوع

  التمييز بين العيب من حيث الشكل والعيب من حيث الموضوع، لا سيما على مستوى توفر شرط الضرر من عدمه، قد يثير إشكالات عديدة. وبالفعل إنه من الصعب التمييز بين البطلان من حيث الشكل والبطلان من حيث الموضوع، ومن ثمة فمن السهل الانتقال من بطلان إلى آخر، وإعادة تكييف عيب من حيث الموضوع إلى عيب من حيث الشكل. وإمكانية إعادة التكييف هذه قد يشجع الجهات القضائية إلى الميل بصفة مفرطة نحو تكييف عيوب في الموضوع على أنها عيوب في الشكل تستلزم قيام الضرر لتصبح باطلة، وذلك بغرض تجنب أسباب البطلان.

4-1-1-3 موقف القضاء من بطلان الإجراءات

  إن قضاء المحكمة العليا حول مسألة التمييز بين أسباب البطلان لعيب في الموضوع ولعيب في الشكل يواكب ويتماشى مع النصوص الجديدة لقانون الإجراءات المدنية والإدارية من حيث أنه من جهة، ميز بين العيب في الشكل والعيب في الموضوع، ومن جهة أخرى ألزم توفر شرط الضرر لإقرار البطلان لعيب في الشكل.

وقد استقر قضاء المحكمة العليا على ترتيب البطلان على كل إجراء يشوبه عيب في الموضوع. فالأعمال التي يباشرها فاقد الأهلية هي أعمال باطلة وحتى الأعمال السابقة لقرار الحجر تبطل إذا أعيبت بالتدليس أو سوء النية ( المحكمة العليا، غرفة القانون الخاص، 29قرار بتاريخ/11/1967، نشرة القضاة، سنة 1968،عدد 1صفحة 36  ؛ الغرفة التجارية و البحرية، قرار بتاريخ 12/03/1983، قرار رقم 23713،  منشور بمجلة الاجتهاد القضائي، سنة 1986.، صفحة165). ونفس الجزاء يترتب على الأعمال باسم الموكل دون توكيل (المحكمة العليا، الغرفة الجنائية، 12/07/1966، نشرة العدالة،سنة 1966 – 1967،صفحة 327. ) وأما مخالفة المواعيد المحددة قانونا فيترتب عليها السقوط ( المحكمة العليا، غرفة القانون الخاص، 05/10/1966، مجلة العدالة،سنة 1966 – 1967،صفحة 384).

واعتبرت المحكمة العليا من المسائل الجوهرية، بعض الإجراءات رغم أن قانون الإجراءات المدنية القديم لم يرتب صراحة على مخالفتها البطلان. فسند تبليغ حكم يكون باطلا إن لم يكن هذا السند مرفقا بنسخة من الحكم، ومن ثمة لا يسرى به أجل الاستئناف ( المحكمة العليا،الغرفة المدنية،قرار بتاريخ 14/04/1982، قرار رقم 27437، نشرة القضاة،سنة 1982،صفحة 18). ويجب أن يرفع الاستئناف ضد من كانوا خصوما في الدرجة الأولى ( المحكمة العليا،الغرفة المدنية، قرار بتاريخ 30/03/1983، قرار رقم 30958، مجلة الاجتهاد القضائي ،سنة 1986، صفحة 21. ) مع أن عريضة الاستئناف المرسلة إلى رئيس المجلس القضائي على شكل رسالة تكون مقبولة إذا كان قد تم إيداعها بأمانة الضبط وتضمنت البيانات المقررة قانونا ولو بصورة موجزة ( المحكمة العليا،الغرفة المدنية، قرار بتاريخ 24/05/1982، قرار رقم 29159، مجلة الاجتهاد القضائي ،سنة 1986،صفحة 133.  )ويجب في كل القرارات، تحت طائلة البطلان، النص على أن المستشار المقرر قد تلا تقريره الشفهي ( المحكمة العليا،الغرفة التجارية و البحرية، قرار بتاريخ 20/11/1982، قرار رقم 26387، مجلة الاجتهاد القضائي،سنة 1986،صفحة 158. )كما أن طلب اعتراض الغير الخارج عن الخصومة يكون باطلا إذا كان غير مصحوبا بإيداع الكفالة المنصوص عليها في المادة 192 من قانون الإجراءات المدنية القديم ( المحكمة العليا،الغرفة المدنية ،قرار بتاريخ 09/06/1982، قرار رقم 24573، نشرة القضاة، سنة 1982،صفحة 147).

2-1-3- تصحيح الإجراءات

  إذا تم تصحيح الإجراء المشوب بالبطلان، ولم يبقى أي ضرر قائم بعد التصحيح، فإنه لا يقضي بالبطلان، وعندئذ فإن أثر هذا التصحيح يسري من تاريخ الإجراء المشوب بالبطلان (م. 62 ق.إ.م.إ.).

   نصت المادة 66 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية أنه لا يقضي ببطلان إجراء من الإجراءات القابلة للتصحيح، إذا زال سبب ذلك أثناء سير الخصومة. وقد يتعلق الأمر مثلا بتمثيل فاقد الأهلية.

يمكن تصحيح الإجراء المشوب بالبطلان إلى غاية صدور الحكم. ولكن هل يجوز تصحيح إجراء أثناء الاستئناف، مثلا تصحيح عريضة افتتاح دعوى مشوبة بالبطلان رغم صدور الحكم ولم يطرأ أي تصحيح في الدرجة الأولى؟ قانون الإجراءات المدنية والإدارية لم يعطي حلا للمسألة، ولكن قضاء المحكمة العليا يوحي بأن الإجراء الباطل أو الغير الصحيح يمكن تصحيحه لا فقط إلى وقت صدور الحكم، بل حتى على مستوى الاستئناف. ففي أحد قراراتها فإن المحكمة العليا ساندت قضاء مجلس قضائي تطرق لموضوع الدعوى رغم بطلان التكليف بالحضور مسببة قضائها على أن بطلان التكليف بالحضور لم يؤثر على الحكم المستأنف ( المحكمة العليا،غرفة القانون الخاص، قرار بتاريخ 25/9/1968، نشرة القضاة ، سنة 1969،عدد 1،صفحة 41. )

3 -2- إجراءات الدفع بالبطلان وأثاره   

  يخضع الدفع بالبطلان للقواعد العامة المطبقة على الدفوع، ولكن وباعتبار أن أعمال الإجراءات تباشر وتبلغ طوال سير الخصومة، فإن الدفع بالبطلان يخضع لبعض القواعد الخاصة تتسم بالمرونة.  

1-2-3- متى يجوز الدفع بالبطلان؟

 كما كان عليه الحال سابقا، يجب التمسك بالبطلان لعيب في الشكل بسرعة، وإلا اعتبر الخصم كأنه تنازل عن إثارته. وحسب نص المادة 61 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية: "يمكن إثارة الدفع ببطلان الأعمال الإجرائية شكلا خلال القيام بها، ولا يعتد بهذا الدفع إذا قدم من تمسك به دفاعا في الموضوع لاحقا للعمل الإجرائي المشوب بالبطلان دون إثارته". ولتفادي العوارض المتكررة، فإن المادة 50 من قانون الإجراءات المدنية  والإدارية  تنص على أنه: "يجب إثارة الدفوع الشكلية في آن واحد قبل إبداء أي دفاع في الموضوع، أو دفع بعدم القبول، وذلك تحت طائلة عدم القبول". وبشأن العيوب المتصلة بعقود التبليغ الرسمي فإن المادة 407 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية  تنص على أنه: "إذا لم يتضمن محضر التبليغ الرسمي البيانات المشار إليها أعلاه،يجوز للمطلوب تبليغه الدفع ببطلانه قبل إثارته لأي دفع أو دفاع".

  قلنا أن المادة 64 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية حددت على سبيل الحصر حالات بطلان العقود غير القضائية والإجراءات من حيث موضوعها، وهذه الحالات هي انعدام الأهلية في الخصوم وانعدام الأهلية أو التفويض لممثل الشخص الطبيعي أو المعنوي. في هذه الحالات فإنه يجوز إثارة البطلان لا فقط في أية حالة كانت عليها الدعوى، ولكن كذلك تلقائيا من طرف القاضي. فطبقا للمادة 65 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية: "يثير القاضي تلقائيا انعدام الأهلية، ويجوز له أن يثير تلقائيا انعدام التفويض لممثل الشخص الطبيعي أو المعنوي ".

2-2-3- ممن يقدم الدفع بالبطلان؟

 لا يجوز التمسك ببطلان الأعمال الإجرائية شكلا إلا لمن تقرر البطلان لصالحه ( المادة  63 من  ق.إ.م.إ). ويجب علاوة على ذلك على من يتمسك بهذا البطلان أن يثبت الضرر الذي لحقه (المادة  60 من ق.إ.م.إ) (  المحكمة العليا،الغرفة التجارية و البحرية، قرار بتاريخ 07/02/2007، ملف رقم 391372،   مجلة المحكمة العليا، سنة 2007،عدد 1،صفحة 351).وإذا كان عدم صحة العقد القضائي أو الإجراء مؤسس على بطلان من حيث الموضوع، ويخص انعدام الأهلية أو انعدام الأهلية أو التفويض لممثل الشخص الطبيعي أو المعنوي، فإنه يجوز لأي طرف إثارة البطلان بل يمكن للقاضي حتى إثارته تلقائيا( المادة 64 و 65 من ق.إ.م.إ). 

3-2-3 - ﺁثار البطلان

 مبدئيا فإن ﺁثار البطلان تقتصر على العمل الإجرائي المطعون فيه، ولكن قد يمتد البطلان ليشمل كل الإجراءات المنجزة على أساس العقد الذي أبطل. وأحيانا قد يكون الجزاء الذي يترتب على البطلان أكثر خطورة إذ يؤدي إلى سقوط الحق ذاته. فإذا أبطل عقد الاستئناف مثلا، فإن أجل الاستئناف يكون غالبا قد انقضى. وبطلان التكليف بالحضور قد يترتب عليه تقادم الدعوى وكذا سقوط الحق.

على ضوء ما سبق عرضه فلا شك أن الحكم محل هذا التعليق  المؤرخ في 05/02/2018  لم يميز  بين العيب في الشكل و العيب في الموضوع.فإذا كان العيب في الشكل يخضع فعلا كما رأينا  لأحكام المادة 60   من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية التي تقر قاعدتي لا بطلان بدون نص ولا بطلان بدون  ضرر فإن العيب في الموضوع  لا يخضع لهذين الشرطين سيما إن تعلق الأمر بعدم القبول. عدم احترام الإجراء المنصوص عليه في المادة 8-2  من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية الذي يفرض بنص صريح  تقديم ترجمة للوثائق المحررة باللغة الأجنبية يترتب عليه لا البطلان و لكن عدم القبول و من ثمة لا داعي للبحث عما إذا كان خرق هذا الإجراء قد سبب ضررا للخصم أم لا.إضفاء  طابع عدم القبول على عدم احترام هذا الإجراء يعني أن المشرع اعتبره لا فقط كإجراء جوهري و لكن كإجراء من النظام العام يجوز للقاضي إثارته من تلقاء نفسه.

و مع ذلك و بالنظر إلى طبيعة  إجراء إلزامية ترجمة الوثائق المحررة باللغة الأجنبية  الذي يختلف مثلا عن عدم القبول المترتب  عن انعدام الأهلية  أو عن فوات آجال طرق الطعن فإنه لا مانع في نظرنا  أن يتخذ القاص موقفا مرنا  في معالجة المسألة  فيمكنه مثلا   عوضا من أن يقضي آليا بعدم القبول منح أجل للطرف المعني بتقديم ترجمة للوثائق  التي قدمها و المحررة باللغة الأجنبية  أي  تطبيق أحكام المادة 62 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية . و لكن الحل الأمثل للتخفيف من الآثار  السلبية المترتبة عن إجراء ترجمة الوثائق المقدمة أمام القضاء  هو تدخل المشرع لتعديل أحكام المادة 8-2  من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية و  ذلك بإعطاء القاضي سلطة كاملة في تقدير نوع الجزاء المترتب  عن عدم الترجمة لا سيما منحه سلطة تطبيق المادة 62 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية.

الأستاذ براهيمي محمد

محامي لدى المجلس

حي سي لحلو ، البويرة،الجزائر

Brahimimohamed54@gmail.com

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الاستعجال - تدابير ضرورية

بتاريخ 28/02/2015 أصدررئيس المحكمة الإدارية بالبويرة  أمرا على عرضية يقضي بأمر رئيس البلدية بتسليم المدعي  نسخة من مداولة صادرة عن هذه البلدية٠

هذا الأمر له طابع متميز من أنه صدر عن رئيس الحكمة الإدارية بمفرده  بموجب  أمر على ذيل العريضة و دون اتباع الأشكال و القواعد  المطبقة في المواد الاستعجالية الإدارية لا سيما دون تبليغ العرضية للمدعى عليه و دون عقد جلسة.

الطلب الذي فصل فيه هذا الأمر  يرمي إلى إلزام البلدية بتسليم المدعي نسخة من وثيقة إدارية ( مداولة) فهذا الطلب تحكمه المادة  921 الفقرة 1 من  قانون الإجراءات المدنية و الإدارية التي تعالج مادة الاستعجال الاداري و بالأحرى تعالج أحد أنواع الاستعجال و هو الاستعجال- تدابير ضرورية .

قبل التعليق على هذا الأمر سنعرض الإجراءات و القواعد التي تحكم هذا النوع من الاستعجال الاداري.

مباشرة  دعوى الاستعجال- تدابير ضرورية

خلافا لقانون الإجراءات المدنية القديم فإن قانون الإجراءات المدنية و الإدارية  الجديد نظم بنوع من التدقيق الاستعجال في المواد الادارية. هذا القانون  ميز  بين خمسة انزواع من الاستعجال : الاستعجال الفوري،  الاستعجال في مادة إثبات الحالة ، الاستعجال في مادة تدابير التحقيق، الاستعجال في مادة التسبيق المالي و أخيرا الاستعجال في  المادة الجبائية.

سنقتصر في هذه الدراسة على  نوع من أنواع الاستعجال الفوري ألا و هو الاستعجال التحفظي أو ما يسمى كذلك الاستعجال – تدابير ضرورية  المنصوص عليه في المادة 921 الفقرة 1 من ق.إ.م.إ. التي هذا نصها " في حالة الاستعجال القصوى يجوز لقاضي الاستعجال،أن يأمر بكل التدابير الضرورية الأخرى  دون عرقلة تنفيذ أي قرار إداري ، بموجب أمر على عريضة و لو في غياب القرار الإداري المطعون فيه ". هذا النص هو نفسه النص الذي ورد في المادة 171 مكرر الفقرة 2 البند 3 من قانون الإجراءات المدنية القديم مع بعض الترتيبات.

المادة 921 الفقرة 1 من ق.إ.م.إ. تجيز إذا قاضي  الاستعجال و في حالة الاستعجال القصوى  و دون عرقلة تنفيذ أي قرار إداري  الأمر  " بكل التدابير  الضرورية " و بالأحرى " بكل التدابير الضرورية الأخرى" أي الغير  المشار إليها في  المادتين 919 و 920 من نفس القانون. أغلبية  الطلبات المقدمة على أساس هذا النص  ترمي إما للحصول على تبليغ قرارات أو وثائق إدارية  و إما الحصول على طرد شاغلي بدون سند لأملاك عمومية .و مع ذلك  فإن المادة قد تجد تطبيقات أخرى متنوعة و ذلك بالنظر إلى  الطابع الواسع للمصطلحات المستعملة في النص القانوني.

شروط  اللجوء للاستعجال- تدابير ضرورية

1- قبول دعوى  الاستعجال – تدابير ضرورية

الاستعجال- تدابير ضرورية هو  طعن مستقل  غير موجه ضد قرار إداري فقبوله لا يشترط  إثبات وجود دعوى مطروحة في الموضوع  كما لا يشترط تقديم قرار إداري. يجب على المدعي الذي يرفع طلبه على أساس المادة 921 الفقرة 1 من ق.إ.م,إ. أن يشير صراحة إلى هذا النص في عريضته و إلا اعتبر طلبه  كأنه طعن في الموضوع و يفصل فيه حينئذ على هذا الأساس.

حسب عبارات المادة 921 الفقرة 1 من ق.إم,إ.لا يجوز لقاضي الاستعجال المرفوع له الطلب "  عرقلة تنفيذ أي قرار إداري". فإذا كان طلب المدعي يرمي إلى  عرقلة تنفيذ قرار إداري فإنه يكون طلب غير مقبول و عدم القبول هذا يعد من النظام العام يقضي به القاضي من تلقاء نفسه.هذا لا يعني أنه لا يجوز طلب وقف تنفيذ قرار إداري  و لكن يجب فقط أن يقدم هذا الطلب في إطار النصوص الأخرى  التي تحكم القضاء الاستعجالي الإداري أي المادتين 919 و 920 من ق.إم,إ .

كما هو الشأن في كل الدعاوى يجب أن تكون للمدعي مصلحة في رفع دعواه ويجب كذلك للمدعي تحديد  هوية المدعى عليه. في المنازعات الإدارية، إذا استحال تحديد هوية الشخص أو الأشخاص اللذين احتلوا  بالقوة ملكية عمومية  ( مثلا المضربون الذين احتلوا مقر عملهم) و استحال للإدارة تحديد هوية المحتلين فإن القضاء  الإداري  يجيز رفع الدعوى دون تحديد هوية المدعى عليهم و لكن على شرط أن تقدم الإدارية المدعية محضرا صادرا عن محضر قضائي يعاين فيه رفض المحتلين الكشف عن هويتهم أو إذا تبين من الظروف أنه كان من المستحيل التعرف على هذه الهوية.

2- شروط  تدخل قاضي الاستعجال – تدابير ضرورية

الاستعجال المؤسس على المادة 921 الفقرة 1 من ق.إم,إ.  يستوجب توفر ثلاثة شروط : الاستعجال القصوى ، ضرورة التدبير و غياب منازعة جدية.الشرط الأول و الثاني منصوص عليهما صراحة في المادة 921 الفقرة 1 من ق.إم,إ.   و إما الشرط الثالث فإنه من  خلق القضاء.

أ- الاستعجال القصوى

لا يجوز للقاضي الاستجابة لطلب مؤسس على نص المادة 921 الفقرة 1من ق.إم,إ. دون مراقبة ما إذا كان شرط الاستعجال القصوى متوفر في هذا الطلب. تطبيقا للأحكام العامة للمادة 923 من ق.إم,إ.فإنه يرجع للمدعي إثبات توفر عنصر الاستعجال في التدبير الملتمس اتخاذه.عدم التسبيب الكافي أو التسبيب السطحي  لعنصر الاستعجال قد يترتب عليهما رفض الطلب.

النص يشترط " الاستعجال القصوى"  و ليس فقط " الاستعجال". أراد هنا المشرع الجزائري  حصر حالات الاستجابة إلى الطلبات الرامية إلى استصدار الأوامر التي تصدر بعنوان المادة 921 الفقرة من ق.إم,إ. على الحالات التي يكون فيها الاستعجال استثنائي بمعنى أنه يجب أن تكون الحالة  المرفوعة للقاضي من شأنها  أن تلحق ضررا  خطيرا و وشيكا للمصلحة العامة أو لوضعية المدعي أو للمصالح التي يدافع عليها.عند تقديره للاستعجال القصوى  فإن القاضي لا  يقتصر على الأخذ بعين الاعتبار وسائل و حجج المدعي فقط  و لكن يجب عليه كذلك الاطلاع و تقدير تلك التي يقدمها المدعى عليه و الرامية إلى استبعاد توفر عنصر الاستعجال .عنصر الاستعجال يؤخذ إذا في شموليته أي بأخذ بعين الاعتبار وضعية المدعي و وضعية المدعى عليه على حد سواء. فمثلا إذا قدم طلب  طرد شاغل ملكية عمومية فإن القاضي  سيقدر مصلحة المدعي  في  إخلاء الملكية العامة ( للمصلحة العامة) و مصلحة  المدعي عليه في البقاء بالأمكنة ( في مصلحته الخاصة).

الأمثلة للحالات  التي يكون فيها عنصر الاستعجال القصوى متوفر هي عديدة و متنوعة و مثال ذلك

-  إخلاء شاغلي  الأملاك العمومية بدون سند في حالة ما إذا كان الملك العمومي يتمثل في بناية آلية للانهيار  أو ببناية  تستوجب إجراء  عليها  أشغال أمنية.

- إخلاء مستأجر انتهت  مدة الإيجار المتفق عليها لتسليم العين المؤجرة للمستأجر الجديد.

-  طرد شاغل دون سند لمرفق عام إداري الذي يعيق السير الحسن و العادي لهذا المرفق أو إذا كانت الإدارة بحاجة  ماسة للبناية أو المحل  المشغولين  لاستغلالهما كمرفق عام أو للمصلحة العامة.

- طرد العون العمومي شاغل مسكن وظيفي بعد انتهاء علاقة العمل التي كانت سببا في شغله لهذا المسكن. و لكن إذا كان سبب طلب الإخلاء هو عدم شرعية  شغل المسكن الوظيفي الذي منح للعون دون إثبات الاستعجال فإن قاضي الاستعجال يكون غير مختصا فيجب حينئذ تقديم الطلب إلى الغرفة العادية.

- نزع منشأة  وضعت أو أنجزت على  الملكية العمومية سببت في عرقلة حركة المرور.

- تبليغ القرارات و الوثائق و الملفات الإدارية  إذا كان هذا التبليغ ضروري للحفاظ على حقوق المدعي أمام الجهات القضائية الإدارية  و كان بغرض  تقديم طعن قضائي ( مثلا طلب تبليغ الملف الإداري  الذي اتخذ  على أساسه  مدير الهيئة الإدارية  قرار تسريح المدعي - تبليغ الملف الإداري الذي اتخذ على أساسه الوالي  قرار رفض  فتح عيادة طبية - تبليغ الملف الإداري الذي اتخذ على أساسه قرار التوجيه المدرسي لاين المدعي).

-  وقف أشغال قامت بها مؤسسة  خاصة من شأنها إلحاق أضرار بالملكية العمومية  أو وقف أشغال قامت بها  الإدارية من شأنها الأضرار  بالبنايات المجاورة.

- أمر مالك  القطعة الأرضية  التي انتزعت للمنفعة العمومية بعدم التعرض لأشغال إنجاز طريق وطني  الجارية على هذه القطعة .

- أمر الإدارية بإجراء أشغال تدعيم مسكن مهدد بانهيار بعض أجزائه  بسبب تواجد منشأة عمومية بقربه.

 - إلزام المتعاقد مع الادارة بتنفيذ التزاماته التعاقدية . مثلا إلزامه بإرجاع ماكينات الأشغال العمومية التي حولها من الورشة إلى مكان آخر.

ب- ضرورة التدبير

يجب أن يكون التدبير الملتمس اتخاذه من القاضي الاستعجالي ضروري بالنسبة للمدعي. يجب أن يكون لهذا  التدبير فائدة عملية و إلا  لا يمكن اللجوء إلى قاضي الاستعجال.عادة فإن القاضي لا يميز بين عنصر الاستعجال و عنصر الضرورة . فالقاضي حينما يصدر أمره فإنه كثيرا ما يكتفي بعبارة  : " إن التدبير الملتمس اتخاذه يتسم بالطابع الاستعجالي و الضروري ". في مادة تبليغ القرارات و الوثائق الدارية فإن عنصر الضرورة أو الفائدة  يكون متوفرا إذا كان هذا التبليغ ضروري للسماح للمدعي برفع  دعواه أمام الجهة القضائية الإدارية. يجب أن تكون القرارات أو الوثائق الإدارية الملتمس تبليغها محل دعوى إدارية لاحقة فلو كان الغرض منها اللجوء إلى القضاء المدني فإن طلب التبليغ يكون غير مقبولا.

 كون طلب التبليغ يرمي إلى تمكين المدعي من مباشرة طعن أمام المحكمة الإدارية فإن هذا الطلب يجب أن يقدم أمام قاضي الاستعجال قبل رفع أي دعوى. إذا قدم الطعن أمام قاضي الموضوع  فإن عنصر الضرورة أو الفائدة ينتفي  لأنه في هذه الحالة يجوز للقاضي العادي المطروح أمامه الطعن أمر الإدارة بتبليغ أي مستند مفيد لحل النزاع و هذا في إطار صلاحياته العامة.

إذا رفع  الطلب الاستعجالي من طرف الإدارة فإن عنصر الضرورة ينتج من فقدان هذه الإدارة  للسلطة المقررة للشخص العمومي في إلزام الخواص. إذا طلبت الإدارة من القاضي اتخاذ تدبير لا يمكن لها اتخاذه من تلقاء نفسها فإن عنصر الضرورة يكون مبدئيا  قائما  و بالعكس فإن شرط الضرورة ينتفي إذا كان باستطاعة الإدارة إلزام الشخص بتنفيذ التدبير دون حاجة إلى اللجوء للقضاء. يتعلق الأمر هما بالقاعدة القضائية المعروفة التي تمنع الإدارة من اللجوء إلى القاضي الإداري لطلب اتخاذ تدبير يمكنها اتخاذه تلقائيا دون حاجة لاستصدار حكم من القاضي الاداري .ففي مجال التعمير و البناء مثلا فإن القانون أجاز رؤساء البلديات باتخاذ قرار هدم البنايات المنجزة فوضويا فلو طلبت البلدية من القاضي  الاسعجالي بداعي توفر عنصر  الاستعجال الأمر بهدم هذا  النوع من البنايات فإن الدعوى تكون غير مقبولة لانعدام الضرورة كون بإمكان البلدية  اتخاذ قرار الهدم دون اللجوء للقضاء.

دائما في مجال التعمير و البناء فإذا اشتكى  شخص  من مضايقات ناتجة عن بناية منجزة  على أساس رخصة بناء تم وقف تنفيذها  فإنه يمكنه  اللجوء إلى قاضي الاستعجال – تدابير ضرورية  لطلب أمر رئيس البلدية  باتخاذ التدابير التي يمليها قانون التعمير لجعل حد لهذه الأشغال.ضرورة التدبير تظهر هنا بالنظر إلى الفائدة العملية  التي يجنيها المعني من إقرار احترام قواعد البناء و التعمير.

ج- غياب منازعة جدية

في ظل قانون الاجراءات المدنية القديم  فإن النص الذي كان يحكم الاستعجال- تدابير ضرورية أي نص المادة 171 مكرر- 3 كان يمنع على قاضي الاستعجال " المساس بأصل الحق ". نظريا فإن هذا النص كان يمنع على قاضي الاستعجال  تقدير قانونية  القرارات الإدارية و تأسيس أمره على  اعتبارات تدخل في اختصاص قاضي الموضوع و مع ذلك فإن القضاء أدخل بعض المرونة على هذا المبدأ إذ أجاز قاضي الاستعجال الخوض في أمور قد تمس بالموضوع  و  قبول طلب  يمس بالأصل و لكن على شرك أن لا يصطدم ذلك بمنازعة جدية و مثال ذلك الأمر بطرد شاغل  محل  ما دام طلب الطرد لم يثر منازعة جدية.

قانون الإجراءات المدنية و الإدارية الجديد لم يبقي على  مبدأ " عدم المساس بأصل الحق" و من ثمة فإنه لا يجوز نظريا لقاضي الاستعجال  فرض هذا الشرط على المدعي. و مع ذلك و في انتظار موقف مجلس الدولة من المسألة نعتقد أن إلغاء شرط " عدم المساس بأصل الحق" سيترتب عليه لا محالة منح قاضي الاستعجال سلطة الفصل في مسائل قد لا تدخل في اختصاصه بل تدخل في اختصاص قاضي الموضوع كونها تستوجب مناقشة جدية  و معمقة للوسائل و الدفوع المثارة  في الدعوى.الأكيد أن قاضي الاستعجال في ظل نص المادة 921 الفقرة 1 من ق.إ.م.إ. يتمتع بسلطات واسعة  كونه لم يصبح مقيدا بقاعدة " عدم المساس بأصل الحق".

الحكم في الطلب

الطلب المقدم في إطار المادة 921 الفقرة  من ق.إم,إ. يخضع للقواعد الإجرائية السارية على كل أنواع الاستعجال.و لكن ما يميز التشريع الجديد أن قانون الاجرءات المدنية و الإدارية ينص في المادة 917  أنه " يفصل في مادة الاستعجال بالتشكيلة الجماعية المنوط بها البت في دعوى الموضوع ". من جهة أخرى لا يوجد أي نص يمنح لرئيس المحكمة الإدارية اختصاص في المواد الاستعجالية و هذا خلافا للتشريع القديم الذي اسند لرئيس الغرفة الإدارية وحده سلطة النظر و الفصل في القضايا الاستعجالية ( المادة 171 مكرر ق.إ.م.).فهل يعني ذلك أن الطلبات الرامية إلى استصدار تدابير ضرورية يجب أن تقدم و يفصل فيها دون استثناء من طرف التشكيلة الجماعية للمحكمة الإدارية ؟ أهمية الأمر موضوع هذا  التعليق يكمن في أنه اتخذ من طرف رئيس المحكمة و ليس من طرف التشكيلة الجماعية و هذا رغم عدم وجود أي نص يجيز ذلك.

لا شك أن اللجوء إلى قاضي فرد  هو ضروري لضمان الفصل السريع في الدعاوى الاستعجالية. اللجوء إلى التشكيلة الجماعية للفصل في الطلبات القضائية يكون مصدر لتمديد الخصومات. لذلك فإن إرادة  معالجة القضايا لا سيما القضايا الاستعجالية بسرعة و في آجال قصيرة هو الذي جعل معظم التشريعات  تلجأ إلى القضاء الفردي في القضايا الاستعجالية. و قد نتساءل عن الدافع الذي ترك المشرع الجزائري يتراجع عن القاضي الفرد في المنازعات الاستعجالية الإدارية  و تكريسه لقاعدة التشكيلة الجماعية في هذا النوع من المنازعات. قد يكون المقصود  هو  حمل الجهة القضائية على  الفصل في القضايا الاستعجالية بنوع من الجدية و التمعن و لكن في اعتقادنا فإن مساوئ  قاعدة إسناد القضايا الاستعجالية للتشكيلة الجماعية  عوضا من  إسنادها لقاضي فرد تفوق بكثير محاسنه.  كان بإمكان المشرع التخفيف من مساوئ  قاعدة قاضي الفرد  مثلا  بمنح قاضي الاستعجال صلاحية إحالة القضية المطروحة أمامه الى التشكيلة الجماعية إن  اعتبر  أن هذه القضية تثير إشكالات أو صعوبات خاصة.

الأمر محل هذا  التعليق حاول الاجتهاد في هذا المجال  و ذلك حينما فصل في طلب تبليغ وثيقة من طرف البلدية - و هو طلب يدخل في تعريف الاستعجال- تدابير ضرورية - لا بالتشكيلة الجماعية و لكن بالتشكيلة الفردية.و لكن هذا الأمر و كما سنرى ذلك لم يشرح  الأسباب و الحجج القانونية التي ارتكز عليها لمنح رئيس المحكمة الإدارية سلطة الفصل في الطلب مقام التشكيلة الجماعية  دون تحقيق و دون عقد جلسة.

الإجراءات التي تضمنتها النصوص التي تحكم الاستعجال الإداري و الواردة في قانون الاجرءات المدنية و الإدارية لا تتضمن إجراءات استثنائية بالنسبة لطريقة النظر و الفصل في قضايا الاستعجال المرفوعة في إطار المادة 921 الفقرة 1 من ق.إم,إ. بالعكس فإن المادة 917 أقرت مبدأ التشكيلة الجماعية و إما المادة 923 فإنها كرست قاعدة وجاهية الخصومة الاستعجالية.هذا و أن إجراء إحالة الملف  إلى محافظ الدولة المنصوص عليه في المادة 897 يكون مبدئيا واجب التطبيق حتى في القضايا الاستعجالية ما دام لا يوجد نص صريح  يلغي هذا الإجراء. التطبيق الحرفي لهذه النصوص سيؤثر على السرعة في  الفصل علما أن فائدة اللجوء إلى القضاء الاستعجالي هو بالذات محاولة الحصول على قرار قضائي في اقرب الآجال.

رغم الفراغ القانوني فإننا نعتقد أن اللجوء إلى رئيس المحكمة الإدارية عوضا من التشكيلة الجماعية لا يعارض روح قانون الإجراءات المدنية و الإدارية  و لكن فقط  بالنسبة لبعض المواد الاستعجالية كمادة الاستعجال – إثبات حالة النصوص عليها في المادة 939 من ق.إ.م.إ. و  التي ينحصر فيها دور القاضي الاستعجالي على تعيين خبير أو محضر قضائي لمعاينة وقائع مادية محضة .هذا النعي مؤسس على كون المادة  310 و ما يليها من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية التي  نظمت إجراءات الأوامر على العرائض وردت في الباب الأول من هذا القانون  المعنون " الأحكام المشتركة  لجميع الجهات القضائي". فهذه الأحكام تطبق مبدئيا أمام  الجهات القضائية الإدارية .لا يمكن في نظرنا توسيع مجال  تدخل رئيس الجهة القضائية الإدارية بصفة فردية  إلى المواد الاستعجالية الأخرى و هذا لسبب بسيط و هو  أن قاعدة الفصل في القضايا الاستعجالية بالتشكيلة الجماعية هي قاعدة عامة  لا يجوز استبعاده إلا إذا وجد نصا صريحا.

لذلك نعتقد أن الأمر على عريضة  الصادر عن رئيس المحكمة الإدارية بالبويرة و القاضي بإلزام البلدية  بتبليغ وثيقة إدارية للمدعي الكل دون اتباع الإجراءات المقررة قانونا لا سيما غياب الوجاهية و عدم عقد جلسة و عدم إحالة الملف لمحافظ الدولة  يثير ملاحظات .

التعليق عل الأمر على عريضة

1- الوقائع

بتاريخ 11/02/2015 قدم  المدعين و عددهم 13  إلى رئيس المحكمة الإدارية بالبويرة طلب التمسوا  فيه  أمر رئيس بلدية البويرة بتسليمهم نسخة من مداولة المجلس الشعبي البلدي التي تتضمن قائمة المرحلين خلال سنة  1994 المستفيدين من القطع الأرضية الواقعة بتجزئة 212  بحي أولاد بوشية البويرة .

المدعون برروا طلبهم  بكونهم مستفيدين بقطع أرضية رفضت البلدية تسوية وضعيتها و أن الوكالة الولائية للتسيير و التنظيم العقاريين الحضريين لولاية البويرة التي حلت محل البلدية في مجال التصرف في عقارات البلدية اشترطت منهم إحضار نسخة من المداولة ليتسنى لها دراسة طلب التسوية.

رئيس المحكمة الإدارية استجاب لهذا الطلب  و سبب أمره  كما يلي :

" بعد الاطلاع على العريضية المقيدة بتاريخ 11/02،/2015 الحاملة لرقم 45/2015

حيث أنه من المقرر قانونا و طبقا للمادة 939 من ق.إ.م.إ. أعلاه أنه يجوز للقاضي الاستعجالي ما لم يطلب منه أكثر من إثبات حالة الوقائع بموجب أمر على عريضة و لو في غياب قرار إداري مسبق أن يعين خبيرا ليقوم بدون تأخير بإثبات حالة الوقائع التي من شأنها أن تؤدي إلى نزاع أمام الجهة القضائية.

حيث أن الطلب يجد أساسه في نص المادة 939 من قانون الاجراءت المدنية و الإدارية بعد ثبوت قيام مصلحة الطالبين بناءا على الوثائق المرفقة بعريضة طلبهم مما يتعين الاستجابة لهم.

لهذه الأسباب

نأمر رئيس  المجلس الشعبي البلدي لبلدية البويرة بتسليم المدعين في الطلب نسخة من مداولة....".

2- التعليق

موضوع طلب المدعين يرمي إلى إلزام البلدية بتبليغهم بنسخة من مداولة .الأمر يتعلق إذا بطلب اتخاذ تدبير ضروري فلو قدم هذا الطلب على شكل عريضة مرفوعة أمام قاضي الاستعجال فإن النص الذي كان يجب تطبيقه هو النص الذي سبق شرحه أي  المادة 921 الفقرة 1 من ق.إم,إ. الذي يحكم مادة الاستعجال – تدابير ضرورية.

الأمر محل التعليق استجاب للطلب ارتكازا على أحكام نص المادة 939 من ق.إم,إ. فيما أن هذا النص يتعلق بمادة إثبات الحالة. هذا النوع من الاستعجال أي الاستعجال- إثبات حالة له قواعده و إجراءاته الخاصة لا علاقة لها مع  الطلبات الرامية إلى إلزام الادارات بتبليغ قراراتها  أو وثائقها الإدارية.الاستعجال المنصوص عليه في المادة 939  موضوعه  " إثبات حالة الوقائع " .و مثال ذلك تعيين خبير أو محضر قضائي  لوصف حالة طريق في المكان الذي وقع فيه حادث مرور أو وصف حالة بناية  تضررت من تسربات المياه بداخلها أو وصف حالة مركبة بعد تعرضها لاصطدام ...

الاستعجال – إثبات الحالة و خلافا للاستعجال – تدابير ضرورية لا يستوجب توفر عنصر الاستعجال و هذا هو الفرق الأساسي بين المادتين. قبول طلب إثبات حالة يستلزم فقط إثبات فائدة التدبير المطالب به .

كون الطلب  المرفوع إلى رئيس المحكمة عن طريق عريضة كان يرمي إلى  إلزام البلدية بتسليم نسخة من مداولة أي طلب يخضع للمادة 921 الفقرة 1 فإن تقديمه أمام رئيس المحكمة الإدارية على شكل عريضة و ليس أمام قاضي الاستعجال في شكل عريضة افتتاح دعوى  يكون غير مقبولا. و حتى في افتراض أن هذا الطلب قدم على شكل عريضة استعجالية فإنه يبقى  طلبا غير مقبولا  لأنه و كما سبق شرحه كان على المدعين  إثبات توفر عنصر الاستعجال القصوى في الطلب الملتمس اتخاذه و من جهة أخرى كان عليهم عرض الأسباب التي تجعل التدبير المطالب به أي تبليغ المداولة تدبير له فائدة  و أن هذه المداولة ضرورية لتقديم طعن  أمام الجهة القضائية الإدارية.

ضمان التعرض

عـــرض: تعليق على قرار صادر عن مجلس قضاء البويرة بتاريخ 18/10/2010 حول ضمان التعرض . المسألة التي طرحت على قضاة مجلس قضاء البويرة  تخص معرفة ما إذا كان الشخص الذي اشترى عقار بعقد غير مكتمل (عقد غير مشهر) أعاد البائع بيعه إلى مشترى ثان و قام هذا الأخير بشهر عقده محق في الرجوع مباشرة ضد البائع عن طريق دعوى ضمان أصلية  لطلب التعويض عن فقدان المبيع .

 القرار محل التعليق

الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية

باســم الشعــب الجزائــري

وزارة العدل

مجلس قضاء البويرة                                                                  قــــــــرار

الغرفــــة المدنيــــــة

 

رقم القضية: 1404/10

رقم الفهرس: 01919/10

جلسة يوم: 18/10/10   

 

إن مجلس قضاء البويرة بجلسته العلنية المنعقدة بقاعة الجلسات لقصر العدالة في الثامن عشر من شهر أكتوبر سنة ألفين وعشرة .

برئاسة السيد : خبيزي عيشوش                                    رئيسا مقررا

وبعضوية السيد : بورنان عبد الرحمان                           مستشارا

وبعضوية السيد : غناي راضية                                    مستشارا

وبمحضر السيد : لكفيف طاهر                                     نائب عام

وبمساعدة السيد : أكساس عومارية                                أمين ضبط

صدر القرار الآتي بيانه في القضية المنشورة لديه تحت رقم 1404/10 :

بيــن:

ز. ر .  .........................    مستأنف

المباشر للخصام بواسطة الأستاذ : براهيمي محمد محامي  لدى المجلس.

 

                                                                                                    من جهة

وبيــن:

ع . ف........................... مستأنف عليه

 

مبلغ ــ غائب

                                                                                               من جهة أخرى

بيـــــــان وقائـــــع الدعــــــوى

 

   يستفاد من ملف الإجراءات ، انه بموجب عريضة افتتاحية ، مودعة أمانة ضبط المحكمة ، بتاريخ 25/01/2010 ، تحت رقم 232/2010 ، أقام المدعي  ز.ر. بواسطة دفاعه ، دعوى مدنية ، أمام محكمة البويرة ، ضد المدعى عليه ع. ف. التمس من خلالها تعيين خبير مختص في العقارات ، للانتقال إلى القطعة الأرضية المشمولة بعقد البيع المؤرخ في 23/02/1995 المعد من طرف الموثق حركات اعمر والكائنة بالبويرة بالمكان المسمى ذراع البرج ، وتقييمها نقدا على أساس الأسعار المتداولة في سوق العقارات لمدينة البويرة ، وإبقاء المصاريف القضائية محفوظة ، وجاء في شرح أقواله ، أن المدعى عليه وعن طريق وكيله ع.ع. باع له القطعة الأرضية المنوه عنها أعلاه ، ذات مساحة 393,96م2 ، وأفرغ البيع في عقد توثيقي مسجل بالبويرة بتاريخ 06/03/1995 ، ولما قرر مؤخرا استغلالها ، ظهر أن شخصا أجنبيا شرع في انجاز بناية عليها ، حسب محضر المعاينة المحرر بتاريخ 11/01/2010 ، وبعد الاستفسار ، تبين له وأن المدعى عليه قد أعاد بيع القطعة الأرضية السالفة الذكر إلى شخص أخر ، ثم اتصل به ، ووجه له عدة اعذارات بغرض تعويضه من أجل ذلك ، دون جدوى ، مما اضطره إلى مرافعته بهذه الدعوى ، والحال أن عقد البيع الذي تم بعقد توثيقي مسجل ، قد رتب في ذمة البائع التزامات ، لاسيما منها ضمان عدم التعرض له في الانتفاع بالمنيع وفقا للمادة 371 من القانون المدني ، وعليه بما أن هذا الأخير قام ببيع نفس القطعة لشخص أخر ، وبموجب عقد مشهر ، ورغم أنه هو الأسبق في الشراء ، إلا أنه لا يمكنه منازعة المشتري الثاني في ملكيته لهذه القطعة ، كونه يحوز عقد بيع مشهر ، وهو الإجراء الذي لم يتمكن هو من إتمامه ، مما أضحى في هذه الحالة ، محقا في الرجوع بالضمان على المدعى عليه البائع ، طبقا للمادتين 371 ، 375 من القانون المدني ، وأن التعويض يشمل قيمة المبيع وقت الاستحقاق ، أي وقت نزع اليد الذي يصادف تاريخ رفع الدعوى ، إضافة إلى التعويض عما لحقه من ضرر وما فاته من كسب ، بسبب نزع اليد عن المبيع ، وأن تقييم تلك الأضرار ، يستلزم اللجوء إلى خبرة مختصة ، في حين أن المدعى عليه تغيب على مستوى المحكمة ، ولم يجب عن الدعوى .

         وبتاريخ 01/04/2010 ، أصدرت المحكمة تحت رقم الفهرس 1391/2010 ، حكما علنيا ، حضوريا اعتباريا ، في أول درجة ، بقبول الدعوى شكلا في الموضوع رفضها لعدم التأسيس ، وتحميل المدعي ز.ر. المصاريف القضائية .

         وبموجب عريضة مودعة أمانة ضبط المجلس ، بتاريخ 09/06/2010 ، تحت رقم الجدول 1404/2010 ، طعن المدعي المذكور ز.ر. بواسطة دفاعه ، عن طريق الاستئناف في ذلك الحكم ، ملتمسا من حيث الشكل قبول طعنه لوروده ضمن الأوضاع المقررة قانونا ، ومن حيث الموضوع إذ بعد التذكير بذات الوقائع التي تم سردها أنفا ، راح يدفع متمسكا بكون طلبه يرمي إلى التعويض عن رفض المستأنف عليه ( البائع) تنفيذ عقد البيع و تعيين خبير لتحديد ذلك التعويض ، ومن ثمة ، فان قاضي الدرجة الأولى لما رفض طلبه بحجة أن عقده غير مشهر ، وبالتالي غير ناقل للملكية طبقا للمادة 793 من القانون المدني ، وأن حق الرجوع في الضمان مقرر وفقا لها ، للمشتري الذي انتقلت إليه الملكية بعقد رسمي مشهر ، لم يميز بين الدعوى الرامية إلى تثبيت الملكية العقارية ، ودعوى الاستحقاق ، أو دعوى التعويض عن عدم تنفيذ البائع لالتزاماته بالقيام بكل ما هو لازم لنقل الملكية طبقا للمادتين 361 ، 375 من القانون المدني ، وكانت هي ذي موضوع دعواه ، والتي تعني الالتزامات الأساسية الملقاة قانونا على البائع ، وعليه ، كان يتعين على قاضي الدرجة الأولى البحث فقط فيما إذا كان البائع قد أخل بالتزاماته ، لاسيما الالتزام بما من شأنه ضمان حسن سير إجراءات تسجيل وإشهار عقد البيع ، وفي قضية الحال ، فالثابت من محضر المعاينة المعد بتاريخ 11/01/2010 أن القطعة الأرضية التي اشتراها ، أعيد بيعها لشخص أخر بموجب عقد بيع مشهر ، وأن المشتري الجديد شرع في البناء عليها ، وبالتالي ، فان عدم تسلمه للقطعة الأرضية راجع لفعل البائع ، الذي تعمد إعادة بيعها لشخص أخر ، مما يجعله مسئول بحكم المادتين 371 ، 375 من القانون المدني  عما تسبب له فيه من أضرار ، لاسيما وانه قبض ثمن المبيع ، وبما أن المسألة تتعلق بحالة استحقاق كلي أو بنزع اليد الكلي ، باعتباره فقد كلية الانتفاع بالقطعة التي اشتراها ، فان حقه في التعويض يقوم على أساس العناصر المنصوص عليها بالمادة 375 من القانون المدني ، مما يستوجب اللجوء بشأنه إلى خبرة متخصصة ، وعليه يلتمس التصدي للحكم المستأنف الصادر عن محكمة البويرة (القسم المدني) بتاريخ 01/04/2010 رقم الجدول 0232/10 ورقم الفهرس 1391/10 بالإلغاء ، والقضاء من جديد ، وقبل الفصل في الموضوع ، بتعيين خبير مختص في العقارات ، لمعاينة القطعة الأرضية محل النزاع ، المشمولة بالعقد التوثيقي المحرر بتاريخ 23/02/1995 ، وتقييمها نقدا على أساس الأسعار المتداولة في سوق العقار لمدينة البويرة ، وإبقاء المصاريف القضائية محفوظة ، في حين أن المستأنف عليه تغيب على مستوى الاستئناف ، ولم يجب عن الدعوى ، رغم ثبوت استدعائه بصفة قانونية ، وعندئذ ارتأى المجلس تحديد جلسة 04/10/2010 ، كأجل ، لإيداع التقرير بأمانة ضبط الغرفة المدنية ، وهو الإجراء الذي تم فعلا ، وبذات التاريخ ، حسب محضر الإيداع المعد في هذا الصدد من طرف أمينة الضبط طبقا للمادة 546 ق.ا.م ثم أجلت القضية للمرافعة لجلسة 11/10/2010 وبها تغيب كلا الطرفين ومحامي المستأنف ، وبالتالي لم تبد أية ملاحظات حول التقرير بعد تلاوته من طرف العضو المقرر ، وبعد إقفال باب المرافعات ، وضعت في المداولة لجلسة 18/10/2010 أين تم الفصل فيها مع تعيين النطق بالقرار في ذات التاريخ ، علنية بالجلسة ، وبنفس التشكيلة التي حضرت المرافعة ، والمداولة وفقا للمواد 269 ، 548 ، 549 ، 550 ، 551 ، 554 ق.ا.م  على النحو التالي :

وعليه فإن المجلس

بعد الاطلاع على المواد 537 ،537  ،538، 539 ، 540، 541، 542 ق ا م

بعد الاطلاع على المواد 08، 10، 21، 546، 547، 548 ق ام

بعد الاطلاع على أحكام المادتين 373، 375 من القانون  المدني.

بعد الاطلاع على عريضة الاستئناف ، والنسخة المطابقة لأصل الحكم المستأنف

بعد تحديد جلسة 04/10/2010 ، كأجل لإيداع التقرير بأمانة ضبط الغرفة المدنية

بعد تلاوته من طرف ، السيدة خبيزي عيشوش ، أثناء جلسة المرافعات التي حددت لأجل 11/10/2010 .

بعد إقفال باب المرافعات ، وضعت القضية في المداولة لجلسة 18/10/2010 ، مع تعيين النطق بالقرار علنية في ذات التاريخ ، وبنفس التشكيلة لتي حضرت المرافعة والمداولة ، وفقا للمواد 269 ، 548، 549 ، 550 ، 551 ، 554 ق ا م .

وحيث أن ز.ر. يطعن بواسطة دفاعه ، عن طريق الاستئناف ، في الحكم المدني الصادر عن محكمة البويرة بتاريخ 01/04/2010 تحت رقم الفهرس 1391/2010 ملتمسا إلغاءه والتصدي من جديد بتعيين خبير .

وحيث و حاول تبرير ذلك على أساس أحكام المادتين 371 ، 375 من القانون المدني ، وبحجة أنه لا يطالب بالملكية العقارية ، وإنما بالتعويض عن عدم تنفيذ البائع لالتزاماته طبقا للمادة 361 القانون المدني .

وحيث أن المستأنف عليه ع.ف. تغيب على مستوى الاستئناف ، ولم يجب عن الدعوى .

لكن حيث مادام الثابت من محضري التبليغ المؤشر عليهما من طرف المجلس تحت الرقمين (01) و (02) أنه تم تبليغه عن طريق التعليق .

فحيث يراه المجلس تبليغا صحيحا بمفهوم المادة 412 ق.ا.م ويقضي في غيبته عملا بالمادة 292 ق.ا.م .

فمن حيث الشكل:

حيث أن الاستئناف الحالي رفع بموجب عريضة ، جاءت مستوفية للشروط المنصوص عليها بالمواد 08 ، 10 ، 538 ، 539 ، 540 ، 541 ، 542 ق.ا.م .

وحيث و ذلك ، من حيث التداعي أساسا بالكتابة وباللغة العربية الرسمية ، وتمثيل المستأنف بمحام وتضمين العريضة جميع البيانات الضرورية ، وإيداعها مرفقة بنسخة مطابقة لأصل الحكم المستأنف ، وتبليغها للخصم .

وحيث لا يوجد بالملف ما يفيد تبليغ الحكم المنوه عنه أعلاه .

وحيث مما يجعل آجال الطعن فيه بالاستئناف ، لا تزال مفتوحة .

وحيث ومنه ، يصبح هذا الطعن المسجل بتاريخ 09/06/2010 واردا ضمن الميعاد المحدد بالمادتين 336 ، 405 ق.ا.م .

وحيث ويتعين بذلك ، التصريح بقبوله من هذه الناحية .

ومن حيث الموضوع

حيث إذن ، فان موضوع النزاع حسب الطلب الأصلي ، ينصب حول دعوى التعويض مقابل نزع اليد الكلي عن المبيع ، وفقدان الانتفاع بالقطعة محل الشراء .

وحيث وهي الدعوى التي التمسها المدعي - ابتداء - عن طريق المطالبة بتعيين خبير لمعاينة القطعة الأرضية محل النزاع ، وتقييمها نقدا ، على أساس السعر المتداول في السوق .

وحيث الثابت من خلال عقد البيع المحرر لدى مكتب التوثيق للأستاذ عمر حركات موثق بالبويرة بتاريخ 23/02/1995 تحت رقم 140/1995 وأن المستأنف الحالي ز.ر. اشترى من لدن المستأنف عليه ع.ف. قطعة أرض صالحة للبناء ذات مساحة 393,96م2 مقتطعة من مساحة أكبر ، تقع بالبويرة ، ذراع البرج .

وحيث ذلك ، مقابل ثمن إجمالي قدره 97000,00 دج سبعة وتسعون ألف دينار .

بحيث جاء في العقد المذكور- تحت بند الثمن - انه تم إيداعه ، بحساب المكتب بخزينة الولاية من طرف المشتري ، ليتسلمه البائع بعد الانتهاء من كل الإجراءات القانونية ، والتنظيمية اللازمة .

وحيث صحيح ، انه عند مراجعة مضمون عقد البيع المنوه عنه أعلاه ، لا توجد به ، أيه إشارة تفيد انه تم إشهاره .

وحيث وحتى أن المستأنف ذاته يدفع بعدم إشهاره .

لكن حيث من المبادئ المقررة قانونا ، أن عبء الإثبات يقع على المدعي .

وحيث ومن ثمة ، فان هذا الأخير لم يقدم ما يثبت أن المدعى عليه (المستأنف عليه) تصرف فعلا ببيع نفس القطعة الأرضية إلى شخص أخر .

وحيث أن هذا الادعاء ، بقي مجرد زعم ، غير مدعم بما يثبت صحته .

فحيث أن محضر المعاينة الذي اكتفى بالاستشهاد به ، والمعد بتاريخ 11/11/2010 لا يثبت سوى وقائع مادية بحتة ، تتمثل في معاينة بناية على وشك الانتهاء من انجازها .

وحيث مما لا يمكن بأية حال ، أن يرقى مرتبة دليل الإثبات المستوجب قانونا في مجال التصرفات التي ترد على العقار .

وحيث أضف إليه ، فان المستأنف بني دعواه ، على نصوص قانونية مختلفة .

فحيث أن نطاق تطبيق المادة 361 القانون المدني ، يتعلق بالالتزامات الملقاة على البائع ، التي تحكمها المواد 106 ، 107 ، 119 القانون المدني ، في حالة إخلاله بها .

وحيث بينما المادتين 371 ، 375  من القانون المدني ، فأنهما تعنيان الرجوع بالضمان على البائع ، في حالة نزع اليد كليا ، أو جزئيا .

وحيث أي بالأحرى ما يسمى قانونا ، بدعوى الاستحقاق .

وحيث وأن تطبيقها ، حسب مضمونها ، يقتضي أن تكون هناك دعوى قائمة من طـرف الغير ، ضد المشتري ، والتي يدعي فيها الأحقية على العقار .

وحيث مع وجوب إخبار البائع بدعوى الاستحقاق كما تقتضيه المواد 372 ، 373، 374 من القانون المدني ، حتى يتسنى الرجوع عليه بدعوى الضمان .

وحيث علاوة عليه ، فان الضمانات المنصوص عليها في المادتين 371 ، 375 القانون المدني المتذرع بهما ، مقررة لصالح المشتري الذي انتقلت إليه الملكية عن طريق استنفاذ إجراءات الشهر ، كما تقتضيه المادة 379 القانون المدني .

وحيث وفي غياب هذا الإجراء ، فانه لا يمكن الادعاء بصفة المالك ، أو التمسك بالضمانات التي يقررها القانون للمالك .

وحيث لذا يراها المجلس - بهذه الكيفية- دعوى غير مؤسسة قانونا ، كما انتهت إليه المحــكمة ، من واقع حكمها المستأنف .

وحيث مما يجعل هذا الاستئناف غير مبرر .

وحيث ويتعين رفضه ، وبالتبعية التصريح بتأييد الحكم المستأنف في جميع مقتضياته .

وحيث أن المصاريف القضائية تلقى على عاتق من خسر دعواه ، عملا بمقتضى المادة 419 ق.ا.م .

لهــــــــــــــــــذه الأسبــــــــــــاب

قرر المجلس علنيا ، غيابيا ، نهائيا .

في الشكل : قبول الاستئناف .

في الموضوع : تأييد الحكم المدني ، المستأنف فيه ، الصادر عن محكمة البويرة ، بتاريخ 01/04/2010 تحت رقم الفهرس 1391/2010 وتحميل المستأنف ز.ر. المصاريف القضائية .

___________________________

 

السيد ع. ف. باع للسيد ز. ر. قطعة أرضية مهيأة للبناء تقع بالبويرة ذات مساحة 393,96م2 وقد أفرغ هذا البيع في عقد توثيقي مؤرخ في 29/02/1995 مسجل لدى المحافظة العقارية بالبويرة بتاريخ 06/03/1995 ولكنه غير مشهر .

حينما قرر المشتري استغلال القطعة الأرضية التي اشتراها وبناء مسكن عليها فانه وجد في عين المكان شخصا أجنبيا شرع في انجاز بناية على نفس القطعة وعند الاستفسار أجابه هذا الشخص  بأنه اشترى هذه القطعة من لدن نفس البائع السيد ع .ف. متذرعا بعقد بيع مسجل ومشهر .

المحضر القضائي الذي انتقل إلى عين المكان بطلب من المشتري عاين وجود فعلا بناية حديثة على وشك الانتهاء منها ذات طابق أرضي وثلاثة طوابق مقامة على نفس لقطعة الأرضية التي اشتراها ز.ر.

السيد ز. ر. وجه عدة إنذارات للبائع لمسائلته عن واقعة إعادة بيعه للقطعة الأرضية دون أن يتلقى جوابا .

السيد ز. ر. رفع دعوى ضمان المبيع ضد البائع السيد ع. ف. أمام محكمة البويرة التمس فيها الحكم على البائع بتعويضه طبقا لأحكام المادة 375 من القانون المدني و بتاريخ 01/04/2010  صدر حكم غيابي قضى برفض الدعوى لعدم التأسيس .

السيد ز.ر. رفع استئناف ضد الحكم المؤرخ في 01/04/2010   وبموجب قرار غيابي مؤرخ في18/10/2010 أيد مجلس قضاء البويرة الحكم المستأنف .

مجلس قضاء البويرة رفض الدعوى لعدم التأسيس لعدة أسباب و هي .

أولا: السيد ز.ر. المستأنف لم يقدم ما يثبت تصرف البائع في نفس القطعة لصالح شخص ثان وأن محضر إثبات الحالة المحتج به لا يثبت سوى وقائع مادية ولا يرقى إلى مرتبة الدليل عن التصرف الذي وقع على العقار محل البيع .

ثانيا: أن السيد ز. ر. المستأنف أسس دعواه على نصوص قانونية مختلفة إذ من جهة أشار إلى المادة 361 من القانون المدني التي تتعلق بالتزامات البائع ومن جهة أخرى أشار إلى المادتين 371 و 375 من نفس القانون المتعلقتين بالرجوع بالضمان على البائع في حالة نزع اليد الكلي أو الجزئي .

ثالثا: أن دعوى الرجوع بالضمان ضد البائع المنصوص عليها في المادتين 371 و 375 من القانون المدني تستوجبان أن تكون هناك دعوى قائمة من طرف الغير ضد المشتري وأنه كان يجب إخبار البائع بدعوى الاستحقاق حتى يتسنى الرجوع عليه بدعوى الضمان وهذا ما لم يقع في الدعوى حسب رأي المجلس .

رابعا: الضمانات المنصوص عليها في المادتين 371 و 375 من القانون المدني مقررتين لصالح المشتري الذي انتقلت إليه الملكية عن طريق استنفاذ إجراءات الشهر طبقا للمادة 379 من القانون المدني فيما أن المستأنف ز.ر. حسب رأي المجلس لم يكتمل هذا الشرط إذ استظهر عقد بيع غير مشهر .

 المسألة القانونية الجوهرية التي يثيرها هذا القرار هي مسألة ضمان المشتري من التعرض في حيازته للمبيع وشروطه . سنتطرق إلى المبادئ التي تحكم ضمان التعرض ( I ) ثم  سنعلق على القرار (II).

I  ــ  ضمان التعرض

تنص المادة 371  من القانون المدني على ما يلي:" يضمن البائع عدم التعرض للمشتري في الانتفاع بالمبيع كله أو بعضه سواء كان التعرض من فعله أو من فعل الغير يكون له وقت البيع حق على المبيع  يعارض به المشتري. و يكون البائع مطالبا بالضمان و لو كان حق ذلك الغير قد ثبت  بعد البيع و قد ﺁل إليه هذا الحق من البائع نفسه ". البائع إذا يكون ملزما بأن يضمن للمشتري الحيازة الهادئة للمبيع وحمايته ضد أي مساس بهذه الحيازة سواء كان صادرا منه أو صادرا من الغير و حمايته في حالة الإخلال بواجب نقل الملكية للمشتري.

و الالتزام المفروض على البائع مزدوج : لا يجوز للبائع التعرض شخصيا للمشتري في الانتفاع بالمبيع ؛ إنه ضمان التعرض الشخصي ( 1 ) . يجب كذلك على البائع أن يمنع الغير التعرض لملكية المشتري ( 2 ).

1 ــ ضمان التعرض الشخصي

يجب على البائع الامتناع عن أي فعل أو عمل يحول دون انتفاع المشتري بالمبيع كله أو بعضه (م.371 من القانون المدني) . وهذا الالتزام بضمان التعرض الشخصي من جوهر وطبيعة عقد البيع فلا يلزم لوجوده شرط خاص يدرج في العقد ، فالمشتري يستفيد بهذا الضمان بقوة القانون .

أ ــ موضوع ضمان التعرض الشخصي

يجب على البائع الامتناع عن أي عمل ينشأ منه تعرض لانتفاع المشتري بالمبيع كله أو بعضه سواء كان هذا التعرض ماديا أو قانونيا .

التعرض المادي يكون بأي فعل يعكر به البائع ملكية أو حيازة المشتري دون الاستناد إلى أي حق يدعيه على المبيع . ومثال ذلك البائع الذي يعتدي على حدود القطعة الأرضية التي باعها عند استغلاله لملكية تابعة له مجاورة للعقار محل البيع ، أو كذلك البائع الذي يضايق المشتري في استغلال المبيع دون وجه حق .

التعرض القانوني هو أن يستعمل البائع حق ادعاه على المبيع وكان ذلك يؤدي إلى نزع المبيع من يد المشتري . ومثال ذلك أن يتمسك البائع بملكيته لحق ارتفاق أو لحق انتفاع على المبيع .

ب ــ جزاء الالتزام بضمان التعرض الشخصي

جزاء هذا الالتزام هو الكف عن التعرض لانتفاع المشتري بالمبيع والتعويض عن الأضرار التي سببها هذا التعرض وقد يظهر في أشكال متنوعة .

 إذا تعلق الأمر بتعرض قانوني فإن المشتري يستفيد بالدفع بتدخل البائع الضامن . وإذا تعلق الأمر بتعرض مادي فان ذلك يفتح طريق التعويضات مع طلب منع البائع بمباشرة بعض الأعمال. وإذا كان يمنع على البائع المساس بملكية وحيازة المشتري للمبيع فإن البائع يكون كذلك ملزما بمنع التعرض الصادر عن الغير .

في الدعوى التي عالجها القرار موضوع هذا التعليق فإن الأمر يتعلق بضمان التعرض الشخصي المتمثل في قيام البائع المستأنف عليه ببيع العقار مرة ثانية لمشتري ثان الذي بادر إلى إشهار عقد البيع قبل المشتري الأول (المستأنف) فانتقلت الملكية للثاني  دون الأول .

حتى وإن كان هنا التعرض صادر كذلك من جانب المشتري الثاني وهو تصرف صادر من الغير فإنه في نفس الوقت يعتبر تعرضا شخصيا صادرا من البائع نفسه لأن المشتري الثاني في تعرضه استمد حقه من البائع . وسنرى لاحقا أنه في هذه الحالة يجوز للمشتري الأول رفع دعوى ضمان مباشرة ضد البائع .

2 ــ ضمان التعرض الصادر عن الغير

البائع ملزم كذلك بضمان التعرض للمشتري إذا كان التعرض من فعل الغير وهذا الضمان مقرر بقوة القانون .

أ ــ موضوع ضمان التعرض الصادر عن الغير

التعرض الحاصل من الغير الذي يسأل عنه البائع هو التعرض القانوني وأما إذا تعلق الأمر بتعرض مادي صادر عن الغير فإن البائع غير ملزم بالتدخل ، ففي هذه الحالة على المشتري أن يدفع ويواجه الغير في ذلك باستعمال الطرق القانونية المقررة لحماية الحيازة أو الملكية لاسيما رفع دعوى قضائية أمام الجهة المختصة .

إذا وقع تعرض قانوني من الغير فإن البائع وضمن بعض الشروط يكون ملزما بالضمان. مثلا قد يدعي الغير بملكية المبيع أو يدعي بحق الارتفاق. يمكن هنا للمشتري طلب الضمان من البائع وهذا الأخير يكون ملزما بالدفاع عن المشتري برد مزاعم الغير .

ب ـ شروط ضمان التعرض عن الغير

لا يضمن البائع التعرض الصادر عن الغير إلا ضمن شروط .

* يجب أن يكون التعرض حالا لا احتماليا أي واقعا فعلا من الغير. وما دام الغير لم يتعرض للمشتري في حيازة المبيع فليس لهذا الأخير أن يلجأ إلى ضمان البائع . في مفهومه الضيق فإن التعرض ينتج عن دعوى قضائية ونزع اليد هو التخلي أو ضياع المبيع تبعا لحكم يقضي على المشتري برفع اليد عن المبيع .  يجب إذا مبدئيا أن يكون الغير قد رفع دعوى قضائية ضد المشتري ومن هذا التاريخ يقع التعرض ويصبح البائع ملزما بضمان المشتري .

ولكن توجد حالات ينزع فيها المبيع من يد المشتري دون صدور حكم قضائي ضده. إنها الحالات التي يعتبر فيها المشتري أن حق الغير في المبيع ثابت ثبوتا مطلقا كحصول المشتري للعقار بعقد غير مشهر على معلومات تثبت أن نفس العقار قد بيع لشخص ثان بعقد مشهر أو ثبت أنه اشترى عقار ملك للغير .

وهذه هي حالة القطعة الأرضية التي عالجها القرار محل التعليق .

المستأنف ز.ر. وحينما قرر استغلال القطعة الأرضية التي باعها له المستأنف عليه ع. ف. وجد بناية شيدت عليها من طرف شخص أجنبي حائز لعقد بيع تم شهره . لا داعي في هذه الحالة اللجوء إلى القضاء بدعوى ضد المشتري الثاني مادام حق هذا الأخير على العقار ثابت بعقد مشهر فدعوى الضمان التي رفعت ضد البائع مباشرة وبصفة أصلية تكون مقبولة خلافا لما قضى به قرار المجلس .

* سبب  نزع اليد يجب أن يكون من عمل البائع أو حق موجود وقت البيع .

قد ينتج نزع اليد عن أعمال لاحقة ولكن بصفة عامة فإن سبب نزع اليد يجب أن يكون سابقا للبيع ليكون ثمة مجالا للضمان. لا يساءل البائع عن فقدان المشتري للبيع الذي يكون سببه لاحق للبيع والذي أصبح فيه المشتري مالكا للمبيع مع كل ما يترتب عن ذلك . فمثلا إذا نزع العقار من يد المشتري من أجل المنفعة العامة شهرين  بعد البيع وقبض هذا الأخير تعويضا يقل عن ثمن البيع فإن المشتري يتحمل هذه الخسارة دون إمكانية الرجوع ضد البائع عن طريق دعوى الضمان .

ولكن في بعض الأحيان فإن البائع يضمن أعمال لاحقة صادرة من الغير ومثال ذلك الحالة التي فصل فيها القرار محل التعليق . فإذا قام البائع ببيع نفس العقار إلى شخصين واستطاع المشتري الثاني إشهار عقده قبل المشتري الأول فإن المشتري الثاني هو الذي يصبح المالك الشرعي للعقار ففي هذه الحالة فإن المشتري الأول يكون قد فقد المبيع بسبب لاحق للبيع وبفعل البائع .

* يجب أن يكون الشراء بحسن النية .

إذا  ثبت أن المشتري كان يعلم وقت البيع سبب نزع اليد وتعمد إبرام عقد البيع أو أنه اشترى تحت مسؤوليته فإن البائع يكون غير ملزما بالضمان (م.378 من القانون المدني) .

ج - مباشرة دعوى ضمان التعرض الصادر عن الغير

 يجب التميز بين الحالة التي يكون فيها المشتري مهددا بنزع اليد عن المبيع والحالة التي يكون فيها نزع اليد عن المبيع قد وقع فعلا.

 *التهديد بنزع اليد  

إذا زعم الغير حقا عينيا على المبيع ورفع دعوى قضائية ضد المشتري (دعوى استحقاق المبيع - م. 372 من القانون المدني ) فإنه يمكن للمشتري المدعى عليه أن يدافع في الدعوى بمفرده دون مساعدة من البائع . إذا خسر المشتري الدعوى وأجبر على رفع اليد عن المبيع يمكنه حينئذ الرجوع ضد البائع لمطالبته باسترداد ثمن المبيع مع تعويض عن طريق دعوى ضمان أصلية . ولكن هذه الدعوى الأصلية قد تشكل خطرا على المشتري لأنه بإمكان البائع الاحتجاج بنص المادة 372 من القانون المدني لطلب رفض دعوى المشتري .

* وقوع نزع اليد

إذا وقع نزع اليد عن المبيع في حالة صدور حكم قضائي يقضي على المشتري ترك المبيع أو كذلك حينما يعترف المشتري بحق الغير الثابت فإنه يمكن للمشتري مباشرة حقه في الضمان عن طريق دعوى أصلية .

في الدعوى التي صدر فيها القرار موضوع التعليق فإن المشتري لجأ إلى رفع دعوى ضمان أصلية ضد البائع بعد أن ثبت له بأن المبيع قد انتقلت ملكيته للمشتري الثاني بعقد تم شهره .

II  -  التعليق على القرار

بالنظر إلى القواعد التي تحكم ضمان التعرض وشروط مباشرة دعوى الضمان ضد البائع فإنه لا شك أن أسباب القرار محل التعليق لا تتماشى مع هذه القواعد بل تناقضها .

المستأنف ( المشتري)عرض على قضاة الموضوع وقائع دقيقة و واضحة مفادها أن القطعة الأرضية التي باعها له المستأنف عليه ( البائع ) بعقد غير مكتمل (غير مشهر) قد نزعت من يده كليا من طرف مشتري ثان وهذا الأخير ادعى حقه لنفس القطعة عن الطريق الشراء من نفس البائع وبموجب عقد بيع مشهر .

القرار محل التعليق أعاب على المستأنف كونه أسس دعواه على نصوص ثانوية مختلفة مأخوذة من المادة 361 من القانون المدني المتعلقة بالالتزامات الملقاة على البائع والمادتين 371 و 375 من نفس القانون المتصلتين بالرجوع بالضمان على البائع .

في الواقع لا يوجد أي تناقض بين أحكام المادة 361 و أحكام المادتين 371 و 375 إذ وردت كلها في الباب المتعلق بالتزامات البائع. وإذا كانت المادة 361 تقر قاعدة عامة وهي التزام البائع بنقل الحق المبيع للمشتري وأن يمتنع عن كل عمل من شأنه أن يجعل نفس الحق عسيرا أو مستحيلا ، فإن المادتين 371 و 375 تتطرقان إلى الضمان المقرر لفائدة المشتري في حالة إخلال البائع بالالتزامات الواردة في المادة 361 .

حتى في افتراض أن المستأنف لم يعطي للوقائع تكيفها القانوني الصحيح واخطأ في المواد القانونية المطبقة فإن ذلك لا يؤثر على صحة الدعوى باعتبار أن للقاضي كل السلطات لإعطاء الوقائع تكييفها القانوني الصحيح و هذا عملا بالمادة 29 التي تنص أن القاضي يكيف الوقائع و التصرفات محل النزاع التكييف القانوني الصحيح دون التقيد بتكييف الخصوم .

القرار محل التعليق اعتبر دعوى المستأنف ( المشتري) كدعوى استحقاق ومن ثمة استوجب وجود دعوى قائمة من طرف الغير ضد المشتري التي يدعي فيها الأحقية على العقار مع إخبار البائع بهذه الدعوى ، ولكون دعوى المستأنف خالية من كل هذا فإن هذه الدعوى تكون حسب رأي المجلس غير مؤسسة .

التكييف القانوني الذي أعطاه المجلس لوقائع الدعوى هو تكييف لا يتماشى مع هذه الوقائع إذ أن الأمر لا يتعلق بدعوى استحقاق ولكن بدعوى ضمان التعرض الصادر في نفس الوقت عن فعل البائع و عن فعل الغير . دعوى الاستحقاق التي وردت في المادة 375 من القانون المدني هي الدعوى التي ترفع على المشتري من طرف الغير الذي يدعي حقا عينيا على المبيع . في مثل هذه الدعاوي فإن الغير يقاضي المشتري بغرض استرداد المبيع منه وأما في دعوى القرار محل التعليق فإن الأمر غير ذلك إذ أن المشتري هو الذي وجد نفسه مجردا من العقار من طرف شخص أجنبي .

كان بإمكان المشتري فعلا أن يرفع دعوى ضد المشتري الثاني لاسترداد المبيع مع إدخال البائع في الخصومة كضامن ولكن وكما سبق شرحه فإن هذا الطريق لن يعطي نتيجة لأن المشتري الثاني يحوز عقد بيع مشهر خلافا للمستأنف الذي لم يشهر عقده .  ولذلك فإن مقاضاة البائع مباشرة وبمفرده عن طريق دعوى الضمان الأصلية  يكون مقبولا ومطابق للقانون، كما يكون المستأنف عليه البائع ملزما بتعويض المشتري عن فقدانه للمبيع ويكون في هذه الحالة طلب التعويض مؤسس إلا إذا وجد البائع في الحالة المنصوص عليها في المادة 372/3 من القانون المدني  .

المستأنف عليه تغيب أثناء دعوى الاستئناف رغم صحة تبليغه كما تغيب في الدرجة الأولى ولذلك فإن هذا الأخير لم تكن له فرصة التمسك  بأحكام المادة 372/3 من القانون المدني التي تعفي البائع من الضمان لعدم إخباره بواقعة نزع اليد هذا حتى في افتراض أن الدعوى هي دعوى استحقاق .

يستنتج مما سبق أن الدعوى التي رفعها المستأنف المشتري هي دعوى ضمان أصلية موجهة ضد البائع بعد نزع اليد عن المبيع كليا وهذا النزع ناتج في نفس الوقت عن فعل البائع نفسه (إعادة بيعه للمبيع إلى مشتري ثان) وعن فعل الغير (حيازة المشتري الثاني للمبيع بعد شهره لعقد البيع). هذه الدعوى تحكمها المادتين 371 و 375 من القانون المدني فهي ليست دعوى استحقاق المنصوص عليها في المادة 372 من  القانون المدني التي تستوجب إخبار البائع بها وإدخاله في الخصومة كضامن.

القرار محل التعليق رفض دعوى المستأنف المشتري لسبب أخر وهو أن دعوى الضمان في مجال بيع العقارات هي مقررة فقط لصالح المشتري الذي انتقلت له الملكية عن طريق استنفاذ إجراءات الشهر. القرار أشار خطأ إلى أن إلزامية الشهر في بيع العقارات تحكمه المادة 379 من القانون المدني فيما أن الصحيح هي المادة 793 . المجلس في هذه النقطة نهج منطق قاضي الدرجة الأولى .

قضاة الاستئناف هنا لم يميزوا بين دعوى الملكية العقارية التي يتوقف قبولها على حيازة سند ملكية مشهر ودعوى الحال التي هي دعوى ضمان الموجهة ضد البائع في حالة نزع اليد عن العقار محل البيع .  دعوى الضمان المنصوص عليها في المادة  من371 القانون المدني وعندما يتعلق الأمر ببيع عقار هي الدعوى التي ترفع ضد البائع الذي لم يوفي بالتزاماته لاسيما بالالتزامات المتصلة بنقل حق المبيع إلى المشتري باستعمال كل الإجراءات القانونية لنقل هذا الحق كتسجيل وشهر عقد البيع وكذا امتناعه عن كل عمل بشأنه أن يجعل نقل الحق عسيرا أو مستحيلا (م. 361 من القانون المدني) .

دعوى الضمان التي عالجها القرار محل التعليق لا تتوقف طبعا على استظهار المستأنف المشتري الذي فقد العقار لعقد بيع مشهر إذ يكفي لهذا الأخير أن يثبت بأن بيع العقار قد تم فعلا وهذا ما وقع كون البيع تم بعقد توثيقي مسجل . الدعوى التي رفعها المستأنف المشتري هي كما سبق شرحه دعوى ضمان ناتجة في نفس الوقت عن تعرض شخصي وتعرض من الغير وهذا التعرض يتمثل في قيام البائع ببيع العقار مرة ثانية ثم بادر المشتري الثاني إلى شهر عقده قبل المشتري الأول فانتقلت الملكية إليه دون الأول فانتزع  العــقار من هذا الأخير .

مطالبة المشتري الأول في هذه الحالة باستظهار عقد بيع مشهر لقبول دعواه ضد البائع هو في الواقع حرمان المشتري من حقه في التعويض يؤدي إلى حماية البائع المحتال من أي مساءلة علما أنه طبقا للمادة  378 من القانون المدني فإن البائع يبقى مسئولا عن كل نزع يد  ينشأ عن فعله و لو وقع الاتفاق على عدم الضمان و يقع باطلا كل اتفاق يقضي بغير ذلك.

المجلس أخيرا رفض دعوى المستأنف  المشتري بسبب أن هذا الأخير لم يقدم ما يثبت أن البائع تصرف فعلا ببيع نفس القطعة لشخص أخر . هذا التسبيب هو قابل للنقاش من عدة زوايا . المستأنف عليه البائع تغيب رغم صحة تكليفه بالحضور سواء أمام المحكمة أو أمام المجلس القضائي . حتى وإن كان غياب المدعى عليه لا يلزم المحكمة بالاستجابة تلقائيا إلى مزاعم وطلبات المدعي فإن هذا الغياب يمكن أخذه كقرينة بصحة ادعاءات المدعي إذا تضمن ملف الدعوى عناصر مدعمة لهذه الادعاءات .

المستأنف المشتري استظهر محضرا أعده محضر قضائي عاين فيه وجود بناية على وشك الانتهاء على نفس القطعة الأرضية التي اشتراها من المستأنف البائع مع تحديد حدودها ومساحتها وموقعها . المجلس استبعد هذا المحضر بسبب أن هذا المحضر " لا يثبت سوى وقائع مادية بحتة تتمثل في معاينة بناية على وشك الانتهاء من انجازها ولا يرقى إلى مرتبة دليل الإثبات المستوجبة قانونا في مجال التصرفات على العقارات " .

المجلس اعتبر أن مسألة إثبات حيازة واستغلال العقار من طرف المشتري الثاني هي من المسائل القانونية مادام أنه فرض تقديم الدليل في الشكل المطلوب في مجال التصرفات على العقار . هذا النعي قد يصح لو حضر البائع في الخصومة وأنكر واقعة بيعه نفس العقار لمشتري ثان ، ولكن غيابه المتكرر يمنح لمحضر المعاينة الذي قدمه المستأنف المشتري على الأقل قرينة قيام الواقعة المدعى بها . وحتى لا نكون أمام قرار قضائي مضر بحقوق المشتري  فكان بإمكان المجلس إسناد الخبير الذي التمس المستأنف تعيينه لتحديد التعويض عن فقدان المبيع مهمة إضافية تتمثل في إجراء مطابقة بين العقار المشمول بعقد المشتري المستأنف والقطعة التي شرع المشتري الثاني في البناء عليها وذلك في إطار الصلاحيات القانونية التي يتمتع بها المجلس .

 

النقض بدون إحالة : تعليق على قرار صادر عن المحكمة العليا

عـــرض: تعليق على قرار صادر عن المحكمة العليا بتاريخ 13/06/2013 قضى بالنقض بدون إحالة.هذا القرار يثير مسألة تطبيق قواعد المادتين 365 و 374 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية اللتان تجيزان المحكمة العليا نقض القرار المطعون فيه بدون إحالة.

القرار محل التعليق

المحكمــــة العلـــــيا

الغرفة العقارية

القسم الخامس

رقم الملف: 0781971

رقم الفهرس: 02639/13

قــــرار بتــاريخ:

13/06/2013

الجمهوري الجزائرية الديمقراطية الشعبية

باسم الشعب الجزائري

قـــــرار

أصدرت المحكمة العليا ، الغرفة العقارية ، القسم الخامس.

في جلستها العلانية المنعقدة بمقرها الكائن بشارع 11 ديسمبر 1960 الأبيار الجزائر.

بتاريخ الثالث عشر من شهر جوان سنة ألفين وثلاثة عشر.

وبعد المداولة القانونية القرار الآتي نصه:

بين:

1): ع.س المدعي في الطعن بالنقض

الساكن بحي زروقي ، البويرة

من جهــــة

وبين:

1): ع.م. المدعى عليه في الطعن بالنقض

الساكن بالهاشمية البويرة

من جهة أخرى

المحكمـــــــة العلــــــــيا

في جلستها العلنية المنعقدة بمقرها شارع 11 ديسمبر 1960 ، الأبيار ، بن عكنون ، الجزائر

بعد المداولة القانونية أصدرت القرار الآتي نصه:-

بناء على المواد 349 إلى 360 و 377 إلى 378 و 557 إلى 581 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية.

بعد الإطلاع على مجموع أوراق ملف الدعوى ، وعلى عريضة الطعن بالنقض المودعة بتاريخ 08/05/2011 وعلى مذكرة الرد التي تقدم بها محامي المطعون ضده والرامية إلى رفض الطعن.

بعد الاستماع إلى السيد- يعقوب موسى المستشار المقرر في تلاوة تقريره المكتوب و إلى السيدة زوبيري فضيلة المحامي العام في تقديم طلباتها المكتوبة.

وعليه فإن المحكمة العليا

حيث أن الطاعن طلب نقض القرار الصادر عن مجلس قضاء البويرة بتاريخ 05/04/2011 المفهرس تحت رقم 00752/11 الذي قضى بإلغاء الحكم المستأنف والتصدي من جديد برفض الدعوى الأصلية لعدم التأسيس.

في الشكل: حيث أنه ثبت من القرار المطعون فيه ، أن الطاعن وبدعوى انه يملك بموجب عقد قسمة مؤرخ في 20 نوفمبر 1954 وحكم مؤرخ في 10 جوان 1954، عدة قطع أرضية تقع بيوكروزون بلدية الهاشمية، وأنه أجر للمطعون ضده-ابن أخيه- قطعتين منها للاستغلال مناصفة،ولما طالبه بالخروج منهما امتنع ، فرافعه طالبا طرده.

وأن المطعون ضده نفى هذه المزاعم ودفع بالتقادم المكسب طبقا للمادة 827 مدني لحيازته للقطعتين منذ 1972 ملتمسا الرفض.

وأن الدعوى بعد التحقيق والخبرة صدر الحكم المؤرخ في 14/12/2010 الذي قضى بطرد الطاعن من القطعتين الأرضيتين.

وأنه بعد الاستئناف صدر القرار محل الطعن بالنقض.

حيث أن الطعن يستند إلى وجهين لا حاجة لتفحصهما لوجود الوجه المثار تلقائيا والمأخوذ من تجاوز السلطة.

حيث أنه ومما أثبته قضاة الموضوع سياديا أن الطاعن أسس دعواه منذ البداية على الملكية زاعما أنه يملك عدة قطع أرضية منهما القطعتين محل النزاع وذلك بموجب قسمة مؤرخ في 20/11/1954 وحكم مؤرخ في 10/06/1954 وبهذا فالتملك هو سبب الدعوى ، وموضوعها الطرد.

لكن حيث أنه وكما هو ثابت من القرار فإن قضاة الحكم اعتبروا الدعوى تخص الحيازة واستردادها على أساس أن النزاع يتعلق بإيجار القطعتين(حيازة عرضية) من عدمه.

لكن حيث ما ذهب إليه القضاة مخالفا تماما لإرادة الطاعن التي توجهت لسلك طريق الملكية في المطالبة بالطرد وأن الإيجار لا ينزع عن المالك حق سلك هذا الطريق ولا يعطي صفة الحيازة.

كما أن المطعون ضده دفع بالتقادم المكسب لدفع دعوى الملكية مما يدل بما يكفي عن طبيعة الدعوى المرفوعة والمنصبة على الملكية.

حيث أنه من الثابت قانونا طبقا للمادة 25 من ق.إ.م.إ أنه يتحدد موضوع النزاع بالإدعاءات التي يقدمها الخصوم في عريضة افتتاح الدعوى ومذكرات الرد، وأن ليس للقاضي حسب المادة 29 منه سوى الحق في إعطاء ذلك التكييف القانوني المناسب.

حيث أن قضاة الموضوع وبتغييرهم سبب وموضوع الدعوى من الملكية إلى الحيازة ومن الطرد من الأرض إلى إثبات الإيجار واسترداد الحيازة كما هو ثابت من القرار يكونون قد تجاوزوا السلطة التي منحهم إياها القانون وعرضوا بذلك قرارهم للإلغاء.

حيث أن الوجه المؤسس يستوجب نقض القرار.

حيث أنه من المقرر قانونا بموجب المادة 365 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية ، أنه إذا كان قرار المحكمة العليا، فيما فصل فيه من نقاط قانونية ،لا يترك من النزاع ما يتطلب الحكم فيه، فإن النقض يكون بدون إحالة.

حيث أنه وكما قضت المحكمة العليا بنقض القرار على أساس أن قضاة الموضوع تجاوزوا السلطة التي خولها لهم القانون ، بتغييرهم موضوع الدعوى، الذي كان أصلا استرداد الأرض من الحيازة العرضية للمطعون ضده ، فإنه لم يبق من النزاع ما يتطلب الفصل والحكم فيه.

حيث أنه يتعين في هذه الحالة ، القول أن النقض يكون بدون إحالة.

فلهــــذه الأســــبــاب

قضــت المحكمــة العليــــا:

قبول الطعن شكلا،

وفي الموضوع: بنقض وإبطال القرار الصادر عن مجلس قضاء البويرة بتاريخ 05/04/2011 وبدون إحالة.

وبإبقاء المصاريف القضائية على المطعون ضده.

وأمرت بتبليغ هذا النص بالكامل برمته إلى الجهة القضائية التي أصدر فيها القرار المطعون فيه بالسعي من السيد النائب العام ليكتب على هامش الأصل بواسطة كتابة الضبط

بذا صدر القرار و وقع التصريح به في الجلسة العلنية المنعقدة بتاريخ الثالث عشر من شهر جوان سنة ألفين وثلاثة عشر.

من قبل المحكمة العليا الغرفة العقارية القسم الخامس .

و المتركبة من السادة:

زودة عمر رئيس القسم رئيسا

يعقوب موسى مستشارا مقررا

بن عميرة عبد الصمد مستشــــارا

زرهوني صليحة مستشـــــارة

حبار حليمة مستشــــــارة

رابحي أحمد مستشــــــارا

وبحـضـور السيدة : زوبيري فضيلة المحـامـي العــــام

وبمساعدة السيد : اقرقيقي عبد النور أمـيـن الضـبـط

الرئيــس المستشـارالمقـرر أمين الضــبط

_________________________________

 

رفع السيد ع.س. دعوى أمام محكمة عين بسام شرح فيها أنه مالك لعدة قطع أرضية وأن السيد ع.م. طلب منه أن يسلمه قطعتين ليستغلهما مناصفة الشيء الذي وقع وحسب زعمه فإن السيد ع.م. لم يستغل القطعتين حسب ما اتفق عليه ولذلك طلب منه استردادها ولكنه رفض ولذلك التمس من المحكمة إلزامه بالخروج والتخلي عن القطعتين .

السيد ع.م. فند مزاعم خصمه ودفع بأن القطع الأرضية الموجودة في حيازته هي ملك له كما نفى وجود أي عقد أيجار أبرمه معه.

المدعى السيد ع.س. ولإثبات ملكيته للقطع الأرضية احتج بثلاث عقود اعتبر المدعى عليه أنها لا علاقة لها بالعقار محل النزاع.

المدعى عليه دفع بأن العقار محل النزاع يحوزه من أسلافه حيازة صحيحة ومستمرة و دون منازع مما يجعله مالكا بالتقادم المكسب عملا بأحكام المادة 827 من القانون المدني و إثباتا لهذه الحيازة قدم بطاقة تصريح بالملكية مؤرخة في 30/03/1972 .

التحقيق الذي أمرت به المحكمة تضمن تصريحات متناقضة للشهود بعضهم ثبت طروحات المدعي و البعض الآخر ساير تصريحات المدعى عليه.

الخبرة التي أنجزت بأمر من المحكمة لم تدعم طروحات المدعي إذ أشار الخبير إلى أن الوثائق التي يحوزها المدعي غير كافية للفصل في النزاع.

يمكن إذا جمع طلبات و وسائل المدعي فيما يلي :

1 ــ أنه مالك لقطعتين أرضيتين .

2 ــ أنه سلم هتين القطعتين للمدعى عليه على سبيل الإيجار لاستغلالها مناصفة .

3 ــ إن المدعى عليه لم يحترم شروط الإيجار إذ قام بغرس أشجار على الأرض المؤجرة دون ترخيص منه ولذلك طلب طرده ورفع يده على العين المؤجرة .

قاضي الدرجة الأولى وقبل فصله في مسألة الملكية قطع مسألة الإيجار إذ بموجب حكم قبل الفصل في الموضوع فإنه قضى بأن المدعى عليه السيد ع.م. حائز للقطعتين محل النزاع على سبيل الاستغلال مناصفة أي على أساس إيجار فلاحي كما استبعد الدفع بالتقادم المكسب على أساس أن الحيازة مصدرها عقد إيجار ثم و بموجب حكم نهائي قضى بطرد المدعى عليه من القطعتين .

المدعى عليه السيد ع.م. رفع استئنافا في حكم المحكمة أمام مجلس قضاء البويرة متمسكنا بنفس الأوجه التي أثارها أمام قاضي الدرجة الأولى.

المجلس عاين أولا أن الدعوى الأصلية تخص استرداد حيازة عقار و لا تخص الملكية كون المدعي ادعى انه سلم القطعتين لخصمه لاستغلالها مناصفة فحسب المجلس يجب التقيد بمسألة الحيازة.

المجلس و بعد أن ناقش شهادات الشهود المسموعين أمام المحكمة أثناء التحقيق لاحظ أن هؤلاء أكدوا أنهم لم يحضروا الاتفاق المحتج به من طرف المدعي و بعد أن عاين أن المدعي لم يثبت ما يفيد واقعة الإيجار المزعومة فإنه أصدر قرارا مؤرخا في 05/04/2011 قضى بإلغاء الحكم المستأنف مع رفض الدعوى الأصلية لعدم التأسيس.

المدعي الأصلي السيد ع.س. رفع طعن بالنقض ضد قرار المجلس الذي أسفر عن صدور قرار المحكمة العليا المؤرخ في 13/06/2013.

المسألة القانونية التي يثيرها قرار المحكمة العليا هي مسألة النقض دون إحالة و شروطه. إن كان قانون الإجراءات المدنية و الإدارية قد أبقى في المادة 305 الفقرة 1 على القاعدة التقليدية التي كانت تنص عليها المادة 269 من قانون الإجراءات المدنية القديم (I )، فإنه وسع إلى حد ملفت للانتباه صلاحيات كل غرف المحكمة العليا إذ يمكنها لا فقط النقض دون إحالة إذا كان قرار المحكمة العليا ، فيما فصل فيه من نقاط قانونية،لا يترك من النزاع ما يتطلب الحكم فيه (II) بل يمكنها حتى الفصل في الدعوى من حيث الوقائع و القانون إذا توفرت بعض الشروط (III). بعد عرضنا لكل هذه القواعد سنعلق على قرار المحكمة العليا المؤرخ في 13/06/2013 (IV ).

I - الإصلاحات التي أدخلها قانون الإجراءات المدنية و الإدارية في مجال النقض دون إحالة

قانون الإجراءات المدنية القديم تضمن نصا عاما يعالج مسألة النقض دون إحالة و هي المادة 269 : " إذا كان حكم المحكمة العليا فيما فصل فيه من نقاط قانونية لا يترك من النزاع ما يتطلب الحكم فيه، فإنه ينقض الحكم دون إحالة ".و تضمن قانون الإجراءات المدنية القديم كذلك حالتين أخريين للنقض دون إحالة و هما حالة تناقض أحكام نهائية من محاكم أو مجالس مختلفة إذ يمكن حينئذ للمحكمة العليا أن تقضي دون إحالة بنقض أحد الحكمين المتناقضين (م.213 ق.إ.م.)، و كذا حالة ما إذا رفع الطعن بالنقض من طرف النائب العام لدى المحكمة العليا لصالح القانون (م.297 ق.إ.م.إ.).

أبقى قانون الإجراءات المدنية و الإدارية على الحالات السابقة التي وردت في قانون الإجراءات المدنية القديم (م.365 ف.1 ، 358 /13 ، 358/14 و 353 ف.2 ق.إ.م.إ.)، و لكن ما يميز التشريع الجديد أنه أقر قواعد أخرى من شأنها تغيير دور و صلاحيات المحكمة العليا أثناء نظرها في الطعون المرفوعة إليها.

في ظل التشريع القديم، إذا كان بإمكان المحكمة العليا نقض القرار المطعون فيه دون إحالة فلأنه لم يبقى للجهة القضائية المختصة للفصل في الموضوع ما تفصل فيه ، فالأمر لا يعدو أن يكون ربحا للوقت و اختصارا للإجراءات.و أما القواعد الجديدة التي تطبق على الطعن دون إحالة فإنها ستجعل من المحكمة العليا درجة ثالثة للتقاضي.

المادتان 365 و 374 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية تنصان عن حالات مختلفة يتم فيها نقض القرار المطعون فيه دون إحالة.

II.- النقض دون إحالة في إطار المادة 365 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية

كما قلنا فإن المادة 365 الفقرة 1 تنص عن القاعدة التقليدية التي تجيز النقض دون إحالة إذا كان قرار المحكمة العليا ، فيما فصل فيه من نقاط قانونية،لا يترك من النزاع ما يتطلب الحكم فيه.تنقض المحكمة العليا القرار المطعون فيه دون إحالة إذا فصل المجلس في استئناف رفع خارج الأجل القانوني و خرقا للإجراءات المقررة للاستئناف. إذا قضت المحكمة العليا بنقض القرار المطعون فيه كون المدعي الأصلي لم يعرض النزاع أمام لجنة الطعن الأولى المنشئة لدى هيئة الضمان الاجتماعي و ذلك قبل لجوءه إلى القضاء ، فإن النقض يكون دون إحالة لأنه لم يبقى ما يستوجب الفصل فيه [1]. و كذلك إذا قضت المحكمة العليا بنقض القرار القاضي بالطلاق بسبب أن الزوج لم يحضر شخصيا جلسة الصلح ، فإن النقض يكون دون إحالة [2] .و لكن الفقرة الثانية من نفس المادة نصت عن قاعدة متميزة إذ تجيز المحكمة العليا النقض دون إحالة "مع الفصل في النزاع نهائيا " .و لكن لا يمكن تطبيق هذه القاعدة إلا : " عندما يكون قضاة الموضوع قد عاينوا و قدروا الوقائع بكيفية تسمح للمحكمة العليا أن تطبق القاعدة القانونية الملائمة " (م.365 ف.2 ق.إ.م.إ.).

فمثلا إذا قضى القرار المطعون فيه بوقف الفصل في الدعوى إلى حين الفصل في مسألة أولية من طرف المحكمة الإدارية ، فإنه يجوز للمحكمة العليا نقض هذا القرار مع الاستجابة لطلبات المدعي في الطعن [3] .و إذا رفع طعن بالنقض ضد قرار صادر عن مجلس قضائي قضى بإلغاء حكم المحكمة ، فإنه يمكن للمحكمة العليا نقض القرار دون إحالة مع تأييد حكم الدرجة الأولى [4].و إذا قدم طعن بالنقض ضد قرار قضى بإلزام مؤسسة بدفع متأخرات الأجور لعمالها، يجوز للمحكمة العليا نقض هذا القرار مع رفض دعوى العمال الأصلية لعدم التأسيس [5] . كذلك إذا رفض القرار المطعون فيه عن خطأ الحكم بالفوائد التي طلبها المدعي فإن المحكمة العليا تنقض هذا القرار و تأمر بتسديد هذه الفوائد.

الملاحظ أنه حتى في ظل قانون الإجراءات المدنية القديم ، فإن المحكمة العليا وسعت من مجال تطبيق المادة 269 القديمة إلى درجة أنها كرست في الواقع قاعدة مماثلة للقاعدة المقررة في المادة 365 الفقرة 2 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية ، إذ وقع أن فصلت في النزاع نهائيا عوضا من إحالة القضية إلى قضاة لموضوع. ففي قضية تتعلق بنزاع حول إيجار محل معد للسكن ، فإن المحكمة العليا أبطلت قرار المجلس القضائي القاضي بتأييد حكم المحكمة القاضي بإنهاء عقد الإيجار مع طرد المستأجر دون إحالة مع التمديد للحكم المستأنف و ذلك بعد ان عاينت بطلان التنبيه بالإخلاء [6] .

و قد يقع كذلك أن تقضي المحكمة العليا بالنقض دون إحالة بالنسبة للمسألة القانونية المثارة في وجه الطعن و في نفس الوقت تحيل الدعوى إلى قضاة الموضوع للفصل في النقاط الأخرى المتنازع عليها. يتعلق الأمر هنا بما يمكن تسميته " بنقض دون إحالة جزئيا " بمعنى أن المحكمة العليا هنا تفصل في النقطة القانونية المطعون فيها و يبقى فقط لجهة الإحالة الفصل في النقاط العالقة.فمثلا إذا قضى المجلس القضائي عن خطأ أن الدعوى تقادمت ،فإن المحكمة العليا تنقض القرار و تستبعد التقادم و في نفس الوقت تحيل القضية إلى الجهة القضائية التي تعينها للفصل في المسائل الأخرى المتنازع عليها [7] .كذلك إذا استبعد القرار المطعون فيه عن غير صواب وجود خطأ منشئ للمسؤولية فيما أن معاينات قضاة الموضوع توحي خلاف ذلك ،فإن المحكمة العليا تقضي في قرارها بوجود هذا الخطأ و يبقى فقط على جهة الإحالة الفصل في المسألة المتعلقة بتجديد الضرر [8].

هذه القواعد تفترض أن كل العناصر من الواقع تتواجد في القرار المطعون فيه إذ أن دور المحكمة العليا يقتصر على استنتاج الآثار القانونية بصفتها قاضي القانون.

III.- النقض دون إحالة في إطار المادة 374 قانون الإجراءات المدنية و الإدارية

القاعدة السابقة المنصوص عليها في المادة 365 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية تطبق في كل الأحوال دون استثناء. و لكن إذا تعلق الأمر بالفصل في طعن ثان أو طعن ثالث ، فإن قانون الإجراءات المدنية و الإدارية أقر قواعد أخرى توسع بشكل متميز صلاحيات المحكمة العليا التي تصبح هنا بمثابة درجة ثالثة للتقاضي.

طبقا للمادة 374 الفقرة 3 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية : " إذا لم تمتثل جهة الإحالة لقرار المحكمة العليا الفاصل في مسألة قانونية ، يجوز لهذه الأخيرة ، و بمناسبة النظر في الطعن بالنقض الثاني، البت في موضوع النزاع ". هذه السلطة المخولة للمحكمة العليا تكون جوازيه فقط إذ يمكن لها إحالة القضية إلى جهة قضائية تعينها . و لكن إذا تعلق الأمر بطعن ثالث بالنقض فإن المحكمة العليا تكون في هذه الحالة ملزمة بالفصل في الدعوى من حيث الوقائع و القانون ، و لا يمكنها إحالة الدعوى إلى جهة قضائية أخرى ( م.374 ف.4 ق.إ.م.إ.). و قرار المحكمة العليا القاضي بالنقض دون إحالة و الفاصل في موضوع النزاع لا يقبل أي طعن.و يكون هذا القرار طبعا قابلا للتنفيذ ( م.374 ف.5 ق.إ.م.إ.).

IV .– التعليق على القرار

قرار المحكمة العليا المؤرخ في 13/06/2013 قضى بنقض و إبطال القرار الصادر عن مجلس قضاء البويرة بتاريخ 05/04/2011 القاضي بإلغاء الحكم الصادر عن محكمة عين بسام بتاريخ 14/12/2010 القاضي بإلزام المدعى عليه ع.م. بالخروج و التخلي عن القطعتين الأرضيتين و ذلك بدون أحالة.

قضاة قرار المحكمة العليا قضوا بإبطال قرار المجلس المطعون فيه على أساس وجه اثاروه تلقائيا و هو الوجه المأخوذ من تجاوز السلطة و ذلك للأسباب الآتية:

- المدعي الأصلي الطاعن أسس دعواه منذ البداية على الملكية زاعما أنه يملك القطعتين محل النزاع و بهذا فالتملك كان سبب الدعوى و موضوعها الطرد فيما أن قضاة مجلس البويرة اعتبروا عن خطأ أن الدعوى تخص الحيازة و استردادها على أساس ان النزاع يتعلق بإيجار القطعتين.

- ما يدعم أن الأمر يتعلق بالملكية و الحيازة أن المدعى عليه الأصلي السيد ع.م. دفع بالتقادم المكسب.

- قضاة المجلس يكونوا بذلك تجازوا سلطتهم بعد أن غيروا محل وسبب الدعوى من الملكية إلى الحيازة و من الطرد من القطعتين الأرضيتين المتنازع عليها إلى إثبات الإيجار و استرداد الحيازة.

بعد الإشارة إلى نص المادة 365 الفقرة الأولى من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية التي تجيز النقض بدون إحالة إذا كان قرار المحكمة العليا، فيما فصل فيه من نقاط قانونية ، لا يترك من النزاع ما يتطلب الحكم فيه، فإن قرار المحكمة العليا اعتبر أن هذه الحالة متوفرة في دعوى الحال إثر تجاوز قضاة المجلس لسلطتهم بتغيير موضوع الدعوى الذي كان أصلا استرداد الأرض و لذلك لم يبقى من النزاع ما يتطلب الفصل و الحكم فيه.

قرار المحكمة العليا يثير عدة ملاحظات .

رغم أن قرار المحكمة العليا لم يحدد بالتدقيق النص المطبق فإن الأمر يتعلق بدون شك بالفقرة 1 من المادة 365 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية.

كما رأينا فإن هذا النص يطبق في الحالات التي لا يترك قرار المحكمة العليا من النزاع ما يتطلب الحكم فيه أي بعبارة أخرى عندما لا يترتب على النقض الفصل مجددا في موضوع النزاع و قد أعطينا سابقا بعض الأمثلة.

قرار المحكمة العليا اعتبر أن قضاة المجلس أخطئوا في تكييفهم لوقائع الدعوى إذ اعتبروها كدعوى استرداد الحيازة فيما أن الصحيح حسب رأيهم أنها دعوى ملكية.

بغض النظر عن مسألة التكييف القانوني الصحيح لوقائع الدعوى هل هي فعلا دعوى إيجار و استرداد العين المؤجرة أم هي دعوى حماية الملكية كون ليس هذا هو موضوع هذا التعليق ، فإنه حتى إذا افترضنا أن قضاة الموضوع قد أخطئوا فعلا في تكييفهم للوقائع فإن النقض المؤسس على هذا السبب لا يدخل في الحالة المنصوص عليها في الفقرة 1 من المادة المادة 365 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية و هذا لسبب بسيط هو أن الخطأ في تكييف الوقائع لا ينهي النزاع بل يبقيه قائما.

بعد أن قضت المحكمة العليا بأن الأمر يتعلق بدعوى ملكية و طلب طرد المعتدي و لا يتعلق بدعوى إيجار أو حيازة فإنه يبقى بعد إعطاء التكييف الصحيح لطلب المدعي الأصلي مناقشة تبرير و تأسيس الدعوى لا سيما مناقشة دفوع و وسائل الطرفين لا سيما مراقبة مستنداتهم و ذلك لا يتسنى طبعا إلا بعد الخوض في الموضوع الشيء الذي يستبعد إمكانية النقض بدون إحالة.

كان بإمكان قضاة قرار المحكمة العليا الارتكاز لا على الفقرة 1 من المادة 365 التي لا تجد مجالا للتطبيق في دعوى الحال و لكن على الفقرة 2 من نفس المادة التي رأينا أنها تجيز المحكمة العليا النقض دون إحالة "مع الفصل في النزاع نهائيا ". هذا النص يكون أكثر تطابقا مع أسباب النقض الوارد في قرار هذه الهيئة التي تطرقت لجانب من موضوع الدعوى و هي مسألة تكييف الوقائع ، و لكن هنا كذلك رأينا أنه يمكن تطبيق هذه القاعدة فقط عندما يكون قضاة الموضوع قد عاينوا و قدروا الوقائع بكيفية تسمح للمحكمة العليا أن تطبق القاعدة القانونية الملائمة فيما أنه في دعوى الحال فإن القاعدة القانونية التي ثبتتها المحكمة العليا و المتصلة بتكييف الوقائع تستوجب حل مسائل جديدة من الواقع متصلة هذه المرة لا بالحيازة أو الإيجار و لكن بالملكية.

من ناحية أخرى فإن منطوق قرار المحكمة العليا قد يخلق إشكالا أثناء التنفيذ لأنه قضى فقط بنقض و إبطال القرار المطعون فيه الصادر عن مجلس قضاء البويرة دون الحكم صراحة بتأييد حكم المحكمة. باعتبار أن هذا القرار الأخير قضى بإلغاء حكم المحكمة القاضي بالطرد من القطعتين الأرضيتين فما هو مصير هذا الحكم.الحل هو طبعا أن يسترجع حكم المحكمة كل ٱثاره إذ يصبح حكما نهائيا قابلا للتنفيذ و غير قابل لأي طعن.

إذا كان النقض بدون إحالة بصفة عامة يترتب عليه لا محالة خلل في توازن حقوق أطراف النزاع كونه يفصل في موضوع الدعوى نهائيا و يحرم الطرف الٱخر من حق الاحتجاج أمام قاضي الموضوع بوقائع و أدلة جديدة و من ثمة يجب اللجوء إلى هذا الإجراء المتميز بحذر و دون إفراط ، فإن النقض بدون إحالة يجب استبعاده كلما كانت القاعدة القانونية المثارة من طرف المحكمة العليا تستلزم حل مسائل جديدة من الواقع يجب عرضها على قاضي الموضوع و ذلك عن طريق الإحالة و في اعتقادنا هذا هو حال الدعوى التي صدر فيها القرار محل هذا التعليق التي كان من المستحسن إرجاعها إلى الجهة القضائية المختصة في الموضوع للفصل فيها مجددا على ضوء التكييف الجديد الذي كرسه قرار النقض.

البويرة في 10 أكتوبر 2013

[1] غ.إ.،9 نوفمبر 1999،ملف رقم 186766،م.ق.113.2.2000.

[2] غ.أ.ش.، 14 يناير 2009،ملف رقم 474956، م.م.ع.271.2.2009.

[3] Civ.1e,21 mai 1986,Bull.n°131 : « il ya lieu de casser sans renvoi le jugement d’un tribunal d’instance qui avait accueilli une question préjudicielle et de condamner des sages femmes à payer des cotisations ordinales dont le montant a été fixé par le conseil national de l’ordre des sages femmes en application de ses pouvoirs légaux ».

[4] Soc.,9 novembre 2005,Bull.V,n°160.

[5] Soc.,3 mai 2006,Bull.V,n°160.

[6] غ.إ.،5 ديسمبر 2007، ملف رقم 404460،م.م.ع.399.1.2008.

[7] Civ.1,1 juin 1999,Bull.n°178 ;

[8] Civ.1,18juillet 2000,Bull.n°221

 

الاستعجال - تدابير ضرورية

بتاريخ 28/02/2015 أصدررئيس المحكمة الإدارية بالبويرة  أمرا على عرضية يقضي بأمر رئيس البلدية بتسليم المدعي  نسخة من مداولة صادرة عن هذه البلدية٠

هذا الأمر له طابع متميز من أنه صدر عن رئيس الحكمة الإدارية بمفرده  بموجب  أمر على ذيل العريضة و دون اتباع الأشكال و القواعد  المطبقة في المواد الاستعجالية الإدارية لا سيما دون تبليغ العرضية للمدعى عليه و دون عقد جلسة.

الطلب الذي فصل فيه هذا الأمر  يرمي إلى إلزام البلدية بتسليم المدعي نسخة من وثيقة إدارية ( مداولة) فهذا الطلب تحكمه المادة  921 الفقرة 1 من  قانون الإجراءات المدنية و الإدارية التي تعالج مادة الاستعجال الاداري و بالأحرى تعالج أحد أنواع الاستعجال و هو الاستعجال- تدابير ضرورية .

قبل التعليق على هذا الأمر سنعرض الإجراءات و القواعد التي تحكم هذا النوع من الاستعجال الاداري.

مباشرة  دعوى الاستعجال- تدابير ضرورية

خلافا لقانون الإجراءات المدنية القديم فإن قانون الإجراءات المدنية و الإدارية  الجديد نظم بنوع من التدقيق الاستعجال في المواد الادارية. هذا القانون  ميز  بين خمسة انزواع من الاستعجال : الاستعجال الفوري،  الاستعجال في مادة إثبات الحالة ، الاستعجال في مادة تدابير التحقيق، الاستعجال في مادة التسبيق المالي و أخيرا الاستعجال في  المادة الجبائية.

سنقتصر في هذه الدراسة على  نوع من أنواع الاستعجال الفوري ألا و هو الاستعجال التحفظي أو ما يسمى كذلك الاستعجال – تدابير ضرورية  المنصوص عليه في المادة 921 الفقرة 1 من ق.إ.م.إ. التي هذا نصها " في حالة الاستعجال القصوى يجوز لقاضي الاستعجال،أن يأمر بكل التدابير الضرورية الأخرى  دون عرقلة تنفيذ أي قرار إداري ، بموجب أمر على عريضة و لو في غياب القرار الإداري المطعون فيه ". هذا النص هو نفسه النص الذي ورد في المادة 171 مكرر الفقرة 2 البند 3 من قانون الإجراءات المدنية القديم مع بعض الترتيبات.

المادة 921 الفقرة 1 من ق.إ.م.إ. تجيز إذا قاضي  الاستعجال و في حالة الاستعجال القصوى  و دون عرقلة تنفيذ أي قرار إداري  الأمر  " بكل التدابير  الضرورية " و بالأحرى " بكل التدابير الضرورية الأخرى" أي الغير  المشار إليها في  المادتين 919 و 920 من نفس القانون. أغلبية  الطلبات المقدمة على أساس هذا النص  ترمي إما للحصول على تبليغ قرارات أو وثائق إدارية  و إما الحصول على طرد شاغلي بدون سند لأملاك عمومية .و مع ذلك  فإن المادة قد تجد تطبيقات أخرى متنوعة و ذلك بالنظر إلى  الطابع الواسع للمصطلحات المستعملة في النص القانوني.

شروط  اللجوء للاستعجال- تدابير ضرورية

1- قبول دعوى  الاستعجال – تدابير ضرورية

الاستعجال- تدابير ضرورية هو  طعن مستقل  غير موجه ضد قرار إداري فقبوله لا يشترط  إثبات وجود دعوى مطروحة في الموضوع  كما لا يشترط تقديم قرار إداري. يجب على المدعي الذي يرفع طلبه على أساس المادة 921 الفقرة 1 من ق.إ.م,إ. أن يشير صراحة إلى هذا النص في عريضته و إلا اعتبر طلبه  كأنه طعن في الموضوع و يفصل فيه حينئذ على هذا الأساس.

حسب عبارات المادة 921 الفقرة 1 من ق.إم,إ.لا يجوز لقاضي الاستعجال المرفوع له الطلب "  عرقلة تنفيذ أي قرار إداري". فإذا كان طلب المدعي يرمي إلى  عرقلة تنفيذ قرار إداري فإنه يكون طلب غير مقبول و عدم القبول هذا يعد من النظام العام يقضي به القاضي من تلقاء نفسه.هذا لا يعني أنه لا يجوز طلب وقف تنفيذ قرار إداري  و لكن يجب فقط أن يقدم هذا الطلب في إطار النصوص الأخرى  التي تحكم القضاء الاستعجالي الإداري أي المادتين 919 و 920 من ق.إم,إ .

كما هو الشأن في كل الدعاوى يجب أن تكون للمدعي مصلحة في رفع دعواه ويجب كذلك للمدعي تحديد  هوية المدعى عليه. في المنازعات الإدارية، إذا استحال تحديد هوية الشخص أو الأشخاص اللذين احتلوا  بالقوة ملكية عمومية  ( مثلا المضربون الذين احتلوا مقر عملهم) و استحال للإدارة تحديد هوية المحتلين فإن القضاء  الإداري  يجيز رفع الدعوى دون تحديد هوية المدعى عليهم و لكن على شرط أن تقدم الإدارية المدعية محضرا صادرا عن محضر قضائي يعاين فيه رفض المحتلين الكشف عن هويتهم أو إذا تبين من الظروف أنه كان من المستحيل التعرف على هذه الهوية.

2- شروط  تدخل قاضي الاستعجال – تدابير ضرورية

الاستعجال المؤسس على المادة 921 الفقرة 1 من ق.إم,إ.  يستوجب توفر ثلاثة شروط : الاستعجال القصوى ، ضرورة التدبير و غياب منازعة جدية.الشرط الأول و الثاني منصوص عليهما صراحة في المادة 921 الفقرة 1 من ق.إم,إ.   و إما الشرط الثالث فإنه من  خلق القضاء.

أ- الاستعجال القصوى

لا يجوز للقاضي الاستجابة لطلب مؤسس على نص المادة 921 الفقرة 1من ق.إم,إ. دون مراقبة ما إذا كان شرط الاستعجال القصوى متوفر في هذا الطلب. تطبيقا للأحكام العامة للمادة 923 من ق.إم,إ.فإنه يرجع للمدعي إثبات توفر عنصر الاستعجال في التدبير الملتمس اتخاذه.عدم التسبيب الكافي أو التسبيب السطحي  لعنصر الاستعجال قد يترتب عليهما رفض الطلب.

النص يشترط " الاستعجال القصوى"  و ليس فقط " الاستعجال". أراد هنا المشرع الجزائري  حصر حالات الاستجابة إلى الطلبات الرامية إلى استصدار الأوامر التي تصدر بعنوان المادة 921 الفقرة من ق.إم,إ. على الحالات التي يكون فيها الاستعجال استثنائي بمعنى أنه يجب أن تكون الحالة  المرفوعة للقاضي من شأنها  أن تلحق ضررا  خطيرا و وشيكا للمصلحة العامة أو لوضعية المدعي أو للمصالح التي يدافع عليها.عند تقديره للاستعجال القصوى  فإن القاضي لا  يقتصر على الأخذ بعين الاعتبار وسائل و حجج المدعي فقط  و لكن يجب عليه كذلك الاطلاع و تقدير تلك التي يقدمها المدعى عليه و الرامية إلى استبعاد توفر عنصر الاستعجال .عنصر الاستعجال يؤخذ إذا في شموليته أي بأخذ بعين الاعتبار وضعية المدعي و وضعية المدعى عليه على حد سواء. فمثلا إذا قدم طلب  طرد شاغل ملكية عمومية فإن القاضي  سيقدر مصلحة المدعي  في  إخلاء الملكية العامة ( للمصلحة العامة) و مصلحة  المدعي عليه في البقاء بالأمكنة ( في مصلحته الخاصة).

الأمثلة للحالات  التي يكون فيها عنصر الاستعجال القصوى متوفر هي عديدة و متنوعة و مثال ذلك

-  إخلاء شاغلي  الأملاك العمومية بدون سند في حالة ما إذا كان الملك العمومي يتمثل في بناية آلية للانهيار  أو ببناية  تستوجب إجراء  عليها  أشغال أمنية.

- إخلاء مستأجر انتهت  مدة الإيجار المتفق عليها لتسليم العين المؤجرة للمستأجر الجديد.

-  طرد شاغل دون سند لمرفق عام إداري الذي يعيق السير الحسن و العادي لهذا المرفق أو إذا كانت الإدارة بحاجة  ماسة للبناية أو المحل  المشغولين  لاستغلالهما كمرفق عام أو للمصلحة العامة.

- طرد العون العمومي شاغل مسكن وظيفي بعد انتهاء علاقة العمل التي كانت سببا في شغله لهذا المسكن. و لكن إذا كان سبب طلب الإخلاء هو عدم شرعية  شغل المسكن الوظيفي الذي منح للعون دون إثبات الاستعجال فإن قاضي الاستعجال يكون غير مختصا فيجب حينئذ تقديم الطلب إلى الغرفة العادية.

- نزع منشأة  وضعت أو أنجزت على  الملكية العمومية سببت في عرقلة حركة المرور.

- تبليغ القرارات و الوثائق و الملفات الإدارية  إذا كان هذا التبليغ ضروري للحفاظ على حقوق المدعي أمام الجهات القضائية الإدارية  و كان بغرض  تقديم طعن قضائي ( مثلا طلب تبليغ الملف الإداري  الذي اتخذ  على أساسه  مدير الهيئة الإدارية  قرار تسريح المدعي - تبليغ الملف الإداري الذي اتخذ على أساسه الوالي  قرار رفض  فتح عيادة طبية - تبليغ الملف الإداري الذي اتخذ على أساسه قرار التوجيه المدرسي لاين المدعي).

-  وقف أشغال قامت بها مؤسسة  خاصة من شأنها إلحاق أضرار بالملكية العمومية  أو وقف أشغال قامت بها  الإدارية من شأنها الأضرار  بالبنايات المجاورة.

- أمر مالك  القطعة الأرضية  التي انتزعت للمنفعة العمومية بعدم التعرض لأشغال إنجاز طريق وطني  الجارية على هذه القطعة .

- أمر الإدارية بإجراء أشغال تدعيم مسكن مهدد بانهيار بعض أجزائه  بسبب تواجد منشأة عمومية بقربه.

 - إلزام المتعاقد مع الادارة بتنفيذ التزاماته التعاقدية . مثلا إلزامه بإرجاع ماكينات الأشغال العمومية التي حولها من الورشة إلى مكان آخر.

ب- ضرورة التدبير

يجب أن يكون التدبير الملتمس اتخاذه من القاضي الاستعجالي ضروري بالنسبة للمدعي. يجب أن يكون لهذا  التدبير فائدة عملية و إلا  لا يمكن اللجوء إلى قاضي الاستعجال.عادة فإن القاضي لا يميز بين عنصر الاستعجال و عنصر الضرورة . فالقاضي حينما يصدر أمره فإنه كثيرا ما يكتفي بعبارة  : " إن التدبير الملتمس اتخاذه يتسم بالطابع الاستعجالي و الضروري ". في مادة تبليغ القرارات و الوثائق الدارية فإن عنصر الضرورة أو الفائدة  يكون متوفرا إذا كان هذا التبليغ ضروري للسماح للمدعي برفع  دعواه أمام الجهة القضائية الإدارية. يجب أن تكون القرارات أو الوثائق الإدارية الملتمس تبليغها محل دعوى إدارية لاحقة فلو كان الغرض منها اللجوء إلى القضاء المدني فإن طلب التبليغ يكون غير مقبولا.

 كون طلب التبليغ يرمي إلى تمكين المدعي من مباشرة طعن أمام المحكمة الإدارية فإن هذا الطلب يجب أن يقدم أمام قاضي الاستعجال قبل رفع أي دعوى. إذا قدم الطعن أمام قاضي الموضوع  فإن عنصر الضرورة أو الفائدة ينتفي  لأنه في هذه الحالة يجوز للقاضي العادي المطروح أمامه الطعن أمر الإدارة بتبليغ أي مستند مفيد لحل النزاع و هذا في إطار صلاحياته العامة.

إذا رفع  الطلب الاستعجالي من طرف الإدارة فإن عنصر الضرورة ينتج من فقدان هذه الإدارة  للسلطة المقررة للشخص العمومي في إلزام الخواص. إذا طلبت الإدارة من القاضي اتخاذ تدبير لا يمكن لها اتخاذه من تلقاء نفسها فإن عنصر الضرورة يكون مبدئيا  قائما  و بالعكس فإن شرط الضرورة ينتفي إذا كان باستطاعة الإدارة إلزام الشخص بتنفيذ التدبير دون حاجة إلى اللجوء للقضاء. يتعلق الأمر هما بالقاعدة القضائية المعروفة التي تمنع الإدارة من اللجوء إلى القاضي الإداري لطلب اتخاذ تدبير يمكنها اتخاذه تلقائيا دون حاجة لاستصدار حكم من القاضي الاداري .ففي مجال التعمير و البناء مثلا فإن القانون أجاز رؤساء البلديات باتخاذ قرار هدم البنايات المنجزة فوضويا فلو طلبت البلدية من القاضي  الاسعجالي بداعي توفر عنصر  الاستعجال الأمر بهدم هذا  النوع من البنايات فإن الدعوى تكون غير مقبولة لانعدام الضرورة كون بإمكان البلدية  اتخاذ قرار الهدم دون اللجوء للقضاء.

دائما في مجال التعمير و البناء فإذا اشتكى  شخص  من مضايقات ناتجة عن بناية منجزة  على أساس رخصة بناء تم وقف تنفيذها  فإنه يمكنه  اللجوء إلى قاضي الاستعجال – تدابير ضرورية  لطلب أمر رئيس البلدية  باتخاذ التدابير التي يمليها قانون التعمير لجعل حد لهذه الأشغال.ضرورة التدبير تظهر هنا بالنظر إلى الفائدة العملية  التي يجنيها المعني من إقرار احترام قواعد البناء و التعمير.

ج- غياب منازعة جدية

في ظل قانون الاجراءات المدنية القديم  فإن النص الذي كان يحكم الاستعجال- تدابير ضرورية أي نص المادة 171 مكرر- 3 كان يمنع على قاضي الاستعجال " المساس بأصل الحق ". نظريا فإن هذا النص كان يمنع على قاضي الاستعجال  تقدير قانونية  القرارات الإدارية و تأسيس أمره على  اعتبارات تدخل في اختصاص قاضي الموضوع و مع ذلك فإن القضاء أدخل بعض المرونة على هذا المبدأ إذ أجاز قاضي الاستعجال الخوض في أمور قد تمس بالموضوع  و  قبول طلب  يمس بالأصل و لكن على شرك أن لا يصطدم ذلك بمنازعة جدية و مثال ذلك الأمر بطرد شاغل  محل  ما دام طلب الطرد لم يثر منازعة جدية.

قانون الإجراءات المدنية و الإدارية الجديد لم يبقي على  مبدأ " عدم المساس بأصل الحق" و من ثمة فإنه لا يجوز نظريا لقاضي الاستعجال  فرض هذا الشرط على المدعي. و مع ذلك و في انتظار موقف مجلس الدولة من المسألة نعتقد أن إلغاء شرط " عدم المساس بأصل الحق" سيترتب عليه لا محالة منح قاضي الاستعجال سلطة الفصل في مسائل قد لا تدخل في اختصاصه بل تدخل في اختصاص قاضي الموضوع كونها تستوجب مناقشة جدية  و معمقة للوسائل و الدفوع المثارة  في الدعوى.الأكيد أن قاضي الاستعجال في ظل نص المادة 921 الفقرة 1 من ق.إ.م.إ. يتمتع بسلطات واسعة  كونه لم يصبح مقيدا بقاعدة " عدم المساس بأصل الحق".

الحكم في الطلب

الطلب المقدم في إطار المادة 921 الفقرة  من ق.إم,إ. يخضع للقواعد الإجرائية السارية على كل أنواع الاستعجال.و لكن ما يميز التشريع الجديد أن قانون الاجرءات المدنية و الإدارية ينص في المادة 917  أنه " يفصل في مادة الاستعجال بالتشكيلة الجماعية المنوط بها البت في دعوى الموضوع ". من جهة أخرى لا يوجد أي نص يمنح لرئيس المحكمة الإدارية اختصاص في المواد الاستعجالية و هذا خلافا للتشريع القديم الذي اسند لرئيس الغرفة الإدارية وحده سلطة النظر و الفصل في القضايا الاستعجالية ( المادة 171 مكرر ق.إ.م.).فهل يعني ذلك أن الطلبات الرامية إلى استصدار تدابير ضرورية يجب أن تقدم و يفصل فيها دون استثناء من طرف التشكيلة الجماعية للمحكمة الإدارية ؟ أهمية الأمر موضوع هذا  التعليق يكمن في أنه اتخذ من طرف رئيس المحكمة و ليس من طرف التشكيلة الجماعية و هذا رغم عدم وجود أي نص يجيز ذلك.

لا شك أن اللجوء إلى قاضي فرد  هو ضروري لضمان الفصل السريع في الدعاوى الاستعجالية. اللجوء إلى التشكيلة الجماعية للفصل في الطلبات القضائية يكون مصدر لتمديد الخصومات. لذلك فإن إرادة  معالجة القضايا لا سيما القضايا الاستعجالية بسرعة و في آجال قصيرة هو الذي جعل معظم التشريعات  تلجأ إلى القضاء الفردي في القضايا الاستعجالية. و قد نتساءل عن الدافع الذي ترك المشرع الجزائري يتراجع عن القاضي الفرد في المنازعات الاستعجالية الإدارية  و تكريسه لقاعدة التشكيلة الجماعية في هذا النوع من المنازعات. قد يكون المقصود  هو  حمل الجهة القضائية على  الفصل في القضايا الاستعجالية بنوع من الجدية و التمعن و لكن في اعتقادنا فإن مساوئ  قاعدة إسناد القضايا الاستعجالية للتشكيلة الجماعية  عوضا من  إسنادها لقاضي فرد تفوق بكثير محاسنه.  كان بإمكان المشرع التخفيف من مساوئ  قاعدة قاضي الفرد  مثلا  بمنح قاضي الاستعجال صلاحية إحالة القضية المطروحة أمامه الى التشكيلة الجماعية إن  اعتبر  أن هذه القضية تثير إشكالات أو صعوبات خاصة.

الأمر محل هذا  التعليق حاول الاجتهاد في هذا المجال  و ذلك حينما فصل في طلب تبليغ وثيقة من طرف البلدية - و هو طلب يدخل في تعريف الاستعجال- تدابير ضرورية - لا بالتشكيلة الجماعية و لكن بالتشكيلة الفردية.و لكن هذا الأمر و كما سنرى ذلك لم يشرح  الأسباب و الحجج القانونية التي ارتكز عليها لمنح رئيس المحكمة الإدارية سلطة الفصل في الطلب مقام التشكيلة الجماعية  دون تحقيق و دون عقد جلسة.

الإجراءات التي تضمنتها النصوص التي تحكم الاستعجال الإداري و الواردة في قانون الاجرءات المدنية و الإدارية لا تتضمن إجراءات استثنائية بالنسبة لطريقة النظر و الفصل في قضايا الاستعجال المرفوعة في إطار المادة 921 الفقرة 1 من ق.إم,إ. بالعكس فإن المادة 917 أقرت مبدأ التشكيلة الجماعية و إما المادة 923 فإنها كرست قاعدة وجاهية الخصومة الاستعجالية.هذا و أن إجراء إحالة الملف  إلى محافظ الدولة المنصوص عليه في المادة 897 يكون مبدئيا واجب التطبيق حتى في القضايا الاستعجالية ما دام لا يوجد نص صريح  يلغي هذا الإجراء. التطبيق الحرفي لهذه النصوص سيؤثر على السرعة في  الفصل علما أن فائدة اللجوء إلى القضاء الاستعجالي هو بالذات محاولة الحصول على قرار قضائي في اقرب الآجال.

رغم الفراغ القانوني فإننا نعتقد أن اللجوء إلى رئيس المحكمة الإدارية عوضا من التشكيلة الجماعية لا يعارض روح قانون الإجراءات المدنية و الإدارية  و لكن فقط  بالنسبة لبعض المواد الاستعجالية كمادة الاستعجال – إثبات حالة النصوص عليها في المادة 939 من ق.إ.م.إ. و  التي ينحصر فيها دور القاضي الاستعجالي على تعيين خبير أو محضر قضائي لمعاينة وقائع مادية محضة .هذا النعي مؤسس على كون المادة  310 و ما يليها من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية التي  نظمت إجراءات الأوامر على العرائض وردت في الباب الأول من هذا القانون  المعنون " الأحكام المشتركة  لجميع الجهات القضائي". فهذه الأحكام تطبق مبدئيا أمام  الجهات القضائية الإدارية .لا يمكن في نظرنا توسيع مجال  تدخل رئيس الجهة القضائية الإدارية بصفة فردية  إلى المواد الاستعجالية الأخرى و هذا لسبب بسيط و هو  أن قاعدة الفصل في القضايا الاستعجالية بالتشكيلة الجماعية هي قاعدة عامة  لا يجوز استبعاده إلا إذا وجد نصا صريحا.

لذلك نعتقد أن الأمر على عريضة  الصادر عن رئيس المحكمة الإدارية بالبويرة و القاضي بإلزام البلدية  بتبليغ وثيقة إدارية للمدعي الكل دون اتباع الإجراءات المقررة قانونا لا سيما غياب الوجاهية و عدم عقد جلسة و عدم إحالة الملف لمحافظ الدولة  يثير ملاحظات .

التعليق عل الأمر على عريضة

1- الوقائع

بتاريخ 11/02/2015 قدم  المدعين و عددهم 13  إلى رئيس المحكمة الإدارية بالبويرة طلب التمسوا  فيه  أمر رئيس بلدية البويرة بتسليمهم نسخة من مداولة المجلس الشعبي البلدي التي تتضمن قائمة المرحلين خلال سنة  1994 المستفيدين من القطع الأرضية الواقعة بتجزئة 212  بحي أولاد بوشية البويرة .

المدعون برروا طلبهم  بكونهم مستفيدين بقطع أرضية رفضت البلدية تسوية وضعيتها و أن الوكالة الولائية للتسيير و التنظيم العقاريين الحضريين لولاية البويرة التي حلت محل البلدية في مجال التصرف في عقارات البلدية اشترطت منهم إحضار نسخة من المداولة ليتسنى لها دراسة طلب التسوية.

رئيس المحكمة الإدارية استجاب لهذا الطلب  و سبب أمره  كما يلي :

" بعد الاطلاع على العريضية المقيدة بتاريخ 11/02،/2015 الحاملة لرقم 45/2015

حيث أنه من المقرر قانونا و طبقا للمادة 939 من ق.إ.م.إ. أعلاه أنه يجوز للقاضي الاستعجالي ما لم يطلب منه أكثر من إثبات حالة الوقائع بموجب أمر على عريضة و لو في غياب قرار إداري مسبق أن يعين خبيرا ليقوم بدون تأخير بإثبات حالة الوقائع التي من شأنها أن تؤدي إلى نزاع أمام الجهة القضائية.

حيث أن الطلب يجد أساسه في نص المادة 939 من قانون الاجراءت المدنية و الإدارية بعد ثبوت قيام مصلحة الطالبين بناءا على الوثائق المرفقة بعريضة طلبهم مما يتعين الاستجابة لهم.

لهذه الأسباب

نأمر رئيس  المجلس الشعبي البلدي لبلدية البويرة بتسليم المدعين في الطلب نسخة من مداولة....".

2- التعليق

موضوع طلب المدعين يرمي إلى إلزام البلدية بتبليغهم بنسخة من مداولة .الأمر يتعلق إذا بطلب اتخاذ تدبير ضروري فلو قدم هذا الطلب على شكل عريضة مرفوعة أمام قاضي الاستعجال فإن النص الذي كان يجب تطبيقه هو النص الذي سبق شرحه أي  المادة 921 الفقرة 1 من ق.إم,إ. الذي يحكم مادة الاستعجال – تدابير ضرورية.

الأمر محل التعليق استجاب للطلب ارتكازا على أحكام نص المادة 939 من ق.إم,إ. فيما أن هذا النص يتعلق بمادة إثبات الحالة. هذا النوع من الاستعجال أي الاستعجال- إثبات حالة له قواعده و إجراءاته الخاصة لا علاقة لها مع  الطلبات الرامية إلى إلزام الادارات بتبليغ قراراتها  أو وثائقها الإدارية.الاستعجال المنصوص عليه في المادة 939  موضوعه  " إثبات حالة الوقائع " .و مثال ذلك تعيين خبير أو محضر قضائي  لوصف حالة طريق في المكان الذي وقع فيه حادث مرور أو وصف حالة بناية  تضررت من تسربات المياه بداخلها أو وصف حالة مركبة بعد تعرضها لاصطدام ...

الاستعجال – إثبات الحالة و خلافا للاستعجال – تدابير ضرورية لا يستوجب توفر عنصر الاستعجال و هذا هو الفرق الأساسي بين المادتين. قبول طلب إثبات حالة يستلزم فقط إثبات فائدة التدبير المطالب به .

كون الطلب  المرفوع إلى رئيس المحكمة عن طريق عريضة كان يرمي إلى  إلزام البلدية بتسليم نسخة من مداولة أي طلب يخضع للمادة 921 الفقرة 1 فإن تقديمه أمام رئيس المحكمة الإدارية على شكل عريضة و ليس أمام قاضي الاستعجال في شكل عريضة افتتاح دعوى  يكون غير مقبولا. و حتى في افتراض أن هذا الطلب قدم على شكل عريضة استعجالية فإنه يبقى  طلبا غير مقبولا  لأنه و كما سبق شرحه كان على المدعين  إثبات توفر عنصر الاستعجال القصوى في الطلب الملتمس اتخاذه و من جهة أخرى كان عليهم عرض الأسباب التي تجعل التدبير المطالب به أي تبليغ المداولة تدبير له فائدة  و أن هذه المداولة ضرورية لتقديم طعن  أمام الجهة القضائية الإدارية.

إشكالية عدم القبول المترتب على تقديم وثائق غير مترجمة

أصدرت محكمة البويرة في قسمها المدني حكما مؤرخا في 05/02/2018 رقم الجدول 2193/17 رقم الفهرس 315/18   تضمن قضاء متميزا واجتهادا قضائيا مجلبا للانتباه  عالج إشكالية طبيعة الإجراء الذي يفرض ترجمة الوثائق المقدمة في الدعاوى القضائية و المحررة باللغة الأجنبية .

قانون الإجراءات المدنية و الإدارية الصادر بتاريخ  25/02/2008  تضمن نصا يفرض ترجمة أي وثيقة محررة باللغة الأجنبية ( في الغالب باللغة الفرنسية) إلى اللغة العربية  في كل الخصومات  و هي المادة 8 الفقرة 2 و هذا نصها : "يجب أن تقدم الوثائق  و المستندات باللغة العربية  أو مصحوبة بترجمة رسمية  إلى هذه اللغة ، تحت طائلة عدم القبول ".

بعد مدة من دخول هذا القانون حيز التنفيذ  ظهر نوع من التردد عند القضاة في كيفية التصرف مع هذا النص. الإشكال الذي كان مطروحا هو معرفة ما  إذا كان  الإجراء  الذي نصت عليه المادة 8  الفقرة 2  من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية هو إجراء  جوهري   أي أن القاضي ملزم بتطبيقه و بإثارته من تلقاء نفسه أو أنه إجراء شكلي فقط يمكن استبعاده إذا لم تتوفر فيه شروط بطلان هذا النوع من الإجراء.

استقر الرأي  بعد نوع من التردد  على أن إجراء ترجمة الوثائق المحررة باللغة الأجنبية إلى العربية و المحتج بها أمام القضاء هو إجراء  جوهري و من النظام العام أي إجراء لزومي فعدم تقديم ترجمة لوثيقة محررة باللغة الأجنبية يترتب عليه البطلان و بالنتيجة يجب على القاضي استبعاد مثل هذه الوثيقة من النقاش و إذا كانت هي أساس الدعوى فيجب عدم قبول الدعوى.

ميزة الحكم المؤرخ في 05/02/2018  الصادر عن محكمة البويرة أنه نهج طريق مغاير من أنه  رفض التصريح بعدم القبول رغم أن المدعي قدم وثائق محررة باللغة الفرنسية و غير مترجمة.

أسباب الحكم

جاء في تسبيب الحكم المؤرخ في 05/02/2018  ما يلي : " حيث أن المدعى عليها تدفع في مذكرتها الجوابية المقدمة بجلسة 15/01/2018 أن المدعى قدم وثائق و هي محررة باللغة الأجنبية مما يجعل من ذلك خرق للقواعد الشكلية المنصوص عليها في المادة 8 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية ملتمسة رفض الدعوى شكلا ،غير أن دفعها هذا مردود عليه،بدليل أنه تبين للمحكمة أن أحكام المادة 8 الفقرة 2  من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية لم ترتب جزاء بطلان  أو رفض الدعوى شكلا في حالة تقديم الوثائق باللغة الأجنبية طالما أن لا بطلان بدون نص عملا بالمادة 60 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية خاصة و أن المادة 8 الفقرة 2 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية تتعلق بعدم قبول الوثيقة الغير المحررة باللغة الوطنية شكلا لا برفض أو عدم قبول الدعوى. حيث من جهة أخرى فقد تبين أيضا للمحكمة أن المدعى عليها لم تقدم ما يثبت  الضرر الذي لحق بها جراء ما تدفع به  من أجل المطالبة ببطلان أو عدم قبول دعوى الحال شكلا عملا بالمادة 60 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية ، و ما دام أن شروط الدفع ببطلان دعوى الحال غير متوفرة ، الأمر الذي يجعل من دفع المدعى عليها هذا غير مبرر و يتعين حينها على المحكمة رفضه ".

حسب رأي المحكمة فإن الدفع بعدم القبول بسبب تقديم وثائق محررة باللغة الأجنبية و الغير المترجمة  هو دفع غير مؤسس لسببين : °1)   لا يوجد نص صريح يرتب جزاء البطلان في حالة تقديم وثائق باللغة الأجنبية غير مترجمة  و ذلك تطبيق لأحكام المادة 60 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية  °2) المدعى عليها التي أثارت هذا الدفع لم تثبت الضرر الذي لحقه  جراء عدم ترجمة الوثائق المقدمة.

من الناحية المبدئية و من وجهة نظر فائدة  ترجمة الوثائق المحررة باللغة الفرنسية و الصادرة عن هيئات و مؤسسات  رسمية جزائرية  و بالنظر كذلك إلى الأعباء و المصاريف التي يتكبدها المتقاضي لتنفيذ هذا الإجراء  فإن موقف المحكمة  الرافض لإضفاء عدم القبول التلقائي عن عدم احترام هذا الإجراء قد يجد له المرء ما يبرره .

و لكن من وجهة نظر القانون فإن  تفسير المحكمة  للمادة 8  من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية  هو تفسير خاطئ. حكم المحكمة  يحيلنا إلى  التعمق في نظام بطلان الإجراءات في التشريع الجزائري و تحديد  نطاق هذا البطلان. سنعرض ببعض من التفاصيل  هذا النظام  المعقد نوعا ما  و على أساسه سنغلق على حكم المحكمة المؤرخ في 25/02/2008.

1- موقف التشريع من بطلان الإجراءات

  لا يمكن تصور قواعد تخضع لها أعمال الإجراءات دون تدعيمها بقواعد جزاء مخالفتها. فجزاء قاعدة ما هو مقياس فعاليتها. فكل التشريعات بدون استثناء أقرت أنظمة للبطلان قد تختلف من بلد لأخر ، ولكن أغلبية التشريعات تميز بين الإجراء الجوهري الذي يترتب على مخالفته البطلان، والإجراء الشكلي المحض الذي يترك للقاضي تقدير جزاء مخالفته.

فالقانون الفرنسي مثلا يميز بين العيب في الشكل والعيب في الموضوع. فإذا تعلق الأمر بعيب في الشكل، فلا يبطل الإجراء إلا إذا نص على ذلك القانون صراحة. وإذا لم يراعي في تحرير أو تبليغ العقد القواعد الجوهرية، أي أن يكون العقد معيبا في موضوعه، فالجزاء هو البطلان.

1-1 - قانون الإجراءات المدنية القديم الصادر في 1966

  نظرا لندرة وعدم دقة المواد التي خصصها قانون الإجراءات المدنية القديم لنظام البطلان، فإن هذا النظام الذي كان صعب التطبيق كان يرتكز أساسا على مفهوم "النظام العام" الذي أقرته المادة 462 التي هذا نصها: " لا يجوز الدفع بالبطلان أو بعدم صحة الإجراءات من خصم يكون قد أودع مذكرته في الموضوع وكذلك الشأن بالنسبة لعدم الإيداع أو عدم تقديم الكفالة المنصوص عنها في المادة 460؛ وإذا طرأ البطلان أو عدم صحة الإجراءات بعد تقديم المذكرات في الموضوع، فلا يجوز إبداء الدفع به إلا قبل أية مناقشة في موضوع الإجراء الذي تناوله البطلان؛ وخلافا لما هو منصوص عليه في الفقرتين السابقتين يجوز إبداء الدفع الخاص بقواعد الاختصاص النوعي في أي وقت؛ وإذا كان البطلان أو عدم صحة الإجراءات المدفوع به ليس من النظام العام، فيجوز للقاضي أن يمنح أجلا للخصوم لتصحيحه، ويرجع أثر هذا التصحيح إلى تاريخ الإجراء المطعون فيه بالبطلان أو بعدم الصحة ".

الفراغ الذي كان يعاني منه قانون الإجراءات المدنية القديم جعل القضاء يتدخل بشكل واسع لتكريس قواعد التمييز بين البطلان لعيب في الشكل والبطلان لعيب في الموضوع. وعدم تطرق هذا القانون إلى الحالات التي يكون فيها الإجراء باطلا والحالات التي يجوز فيها للقاضي تقدير ما إذا كان يجب إقرار البطلان أم لا، نتج عنه تردد في الحلول القضائية.

2-1- قانون الإجراءات المدنية والإدارية الجديد

  ساير محررو قانون الإجراءات المدنية والإدارية  الجديد الصادر في 2008 تطور القضاء في مسألة شروط بطلان أعمال الإجراءات وطبيعتها، وتطرقوا لها  في المواد من 60 إلى 66. النظام الجديد الذي أقره المشرع يميز بوضوح بين البطلان من حيث الشكل والبطلان من حيث الموضوع.

التمييز بين البطلان من حيث الشكل والبطلان من حيث الموضوع له آثار معتبرة على مستوى نطاق البطلان ونظامه القانوني.

2- نطاق بطلان الأعمال الإجرائية

  أسباب بطلان الأعمال الإجرائية تخضع لنظام مختلف حسبما كان العيب المحتج به هو عيب في الشكل أو عيب في الموضوع. ففي الحالة الأولى، فإن المادة 60 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية  تقر قاعدة "لا بطلان بدون نص"، فيما أن هذه القاعدة تستبعد عندما يتعلق الأمر بالبطلان من حيث الموضوع.

1-2 -أسباب البطلان لعيب في الشكل

  طبقا للمادة 60 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية: "لا يقرر بطلان الأعمال الإجرائية شكلا إلا إذا نص القانون صراحة على ذلك". ويمكن الإشارة على سبيل المثال بالنسبة لشكل الأعمال الإجرائية  لأحكام المواد 15، 18، 407، 540، و 565 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية المتعلقة بعريضة افتتاح الدعوى، والتكليف بالحضور،  ومحضر  التبليغ الرسمي، وعريضة الاستئناف، وعريضة الطعن بالنقض.

يفترض في مثل هذا النظام أن كل إجراء يجب أن يكون متبوعا بنص صريح يقر بطلانه في حالة عدم احترام أشكاله،و إلا اعتبر البطلان كبطلان في الشكل فقط. ولكن الملاحظ أنه كثيرا ما ينص القانون على إجراء معين دون الإشارة إلى جزاء خرق الأشكال المقررة لهذا الإجراء، وذلك رغم أن البطلان يفرض نفسه بالنظر إلى طبيعة الإجراء المنصوص عليه، الذي قد يكون بدون شك إجراء جوهري بل حتى من النظام العام. قانون الإجراءات المدنية والإدارية لم يتطرق إلى هذه الإشكالية، فهل يعني ذلك أن قاعدة المادة 60 التي تقر أنه لا بطلان بدون نص تطبق حتى على حالات خرق أشكال تحرير أو تبليغ الأعمال التي تعتبر تقليديا كأنها أشكال جوهرية ؟

في ظل  قانون الإجراءات المدنية القديم، وبشأن أسباب البطلان لعيب في الشكل، فإن قضاء المحكمة العليا لم يرتب البطلان إلا إذا كان الشكل المقرر جوهريا، وكانت مخالفته مضرة بحقوق الدفاع. اعتبرت المحكمة العليا مثلا أن نسيان إشارة تاريخ الجلسة هو عيب شكلي غير جوهري لا يترتب عليه بطلان الحكم  (المحكمة العليا، الغرفة المدنية،  قرار بتاريخ 12/07/1967، المنشور بمجلة العدالة ، سنة 1966 – 1967 ، صفحة 421 ) ، وأن عدم ذكر اسم الشركة بالتدقيق في القرار لا يؤثر على هذا الأخير ( المحكمة العليا، الغرفة المدنية ، قرار بتاريخ  01/08/1981، قرار رقم 21313، المنشور بنشرة القضاة لسنة 1982 ، صفحة 121)، وإغفال تحديد تاريخ النطق بالقرار لا يمس بحقوق الدفاع ومن ثمة لا يترتب عليه البطلان (المحكمة العليا، الغرفة المدنية، 12/05/1982، قرار رقم 24771، المنشور بنشرة القضاة لسنة 1982، صفحة 155) ، كما أن عدم تبليغ المذكرات للخصم في آجالها هو إجراء غير جوهري وغير مضر بالطرف الٱخر ( المحكمة العليا،غرفة القانون الخاص.، 13/12/1967، المنشور بنشرة القضاة لسنة 1968، عدد 1، صفحة 41.)

رغم أن المحكمة العليا حاولت توضيح مفهوم "الإجراء الجوهري"، فإن هذا المفهوم بقي مبهما. أما محررو قانون الإجراءات المدنية والإدارية فإنهم أغفلوا هم كذلك هذا الجانب من الإجراءات، إذ من جهة لم يقدموا تعريفا دقيقا للإجراء الجوهري أو للإجراء من النظام العام، ومن جهة أخرى لم يتطرقوا إلى آثار مخالفة الأشكال الجوهرية في تحرير وتبليغ الأعمال الإجرائية. لذلك فإن القواعد التي كرستها المحكمة العليا تبقى قائمة. وإما الفقه فإنه يعرف الإجراء الجوهري بأنه ذلك الإجراء الذي يعطي للسند أو للعمل الإجرائي طبيعته وميزاته ووجوده القانوني.

2-2 - أسباب البطلان لعيب متصل بالموضوع    

  حالات بطلان العقود غير القضائية والإجراءات من حيث موضوعها حددت على سبيل الحصر في المادة 64 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، وهذه الحالات هي :

- انعدام الأهلية في الخصوم.ويتعلق الأمر هنا بانعدام أهلية التقاضي.قد يقع هنا خلط بين الدفع بالبطلان لانعدام الأهلية والدفع بعدم القبول لنفس السبب.

- انعدام الأهلية أو التفويض لممثل الشخص الطبيعي أو المعنوي.

المادة 64 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية تنص أن الحالتين المذكورتين سلفا محددتين على سبيل الحصر، فهل يعني ذلك أن المشرع منع الحكم بالبطلان خارج هتين الحالتين؟ النص الصريح للمادة 64 يوحي بذلك، ولكن ما هو مآل مثلا العقد غير القضائي الذي حرره شخص غير المحضر القضائي أو حرره محضر قضائي خارج دائرة اختصاصه؟ هل أن هذا العقد يعتبر عقدا باطلا لعيب في الموضوع، أم أنه عقدا باطلا لعيب في الشكل فقط كونه لا يدخل في الحالتين المنصوص عليهما في المادة 64؟ نفس السؤال يطرح بالنسبة للقواعد التي تحكم ﺁجال طرق الطعن كعدم قبول الاستئناف لفوات أجل رفعه. لا شك أن كلا الاجرائين مشوبان بالبطلان لعيب في الموضوع، ولكن المشرع فضل إدراج هتين الحالتين لا  في خانة الدفع بالبطلان ولكن في خانة الدفع بعدم القبول (م.67 ق.إ.م..إ). في الواقع فإن التمييز بين الدفع بالبطلان و الدفع بعدم القبول ليس له أي أثر عملي كون النظامين القانونيين متشابهين. ويشكل كذلك في نظرنا بطلانا من حيث الموضوع كل مخالفة للمبادئ الأساسية للتقاضي لا سيما مبدأ الوجاهية وحق الدفاع.

في ظل قانون الإجراءات المدنية  القديم  استقر قضاء المحكمة العليا على أنه يشكل عيب في الموضوع كل مخالفة للأشكال الجوهرية، أو كذلك إذا تعلق الأمر بخرق إجراءات اعتبرها المشرع من النظام العام، واشترط فقط أن لا تكون هذه الإجراءات قد وضعت خصيصا لمصلحة الخصوم (المحكمة العليا،الغرفة المدنية، 08/03/1978، قرار رقم 12228، المنشور بنشرة القضاة لسنة 125،صفحة 125  ). ولكن النصوص الجديدة لقانون الإجراءات المدنية والإدارية لا سيما المادة 60 التي أقرت قاعدة لا بطلان بدون نص، والمادة 64 التي حددت حصريا حالات البطلان تجعلنا نتساءل عن جدوى توسيع حالات البطلان خارج إطار المادة 64.

3- نظام البطلان

1-3- شروط البطلان

  إذا كان سبب البطلان يرتكز على عيب في الشكل، يجب على من يتمسك به أن يثبت الضرر الذي لحقه ( المادة 60 من ق.إ.م..إ.) (وهذا الشرط غير ملزم إذا تعلق الأمر بالعيوب من حيث الموضوع. ولكن كلا النوعين من البطلان يشتركان في كونهما لا يقضى بهما إذا زال سبب البطلان بإجراء لاحق أثناء سير الخصومة ( المادة 66 من ق.إ.م..إ).

1-1-3- قاعدة لا بطلان بدون ضرر

  لم يتضمن قانون الإجراءات المدنية القديم نصا صريحا بخصوص قاعدة "لا بطلان بدون ضرر"، واكتفت المادة 462 بالنص على أنه: "إذا كان البطلان أو عدم صحة الإجراءات المدفوع به ليس من النظام العام فيجوز للقاضي أن يمنح أجلا للخصوم لتصحيحه ويرجع أثر هذا التصحيح إلى تاريخ الإجراء المطعون فيه بالبطلان أو بعدم الصحة ". ولكن ورغم الفراغ القانوني، فإن المحكمة العليا كرست قاعدة" لا بطلان بدون ضرر"، إذ قضت في عدة قرارات أنه إذا لحق إجراء من الإجراءات ضررا للخصم أو لحقوق الدفاع،  فإنه يبطل حتى وإن كان العيب المتصل بهذا الإجراء هو عيب في الشكل فقط ( المحكمة العليا، الغرفة المدنية، قرار بتاريخ  16/03/193، قرار رقم 27427، منشور بمجلة الاجتهاد القضائي ،سنة 36 صفحة 36  ). وطبعا فإن تقدير الضرر من عدمه يرجع للقاضي ( المحكمة العليا ،الغرفة المدنية، قرار بتاريخ  09/06/1982، قرار رقم 24887، منشور بنشرة القضاة،سنة 1982،صفحة 158)

قانون الإجراءات المدنية والإدارية كرس في هذا المجال قضاء المحكمة العليا إذ أن المادة 60 أقرت صراحة مبدأ" لا بطلان بدون ضرر"إذ نصت أنه" لا يقرر بطلان الأعمال الإجرائية شكلا، إلا إذا نص القانون صراحة على ذلك وعلى من يتمسك به أن يثبت الضرر الذي لحقه ".

1-1-1-3- القاعدة تطبق على العيوب في الشكل

 حتى يقبل الدفع ببطلان الأعمال الإجرائية شكلا، يجب على من يتمسك به أن يثبت الضرر الذي سببه له العمل الإجرائي المطعون فيه. هل يجب إثبات الضرر إذا كان الإجراء المشوب بالبطلان هو إجراء جوهري أو من النظام العام؟ المادة 60 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية تشير إلى الأعمال الإجرائية شكلا دون تمييز، ومن ثمة فإنه يجب إثبات الضرر لقبول الدفع بالبطلان في الشكل، حتى إذا كان الإجراء الذي تم خرقه هو إجراء جوهري أو من النظام العام.وجود الضرر من عدمه يدخل في السلطة التقديرية للقاضي.

  أخذت المحكمة العليا بنظرية تكافؤ البيانات théorie des équipollents في مجال بطلان الإجراءات لعيب في الشكل، وتبعا لذلك فإنها رفضت البطلان المؤسس على إغفال بيان من البيانات المنصوص عليها قانونا إذا أمكن استنتاج هذا البيان من البيانات الأخرى التي يتضمنها السند (المحكمة العليا ،غرفة القانون الخاص.،قرار بتاريخ 06/02/1969، منشور بنشرة القضاة ، سنة 1969،عدد 3،صفحة 23.  ). ولكن إذا أوقع هذا الخرق مساسا بحقوق الدفاع، فإن المحكمة العليا أقرت بطلان الإجراء (المحكمة العليا، الغرفة المدنية، قرار بتاريخ  16/03/1983، قرار رقم 27427، منشور بمجلة الاجتهاد القضائي ،سنة 1986،صفحة 36).

نص قانون الإجراءات المدنية والإدارية صراحة عن قاعدة تكافؤ البيانات في الباب المتعلق بالأحكام إذ نصت المادة 283 أنه: "لا يترتب على إغفال أو عدم صحة أحد البيانات المقررة لصحة الحكم بطلانه، إذا ثبت من وثائق ملف القضية أو من سجل الجلسات أنه تم فعلا مراعاة القواعد القانونية".

تطبيقات المادة 60 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية التي تستلزم إثبات الضرر لإبطال الأعمال الإجرائية شكلا سيجعل اللجوء إلى نظرية تكافؤ البيانات عديم الفائدة في أغلب الحالات.

2-1-1-3- القاعدة لا تطبق على العيوب المتصلة بالموضوع

 الدفع ببطلان عقد غير قضائي أو إجراء بسبب عيب في الموضوع، يكون مقبولا دون اشتراط وقوع ضررا للخصم.

3-1-1-3 - صعوبات التمييز بين العيب من حيث الشكل والعيب من حيث الموضوع

  التمييز بين العيب من حيث الشكل والعيب من حيث الموضوع، لا سيما على مستوى توفر شرط الضرر من عدمه، قد يثير إشكالات عديدة. وبالفعل إنه من الصعب التمييز بين البطلان من حيث الشكل والبطلان من حيث الموضوع، ومن ثمة فمن السهل الانتقال من بطلان إلى آخر، وإعادة تكييف عيب من حيث الموضوع إلى عيب من حيث الشكل. وإمكانية إعادة التكييف هذه قد يشجع الجهات القضائية إلى الميل بصفة مفرطة نحو تكييف عيوب في الموضوع على أنها عيوب في الشكل تستلزم قيام الضرر لتصبح باطلة، وذلك بغرض تجنب أسباب البطلان.

4-1-1-3 موقف القضاء من بطلان الإجراءات

  إن قضاء المحكمة العليا حول مسألة التمييز بين أسباب البطلان لعيب في الموضوع ولعيب في الشكل يواكب ويتماشى مع النصوص الجديدة لقانون الإجراءات المدنية والإدارية من حيث أنه من جهة، ميز بين العيب في الشكل والعيب في الموضوع، ومن جهة أخرى ألزم توفر شرط الضرر لإقرار البطلان لعيب في الشكل.

وقد استقر قضاء المحكمة العليا على ترتيب البطلان على كل إجراء يشوبه عيب في الموضوع. فالأعمال التي يباشرها فاقد الأهلية هي أعمال باطلة وحتى الأعمال السابقة لقرار الحجر تبطل إذا أعيبت بالتدليس أو سوء النية ( المحكمة العليا، غرفة القانون الخاص، 29قرار بتاريخ/11/1967، نشرة القضاة، سنة 1968،عدد 1صفحة 36  ؛ الغرفة التجارية و البحرية، قرار بتاريخ 12/03/1983، قرار رقم 23713،  منشور بمجلة الاجتهاد القضائي، سنة 1986.، صفحة165). ونفس الجزاء يترتب على الأعمال باسم الموكل دون توكيل (المحكمة العليا، الغرفة الجنائية، 12/07/1966، نشرة العدالة،سنة 1966 – 1967،صفحة 327. ) وأما مخالفة المواعيد المحددة قانونا فيترتب عليها السقوط ( المحكمة العليا، غرفة القانون الخاص، 05/10/1966، مجلة العدالة،سنة 1966 – 1967،صفحة 384).

واعتبرت المحكمة العليا من المسائل الجوهرية، بعض الإجراءات رغم أن قانون الإجراءات المدنية القديم لم يرتب صراحة على مخالفتها البطلان. فسند تبليغ حكم يكون باطلا إن لم يكن هذا السند مرفقا بنسخة من الحكم، ومن ثمة لا يسرى به أجل الاستئناف ( المحكمة العليا،الغرفة المدنية،قرار بتاريخ 14/04/1982، قرار رقم 27437، نشرة القضاة،سنة 1982،صفحة 18). ويجب أن يرفع الاستئناف ضد من كانوا خصوما في الدرجة الأولى ( المحكمة العليا،الغرفة المدنية، قرار بتاريخ 30/03/1983، قرار رقم 30958، مجلة الاجتهاد القضائي ،سنة 1986، صفحة 21. ) مع أن عريضة الاستئناف المرسلة إلى رئيس المجلس القضائي على شكل رسالة تكون مقبولة إذا كان قد تم إيداعها بأمانة الضبط وتضمنت البيانات المقررة قانونا ولو بصورة موجزة ( المحكمة العليا،الغرفة المدنية، قرار بتاريخ 24/05/1982، قرار رقم 29159، مجلة الاجتهاد القضائي ،سنة 1986،صفحة 133.  )ويجب في كل القرارات، تحت طائلة البطلان، النص على أن المستشار المقرر قد تلا تقريره الشفهي ( المحكمة العليا،الغرفة التجارية و البحرية، قرار بتاريخ 20/11/1982، قرار رقم 26387، مجلة الاجتهاد القضائي،سنة 1986،صفحة 158. )كما أن طلب اعتراض الغير الخارج عن الخصومة يكون باطلا إذا كان غير مصحوبا بإيداع الكفالة المنصوص عليها في المادة 192 من قانون الإجراءات المدنية القديم ( المحكمة العليا،الغرفة المدنية ،قرار بتاريخ 09/06/1982، قرار رقم 24573، نشرة القضاة، سنة 1982،صفحة 147).

2-1-3- تصحيح الإجراءات

  إذا تم تصحيح الإجراء المشوب بالبطلان، ولم يبقى أي ضرر قائم بعد التصحيح، فإنه لا يقضي بالبطلان، وعندئذ فإن أثر هذا التصحيح يسري من تاريخ الإجراء المشوب بالبطلان (م. 62 ق.إ.م.إ.).

   نصت المادة 66 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية أنه لا يقضي ببطلان إجراء من الإجراءات القابلة للتصحيح، إذا زال سبب ذلك أثناء سير الخصومة. وقد يتعلق الأمر مثلا بتمثيل فاقد الأهلية.

يمكن تصحيح الإجراء المشوب بالبطلان إلى غاية صدور الحكم. ولكن هل يجوز تصحيح إجراء أثناء الاستئناف، مثلا تصحيح عريضة افتتاح دعوى مشوبة بالبطلان رغم صدور الحكم ولم يطرأ أي تصحيح في الدرجة الأولى؟ قانون الإجراءات المدنية والإدارية لم يعطي حلا للمسألة، ولكن قضاء المحكمة العليا يوحي بأن الإجراء الباطل أو الغير الصحيح يمكن تصحيحه لا فقط إلى وقت صدور الحكم، بل حتى على مستوى الاستئناف. ففي أحد قراراتها فإن المحكمة العليا ساندت قضاء مجلس قضائي تطرق لموضوع الدعوى رغم بطلان التكليف بالحضور مسببة قضائها على أن بطلان التكليف بالحضور لم يؤثر على الحكم المستأنف ( المحكمة العليا،غرفة القانون الخاص، قرار بتاريخ 25/9/1968، نشرة القضاة ، سنة 1969،عدد 1،صفحة 41. )

3 -2- إجراءات الدفع بالبطلان وأثاره   

  يخضع الدفع بالبطلان للقواعد العامة المطبقة على الدفوع، ولكن وباعتبار أن أعمال الإجراءات تباشر وتبلغ طوال سير الخصومة، فإن الدفع بالبطلان يخضع لبعض القواعد الخاصة تتسم بالمرونة.  

1-2-3- متى يجوز الدفع بالبطلان؟

 كما كان عليه الحال سابقا، يجب التمسك بالبطلان لعيب في الشكل بسرعة، وإلا اعتبر الخصم كأنه تنازل عن إثارته. وحسب نص المادة 61 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية: "يمكن إثارة الدفع ببطلان الأعمال الإجرائية شكلا خلال القيام بها، ولا يعتد بهذا الدفع إذا قدم من تمسك به دفاعا في الموضوع لاحقا للعمل الإجرائي المشوب بالبطلان دون إثارته". ولتفادي العوارض المتكررة، فإن المادة 50 من قانون الإجراءات المدنية  والإدارية  تنص على أنه: "يجب إثارة الدفوع الشكلية في آن واحد قبل إبداء أي دفاع في الموضوع، أو دفع بعدم القبول، وذلك تحت طائلة عدم القبول". وبشأن العيوب المتصلة بعقود التبليغ الرسمي فإن المادة 407 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية  تنص على أنه: "إذا لم يتضمن محضر التبليغ الرسمي البيانات المشار إليها أعلاه،يجوز للمطلوب تبليغه الدفع ببطلانه قبل إثارته لأي دفع أو دفاع".

  قلنا أن المادة 64 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية حددت على سبيل الحصر حالات بطلان العقود غير القضائية والإجراءات من حيث موضوعها، وهذه الحالات هي انعدام الأهلية في الخصوم وانعدام الأهلية أو التفويض لممثل الشخص الطبيعي أو المعنوي. في هذه الحالات فإنه يجوز إثارة البطلان لا فقط في أية حالة كانت عليها الدعوى، ولكن كذلك تلقائيا من طرف القاضي. فطبقا للمادة 65 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية: "يثير القاضي تلقائيا انعدام الأهلية، ويجوز له أن يثير تلقائيا انعدام التفويض لممثل الشخص الطبيعي أو المعنوي ".

2-2-3- ممن يقدم الدفع بالبطلان؟

 لا يجوز التمسك ببطلان الأعمال الإجرائية شكلا إلا لمن تقرر البطلان لصالحه ( المادة  63 من  ق.إ.م.إ). ويجب علاوة على ذلك على من يتمسك بهذا البطلان أن يثبت الضرر الذي لحقه (المادة  60 من ق.إ.م.إ) (  المحكمة العليا،الغرفة التجارية و البحرية، قرار بتاريخ 07/02/2007، ملف رقم 391372،   مجلة المحكمة العليا، سنة 2007،عدد 1،صفحة 351).وإذا كان عدم صحة العقد القضائي أو الإجراء مؤسس على بطلان من حيث الموضوع، ويخص انعدام الأهلية أو انعدام الأهلية أو التفويض لممثل الشخص الطبيعي أو المعنوي، فإنه يجوز لأي طرف إثارة البطلان بل يمكن للقاضي حتى إثارته تلقائيا( المادة 64 و 65 من ق.إ.م.إ). 

3-2-3 - ﺁثار البطلان

 مبدئيا فإن ﺁثار البطلان تقتصر على العمل الإجرائي المطعون فيه، ولكن قد يمتد البطلان ليشمل كل الإجراءات المنجزة على أساس العقد الذي أبطل. وأحيانا قد يكون الجزاء الذي يترتب على البطلان أكثر خطورة إذ يؤدي إلى سقوط الحق ذاته. فإذا أبطل عقد الاستئناف مثلا، فإن أجل الاستئناف يكون غالبا قد انقضى. وبطلان التكليف بالحضور قد يترتب عليه تقادم الدعوى وكذا سقوط الحق.

على ضوء ما سبق عرضه فلا شك أن الحكم محل هذا التعليق  المؤرخ في 05/02/2018  لم يميز  بين العيب في الشكل و العيب في الموضوع.فإذا كان العيب في الشكل يخضع فعلا كما رأينا  لأحكام المادة 60   من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية التي تقر قاعدتي لا بطلان بدون نص ولا بطلان بدون  ضرر فإن العيب في الموضوع  لا يخضع لهذين الشرطين سيما إن تعلق الأمر بعدم القبول. عدم احترام الإجراء المنصوص عليه في المادة 8-2  من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية الذي يفرض بنص صريح  تقديم ترجمة للوثائق المحررة باللغة الأجنبية يترتب عليه لا البطلان و لكن عدم القبول و من ثمة لا داعي للبحث عما إذا كان خرق هذا الإجراء قد سبب ضررا للخصم أم لا.إضفاء  طابع عدم القبول على عدم احترام هذا الإجراء يعني أن المشرع اعتبره لا فقط كإجراء جوهري و لكن كإجراء من النظام العام يجوز للقاضي إثارته من تلقاء نفسه.

و مع ذلك و بالنظر إلى طبيعة  إجراء إلزامية ترجمة الوثائق المحررة باللغة الأجنبية  الذي يختلف مثلا عن عدم القبول المترتب  عن انعدام الأهلية  أو عن فوات آجال طرق الطعن فإنه لا مانع في نظرنا  أن يتخذ القاص موقفا مرنا  في معالجة المسألة  فيمكنه مثلا   عوضا من أن يقضي آليا بعدم القبول منح أجل للطرف المعني بتقديم ترجمة للوثائق  التي قدمها و المحررة باللغة الأجنبية  أي  تطبيق أحكام المادة 62 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية . و لكن الحل الأمثل للتخفيف من الآثار  السلبية المترتبة عن إجراء ترجمة الوثائق المقدمة أمام القضاء  هو تدخل المشرع لتعديل أحكام المادة 8-2  من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية و  ذلك بإعطاء القاضي سلطة كاملة في تقدير نوع الجزاء المترتب  عن عدم الترجمة لا سيما منحه سلطة تطبيق المادة 62 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية.

الأستاذ براهيمي محمد

محامي لدى المجلس

حي سي لحلو ، البويرة،الجزائر

Brahimimohamed54@gmail.com

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

Date de dernière mise à jour : 25/03/2018